ميلاد فضائية مصرية بعيدة عن هيمنة الحكومة ينعش المنافسة المفقودة

"الشمس" استعانت بوجوه إعلامية بارزة اختفت لسنوات.
السبت 2021/03/13
سوق الإعلام بإمكانها استيعاب المزيد من المنابر

مثلت انطلاقة قناة “الشمس” المصرية الخاصة إضافة لسوق الإعلام، باعتبارها منبرا مستقلا في الرؤى والتوجهات بعيدا عن سيطرة الحكومة، ويمكن أن تعيد المنافسة المفقودة في الإعلام، بعد غلبة الصوت الواحد على السياسة التحريرية للبرامج الحالية.

القاهرة - شكلت انطلاقة قناة “الشمس” المصرية الخاصة قبل أيام، مفاجأة في ظل الضربات التي يتعرض لها الإعلام ماديا ومهنيا، وحملت إشارات مباشرة على أن السوق ما زالت بإمكانها استيعاب المزيد من المنابر.

وبدا أن احتكار الحكومة لأغلب المنصات الإعلامية لا يعني الهيمنة، وبإمكان جهات أخرى التواجد على الساحة طالما امتلكت إمكانيات تؤهلها للمنافسة.

وانطلق البث المباشر لقناة الشمس، الأسبوع الماضي، بمجموعة مختلفة من البرامج، تنوعت بين القضايا السياسية والاجتماعية والرياضية والترفيهية والنسائية، وجرت الاستعانة بوجوه شبابية، وأخرى قديمة لها مشوار طويل في العمل التلفزيوني، لتكون هناك خلطة تجمع بين الرصانة والاتزان، والحماس والتجديد.

ولم تختلف الخارطة البرامجية لقناة الشمس عما هو معروض على أغلب شاشات القنوات الأخرى، من حيث شكلها ومحتواها والموضوعات التي تسلط الضوء عليها، والاستثناء الوحيد تقريبا في هوية الوجوه التي تظهر على الشاشة، وبعضهم من الأسماء التي لمعت خلال فترة ما قبل ثورة 25 يناير 2011، وجرى إبعادها عن المشهد تباعا.

ميزة إطلاق قناة جديدة تكمن في استيعاب قدرات بشرية أصبحت عاطلة عن العمل، بسبب ترشيد النفقات في القنوات الحكومية

على رأس هؤلاء الصحافي والإعلامي مجدي الجلاد الذي يتولى مهمة الإشراف العام على القناة، ويقدم برنامجا مشتركا مع ثلاثة مذيعين آخرين، معتز عبدالفتاح وجيهان منصور وعلا شوشة، وأسندت إليهم مهمة برنامج الـ”توك شو” الرئيسي على القناة، الذي يناقش قضايا وملفات وموضوعات يومية تشهدها الساحة المصرية.

وتقدم الإعلامية المشاغبة منى عراقي، برنامجا يحمل اسم “الشفرة” ويبدو نسخة من برامجها السابقة التي كانت تفتح فيها ملفات شائكة وتحقيقات ميدانية وفك شفرات قضايا مسكوت عنها، وهي من الوجوه التي اختفت فترة من على الشاشة ثم عادت إليها، لأسباب ترتبط بالموضوعات التي تناقشها والكثير منها يرتبط بقضايا الفساد.

ويرى عاملون في مجال الإعلام بمصر أن الفضائية الجديدة تمثل إضافة للسوق على مستويات عدة، أهمها وجود منبر تلفزيوني مستقل في الرؤى والتوجهات بعيدا عن سيطرة الحكومة على معظم القنوات الموجودة، ويمكن أن تعيد المحطة المنافسة المفقودة في الإعلام، بعد غلبة الصوت الواحد على السياسة التحريرية للبرامج الحالية.

وقال أحمد سعد، وهو اسم مستعار لصحافي ومعد برامج في إحدى القنوات الكبرى، إن ميزة إطلاق قناة جديدة حاليا تكمن في استيعاب قدرات بشرية كثيرة أصبحت عاطلة عن العمل لأسباب ترتبط بترشيد النفقات في القنوات الحكومية، وغلبة البرامج المتخصصة عن العامة بشكل حال دون الاستعانة بأصحاب الكفاءات.

وأضاف سعد لـ”العرب”، أن الإضافة الأهم لمهنة الإعلام مع إطلاق فضائية “الشمس” تكمن في تقديم مذيعين جدد، حيث يوجد عدد كبير من وجوه الصفين الثاني والثالث بإمكان بعضهم أن يثبت وجوده مستقبلا، ويحل مكان الأسماء التي هيمنت على الشاشة لسنوات طويلة وتسبب بعضها في ابتعاد الجمهور عن الفضائيات المصرية، على وقع التلون والتقارب مع توجهات أغلب الأنظمة الحاكمة.

