نتنياهو بين ضغوطات الصهيونية الدينية والضغط الأممي

تفاجأ رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بتصريحات الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب حول الملف النووي الإيراني، حيث استبعدت فيها الخيار العسكري، رغم تلويحه بضربة عسكرية إذا لم تنصع طهران لشروط التفاوض مع بلاده. وقال ترامب “إسرائيل تريد أن تجر الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران، وهذا لن يحصل.”
وفي هذا السياق، تمكن الإشارة إلى أن سياسة ترامب تجاه طهران لا تحمل الكثير من الغموض، فهي تكاد تكون مكشوفة، والأمر يتعلق بعدم إقدام إيران على امتلاك السلاح النووي، حيث إن امتلاك طهران للسلاح النووي يُعتبر، في نظر كل الإدارات الأميركية المتعاقبة، خطا أحمر.
حسب تقدير المراقبين، فإن إيران لا تريد امتلاك السلاح النووي في المدى المنظور، وقد عملت على تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية. فالعمل على إنتاج القنبلة النووية يعد مقامرة إيرانية قد تطيح بنظام الملالي وتساعد في اشتعال الأزمة داخل إيران، خاصة في ظل موجات التذمر المتزايدة بين صفوف الإيرانيين، والتي تعود إلى سياسة المحافظين.
وهذا ما لا يريده الرئيس الإيراني، الذي يعمل بكل طاقاته على تبريد الجبهة مع أميركا، لأن ترك الوضع الاقتصادي السيء الحالي كما هو، سيؤدي إلى انهيار البلاد ودفعها نحو الهاوية.
◄ الأزمات التي تعيشها إسرائيل اليوم تعكس صراعا داخليا عميقا بين اليمين الديني القومي المتطرف، الذي يريد "إسرائيل جديدة" دينية بلا حضور لليبرالية أو الديمقراطية
إذن، ثمة أكثر من خيار وورقة في يد ترامب لزعزعة النظام داخل طهران، لكن يبقى حسم الأمر بشكل كلي ليس في صالح الولايات المتحدة، التي ترى في وجود إيران خطرا يهدد جيرانها، فهي العصا التي تلوّح بها أميركا دائما ضد الدول العربية.
لا يبدو رئيس وزراء إسرائيل في وضع جيد في ظل رفض ترامب لما يصبو إليه في ما يتعلق بضرب المفاعلات النووية الإيرانية. والواقع أننا نجد هناك نزعات تطرفية متباينة، حيث يحمل نتنياهو برنامجين رئيسيين: تقزيم إيران وثنيها عن طموحها النووي. وإطلاق يده في الضفة الغربية وغزة وإعادة احتلال الضفة الغربية وبسط السيادة هناك.
هذان المطلبان تقف خلفهما الجماعة الدينية الضاغطة في إسرائيل، فيما تقف أوروبا والدول العربية سدا منيعا في وجه مخططات نتنياهو وحكومته الدينية وما يقوم به في الضفة الغربية.
الضغط الأممي وضغط الشارع داخل إسرائيل، الذي ينادي بإبرام صفقة مستعجلة، ينذران في النهاية بحل حكومة نتنياهو والإعلان عن انتخابات تشريعية جديدة، وهو ما لا يريده نتنياهو، لأنه في حال تم تحديد موعد انتخابات جديدة، وفي ظل رفض أغلبية الشارع لسياساته الحالية، فإن مصيره السياسي أصبح في مهب الريح، وقد يؤدي ذلك إلى دخوله السجن.
ما أكثر تفاصيل المشهد الدرامي الذي تتوسع دائرته بمرور الوقت! والحديث هنا عن تصريحات نتنياهو المتكررة بأنه يخوض معارك على عدة جبهات، بهدف إعادة بناء وترميم قوة إسرائيل العسكرية، وفرض شروط السلام مع الدول العربية والإسلامية، فضلا عن تبديد الخطر الذي يهدد دولته ووجوده.
لكن ما تخشاه إسرائيل اليوم هو الخوف على مستقبلها، ولهذا نشاهد أن الجبهات التي فتحها نتنياهو منذ أكثر من سنة ونصف السنة ليست فقط للقضاء على حماس، بل لأنه شعر مؤخرا بخطر وجودي على دولته وشعبه.
إسرائيل، تحت حكومة متطرفة، تواجه معضلة كبيرة، وهي إصرارها على عدم تسوية القضية الفلسطينية وفق القرارات الدولية، وإصرارها أيضا على التوسع في دول الطوق، كما يجري اليوم في سوريا. ولهذا، تناشد أحزاب المعارضة في إسرائيل بضرورة حل الحكومة الحالية وإجراء انتخابات تشريعية جديدة.
◄ الضغط الأممي وضغط الشارع داخل إسرائيل، الذي ينادي بإبرام صفقة مستعجلة، ينذران في النهاية بحل حكومة نتنياهو والإعلان عن انتخابات تشريعية جديدة
في هذا المناخ، رأت المعارضة أن الصهيونية الدينية في إسرائيل، التي تتحكم في كل مفاصل الدولة، تقود البلاد نحو الهلاك. فالصهيونية الدينية لا تمتلك نظرة سياسية بعيدة المدى، إذ إن عمرها السياسي قصير وتجربتها السياسية ضعيفة، وهي ماضية في قمع الشعب الفلسطيني لتحقيق الحلم التوراتي بإقامة دولة على كامل فلسطين.
لكن هذا الحلم صعب التحقيق في ظل رفض العالم للتصرفات الأحادية التي تتبناها حكومة نتنياهو الحالية، وما يقوم به بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير في الضفة الغربية.
إن هذه المعطيات تمهد بصورة أفضل للتفاعل مع السؤال الملح: هل يستطيع نتنياهو النجاح في احتواء الأزمات الداخلية المتفاقمة؟
الحقيقة التاريخية لمسار التاريخ السياسي تنطبق على إسرائيل، فهي ليست خارج سياق التاريخ، مما يعني أنها لن تبقى في حالة استقرار نسبي داخلي، بل ربما نشهد تحولا بنيويا طويل الأمد يؤثر بالتأكيد في إسرائيل وشكلها وطبيعتها المستقبلية.
فالأزمات التي تعيشها إسرائيل اليوم تعكس صراعا داخليا عميقا بين اليمين الديني القومي المتطرف، الذي يريد “إسرائيل جديدة” دينية بلا حضور لليبرالية أو الديمقراطية، وهو متحالف مع اليمين القومي العلماني المرتبط بحزب الليكود، مما سهل تحالف مصلحة نتنياهو السياسية والشخصية. والتيار الليبرالي، الذي بات يُطلق عليه “تيار الوسط”، وهو متحالف مع قادة بقايا اليسار الإسرائيلي، ومعهم الناقمون على نتنياهو من اليمين العلماني، بسبب فساده السياسي.
خلاصة القول: هذا التيار يمثل “إسرائيل القديمة”، كما أسسها دافيد بن غوريون، ويحاول الحفاظ على شكلها السياسي السابق، في مواجهة تحولات داخلية تهدد مستقبل إسرائيل بأسره.