ناشرون أم محتالون

تعدّ صناعة الكتب صناعة قومية في الدول المتقدمة، وتوضع ضمن أولى اهتماماتها، مثلها مثل التعليم والأمن الغذائي والتسليح، وغيرها من الملفات الحسّاسة. أما في عالمنا العربي فإنها تأتي في موقع متأخر من اهتمامات الحكومات أو الدول، عدا بعض الاستثناءات، ويترك شأنها لأهواء الأفراد وغاياتهم، يطورونها أو يعبثون بها طبقا لأهدافهم التجارية.
المثال الثاني ورد في مقال كتبه الروائي الكويتي طالب الرفاعي بعنوان “ناشر مخادع وكاتب متواطئ” خلاصته أنه كان ذات يوم في الإسكندرية مع ثلاثة أصدقاء كتّاب، فتوقفوا قرب بائع كتب، ولفتت نظره رواية كتب على غلافها “الطبعة الرابعة عشرة”، فسأل البائع “من هذا الكاتب؟” أجابه بشيء من الهزء: “كاتب مهم”.
وحكى للرفاعي أن الرجل يطبع في كل مرة خمسين نسخة، يأخذ هو ثلاثين نسخة ويوزع عشرين نسخة على أربع مكتبات بواقع خمس نسخ لكل مكتبة، وما يلبث بعد شهرين أن يأتي حاملا طبعة جديدة، وهكذا حتى الطبعة الرابعة عشرة، والنسخ لم تتجاوز 750 نسخة، وأكثر من نصفها موجود لدى الكاتب نفسه. وختم البائع حديثه قائلا بنبرة لا تخفي ضيقه “النشر صار لعبة وشطارة للضحك على القارئ”.
المثال الثالث يرويه الناقد الأردني إبراهيم خليل، معلقا على ما كتبه زميله زياد أبولبن: الأسوأ من هذا أن تقوم دار الكتاب الثقافي بإربد (مدينة في الأردن) بنشر رسالة دكتوراه عنوانها “الفضاء في شعر خليل الخوري” دون علم من المؤلفة التي راجعت الدار، فقالوا لها نحن لا نلمّ من الشارع، وتهكموا عليها بكلمات نابية. والكتاب منشور فعلا ويباع في بعض المكتبات. وربما كان هذا المثال من أسوأ الأمثلة على أساليب الاحتيال التي يمارسها بعض الناشرين العرب.