ومن الوجوه التي تبدو من الصفين الثاني والثالث على شاشة “الشمس”، كريم أبوزيد، نيرمين الشريف، أميرة بدر، ميار الببلاوي، أيمن عطاالله، في حين سيكون هناك مذيعون آخرون لهم ثقل مجتمعي في مجالات متعددة، مثل أحمد عبدون وعفاف شعيب ومحمد سعيد، ويقدمون برامج تحمل صبغات دينية واجتماعية وتركز على التقاليد.

واستبعد مراقبون للمشهد الإعلامي أن تكون القناة بهذه الخلطة الإعلامية بداية لمرحلة جديدة من رفع سقف الحريات، لأن الكثير من الأسماء عادت من الماضي وتدرك جيدا تبعات الخروج عن الخط العام المرسوم لأي مذيع أو مذيعة على الشاشة، وقد تصعب مناقشة القضايا السياسية بجرأة.

الإعلامية منى عراقي تعود ببرنامج جديد بعد أن اختفت فترة لأسباب ترتبط بالموضوعات التي تناقشها ومنها ما يرتبط بقضايا الفساد
الإعلامية منى عراقي تعود ببرنامج جديد بعد أن اختفت فترة لأسباب ترتبط بالموضوعات التي تناقشها ومنها ما يرتبط بقضايا الفساد

ويرى هؤلاء أن صاحبة القناة سميرة الدغيدي، تعي حجم الأزمات التي تعرضت لها في فترات سابقة عندما كانت صاحبة محطة “إل.تي.سي”، قبل غلقها ستة أشهر بقرار من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، حيث تغاضت عن أخطاء بعض المذيعين الذين أدخلوا القناة في معارك مع شخصيات وجهات لها ثقل ونفوذ حتى خرجت من المنافسة بشكل تام.

وبدأت الدغيدي العمل في مجال الإعلام من خلال تأجير الهواء من بعض القنوات، وإعادة بيع البث مرة أخرى، وحققت من وراء ذلك مكاسب مالية كبيرة، ثم صارت وكيلة حصرية لفضائية النهار، واستقلت بذاتها وقررت إنشاء قناة “إل.تي.سي”، وبعد غلقها أطلقت مشروع “الشمس” ووضعت فيه كل إمكانياتها المادية وخبراتها الإعلامية.

وإذا كانت مالكة المحطة الجديدة نجحت بمفردها في إطلاقها دون تمويلات حكومية أو مساعدة من رجال أعمال لهم علاقات مع دوائر صناعة القرار الإعلامي، لن تغامر بتجاوز سقف الحريات الموجود حاليا، لتحافظ على هذا المكسب المادي والمعنوي.

وكشفت مصادر من داخل مدينة الإنتاج الإعلامي لـ”العرب”، أن صاحبة فضائية “الشمس”، تمكنت من استقطاب عدد كبير من المعلنين الذين تعاقدوا مع قناة النهار، عندما كانت الدغيدي وكيلا حصريا لها، أيّ أنها لم تبدأ من نقطة الصفر في مسألة الترويج لمحطتها لجلب مصادر دخل جديدة، تضاف إلى ما لديها من ميزانية ضخمة للإنفاق على البرامج من دون أزمات مالية.

ويعوّل الجمهور على القناة لإحداث حراك وتنافس مفقود في الإعلام المصري، لأن السوق لم تشهد منذ سنوات إطلاق فضائيات مستقلة تابعة لشخصيات ليست لها علاقات مباشرة مع الحكومة، وكانت السمة الغالبة السابقة دخول بعض رجال أعمال الحقل الإعلامي لخدمة مصالحهم أولا، وتراجع هذا التوجه مؤخرا، وخرج الكثير من رجال الأعمال، وتركوا قنواتهم لشركة قريبة من الحكومة.

وأكدت ليلى عبدالمجيد عميدة كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا لـ”العرب”، أنه مهما كانت الوفرة المادية عند صاحب المشروع الإعلامي، فدخول السوق في هذا التوقيت مغامرة، لأن صاحبه سيكون مطالبا بعدم التعامل بشكل تجاري، بل باعتبار القناة منبرا يحمل رسالة مهنية متزنة، ما يتطلب عدم التفكير في العائد قبل عدة سنوات، حتى لا تنحرف الرسالة عن مسارها.

وأشارت عبدالمجيد إلى أنّ الجمهور المصري أصبح بحاجة ماسة لمنابر جديدة تعوضه عن حالة الجمود التي تعتري المشهد الإعلامي، وإطلاق محطة مهما كانت سياستها التحريرية من شأنه أن ينعش المنظومة، ويشجع آخرين على دخول حقل الإعلام، ففتح نافذة جديدة هو انتصار للحرية والتنوع، والأهم تقديم برامج مبتكرة وجذابة وهادفة.

18