ميزانية الوجبة المدرسية ترهق جيوب أسر مصرية

المدرسة تحولت إلى أداة للصراع الطبقي مع تراجع القدرة الشرائية.
الأربعاء 2023/10/04
الوجبة المدرسية ينبغي أن تكون متنوعة

تجد الأمهات في مصر صعوبة في توفير الوجبة المدرسية لأبنائها الطلاب أمام تراجع القدرة الشرائية للأسر التي تنتمي للطبقة الوسطى ،ما يخلق نوعا من التمييز بين أطفال الأسر الغنية والفقيرة.وفي حين ينصح أخصائيو التغذية بضرورة أن تحتوي الوجبة المدرسية على مكونات رئيسية بينها البيض والجبن والخيار والمربى والعصائر الطبيعية، تكتفي بعض الأسر بمكون واحد وقطع صغيرة من الخضراوات.

القاهرة - حاولت يسرا محمود، وهي مسؤولة عن ثلاثة طلاب في مراحل تعليم مختلفة أن تحفزهم بمناسبة انطلاق العام الدراسي في مصر مطلع هذا الأسبوع عبر شراء أغذية وأكلات يفضلونها، لكنها وجدت ميزانية الوجبات تجاوزت ما تنفقه على الطعام والشراب، ما يعني زيادة غير متوقعة، في وقت تحتاج فيه لتدبير أموال إضافية توجه لمصروفات الدروس الخصوصية والسيارة التي تقوم بتوصيلهم إلى المدرسة.

ولا تدري يسرا التي تحدثت لـ”العرب” وفي حلقها غصة ظهرت في صوتها الخافت كيف ستوفر قيمة ثلاثة وجبات صباحية يوميا، إلى جانب وجبتي الغداء والعشاء بالمنزل، فهي تعمل معلمة في إحدى الحضانات الخاصة وزوجها يعمل محاسبا بإحدى الشركات، ولا يزيد دخلهما عن ثمانية آلاف جنيه شهريا (نحو 200 دولار)، ما دفعها لإلحاق أبنائها بمدارس تجريبية حكومية، ذات طبيعة مصروفات رمزية.

وقالت “أحاول تدبير مائتي جنيه يوميا (6 دولارات) للطعام والشراب، وهو الحد الأدنى الذي يمكن توفيره مع ارتفاع معدلات التضخم، وحينما ذهبت لشراء مجموعة من الجبن وقطع الدواجن الجاهزة لأشجعهم على الذهاب إلى المدرسة وجدتني في حاجة إلى دفع أكثر من مائتي جنيه، وإذا أكملت على ذلك فميزانية المنزل لن تكفي نصف شهر”.

وتفاضل يسرا بين الاهتمام بالوجبة المدرسية التي أخذت أشكالا مختلفة مؤخراً مع انتشار ما يُعرف بـ”اللانش بوكس”، وبين الحفاظ على ميزانية المنزل والاكتفاء بنوع واحد من الجبن وقطع صغيرة من الخضراوات مع تضاعف أسعارها.

هالة منصور: كلفة العام الدراسي على الطبقة المتوسطة تبقى باهظة للغاية
هالة منصور: كلفة العام الدراسي على الطبقة المتوسطة تبقى باهظة للغاية

ورأت أن الحل الثاني سيكون عمليا، لكنها لا تضمن تأثيره على أبنائها الثلاثة الذين سيقعون فريسة للمقارنة بين وجباتهم التي يتحصلون عليها وبين وجبات أقرانهم.

و”اللانش بوكس” علبة يحملها الطالب معه أثناء ذهابه إلى المدرسة وتستخدم لوضع الطعام بداخلها، وتتراوح المادة المصنوعة منه بين البلاستيك والأستانلس، وتتيح وضع أنواع عديدة من الأكلات تتماشى مع طلاب المدارس الخاصة ممن لديهم قدرة على تنويع مصادر التغذية أثناء اليوم الدراسي.

ولم تتوقف وسائل الإعلام في مصر عن إبراز آراء خبراء التغذية حول مواصفات الوجبات الصحية التي تساعد الطلاب على التركيز طوال اليوم الدراسي الذي يمتد لأكثر من ثماني ساعات، لكن الأزمة في أن جميع النصائح لا تتماشى مع الأسر المنتمية للطبقتين المتوسطة والفقيرة، مع زيادة أسعار الألبان والخضراوات والفاكهة والخبز.

وتؤكد إيمان سليمان، وهي أم لأربعة أطفال في مراحل تعليم مختلفة، أن الاعتماد على الجبن كوجبة رئيسية للطلاب أثناء اليوم الدراسي أضحى مكلفًا للغاية، ويحتاج الأطفال الأربعة إلى ما يقرب من 400 غرام من الجبن في حال كانت وجبة وحيدة، بالإضافة إلى الخبز وقطع صغيرة من الخضروات أو ثمرة فاكهة واحدة وستكون تكلفة ذلك ما يقرب من 50 جنيها (دولار ونصف تقريبا) في اليوم الواحد.

ولفتت في تصريح لـ”العرب” إلى أن وجبة المدرسة لأربعة أطفال لا تقل شهريًا عن 1500 جنيه (40 دولارا)، وهو بند إضافي يصعب تحمله، على الرغم من أن هذا المبلغ يشكل الحد الأدنى الذي يصعب الالتزام به، ومن الوارد أن تتزايد الميزانية لأكثر من ألفي جنيه (55 دولارا)، في حين أن ما تحصل عليه من راتب نظير عملها مديرة مكتب إحدى شركات العقارات لا يتجاوز 3500 جنيه (مائة دولار)، كما أن زوجها يعمل بإحدى الشركات ولا يتجاوز راتبه المبلغ ذاته.

وتعتقد سليمان أنها قد تلجأ للإبقاء على أطفالها بالمنزل يومين أسبوعيًا لتوفير نفقات ذهابهم إلى المدرسة، مع الاعتماد على الدروس المنزلية لمن يتواجدون في المرحلة الإعدادية والثانوية، مشيرة إلى أن وجبات التغذية التي توزعها وزارة التعليم على الطلاب تتوقف بعد فترة وجيزة بسبب سوء تخزينها.

دوائر حكومية تدرك أن حالة الإنهاك التي يتعرض لها البعض جراء زيادة كلفة ذهاب أبنائهم إلى المدرسة سيقود لا محالة إلى زيادة معدلات الأمية والتسرب من التعليم

ووفقًا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر (حكومي)، فإن العديد من السلع الغذائية الرئيسية شهدت ارتفاعات كبيرة في أسعارها خلال أغسطس الماضي وهو الشهر الذي سبق انطلاق الدراسة، وقفزت أسعار اللحوم والدواجن 97 في المئة والخضروات 98.4 في المئة والمواد الغذائية عموما بنسبة 71.9 في المئة.

وينصح أخصائيو التغذية بضرورة أن تحتوي الوجبة المدرسية على مكونات رئيسية بينها البيض والجبن والخيار والمربى والعصائر الطبيعية، وبعض أنواع الفاكهة.

وقالت منى أبوغالي، مُؤسسة ائتلاف “التعلم أمن قومي” وهو من المجموعات الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، إن التكافل مطلوب بين الطلاب بما لا يساهم في إظهار الفجوة بينهم، والعديد من المبادرات التي انطلقت الأيام الماضية هدفت لإحداث تبادل في الوجبات المدرسية بين الطلاب، وبعض أولياء الأمور من ميسوري الحال أكدوا على إعداد وجبات إضافية لمن ليس لديهم القدرة على توفيرها.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن سوء توزيع التغذية المدرسية وعدم تضمنها على المحتويات التي تتماشى مع بيئة المدرسة وبما يُفيد الطلاب يساهم في الأزمة، لأن العصائر أو الألبان تكون في حاجة إلى أماكن حفظ وتخزين، وهو أمر لا يتوفر في غالبية المدارس الحكومية، وأحيانا توجد حالات تسمم ويصبح الحل وقف التغذية.

وأشارت إلى أن أولياء الأمور يجدون صعوبة في توفير نفقات أبنائهم التي تتعدد بين المصروف اليومي وقيمة السلع الغذائية وما يتحملونه من أموال لتوصيلهم إلى المدرسة، والبديل الأفضل قد يكون في إبقائهم بالمنزل، في ظل اختلاف معايير الإنفاق لدى الكثير من الأسر التي تضطر لشراء احتياجاتها بالقطعة توفيراً للنفقات.

وحاولت الحكومة المصرية التخفيف على الأسر بإتاحة معارض لمستلزمات المدارس بأسعار مخفضة وألحقتها بأخرى تشمل بيع سلع ومنتجات غذائية ذات ارتباط مباشر بالمدرسة، إلى جانب توسع وزارة التعليم في إعفاء غير القادرين على دفع المصروفات.

Thumbnail

وتدرك دوائر حكومية أن حالة الإنهاك التي يتعرض لها البعض جراء زيادة كلفة ذهاب أبنائهم إلى المدرسة سيقود لا محالة إلى زيادة معدلات الأمية والتسرب من التعليم.

وتشير أرقام الجهاز المركزي للتعبة العامة للإحصاء إلى أن نسب التسرب من التعليم في المرحلة الإعدادية ارتفعت بنحو 0.87 في المئة عام 2022، وبلغت 43.3 ألف طفل مقارنة بـ 0.2 في المئة بنحو 25.3 ألف في المرحلة الابتدائية، كذلك الوضع بالنسبة إلى المرحلة الابتدائية حيث ارتفعت نسب التسرب من التعليم بين الذكور وبلغت 0.23 في المئة، حوالي 14.97 ألف طفل من الذكور، مقابل نسبة 0.17 في المئة، حوالي 10.40 ألف طفل للإناث.

وأكدت الخبيرة في شؤون المجتمع والأسرة هالة منصور أن كلفة العام الدراسي على الطبقة المتوسطة بشرائحها ويمثلون موظفين لديهم دخول ثابتة يصُعب زيادتها بالطرق المشروعة تبقى باهظة للغاية وهؤلاء يواجهون ضغوطا اقتصادية صعبة، وينظرون للمدرسة كوسيلة للحراك الاجتماعي وتفتح أمامهم أبواب الارتقاء.

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن التعليم بمصر يأخذ في التغير من صيغة التعليم المجاني إلى التعليم المكلف من حيث مصروفات، وأن المدرسة أصبحت إحدى آليات الصراع الطبقي، ما يجعل طموحات الطلاب وأولياء أمورهم مرتفعة بالنسبة إلى دخولهم الثابتة، وأن عملية النظر للآخرين ترهق الأسر التي كان لديها في السابق نظام غذائي واحد.

وأشارت منصور إلى أن صعوبات توفير الوجبة المدرسية لديه تأثيرات من الناحية الصحية وأن بعض الأسر لا تستطيع توفير المتطلبات الرئيسية لنمو الطفل بشكل كبير ويكون ذلك مكلفا بدرجة كبيرة عليها، في حين أن توفير الغذاء للأطفال عبر تقديم تسهيلات حكومية يبقى أمرا مهما لأن ذلك سيجنبها الإنفاق على هؤلاء في المستقبل لعلاجهم.

16