مولر لن يكون قيصر

الألماني ولاعب بيارن ميونخ أصبح مجرد رقم في قلعة الأليانز ارينا.
الأحد 2019/10/27
مولر المقاتل

قصة اليوم أبعد ما تكون عن قصة الأمس، لقد تغيرت التفاصيل والوقائع رغم عدم تغيّر “الشخوص” وثبات البطل في موقعه.

انتفت المؤشرات الواعدة والمشوقة التي ظهرت في البدايات، والتحفت الأحلام الوردية بلون رماد دخان تناثر في الفضاء، فلم يعد له أي أثر سوى بقايا “نار” كانت في ما مضى مستعرة كأنها بركان آتٍ في لحظة ثورته.

لكن تلك النار أكلت “ابنها”، التهمت الحلم وقطعت الطريق أمام كتابة تاريخ مجيد وحافل، وحوّلت الفتى الرائع المتقد حماسا وموهبة إلى مجرد لاعب غير مرغوب فيه، لقد حكمت الظروف وسَطّر بقية المشاركين في هذه القصة تفاصيل نهاية قريبة تلوح حزينة.

الحديث هنا يخص بالأساس النجم الألماني توماس مولر، هذا اللاعب الذي أرهقته السنوات بعد أن بلغ من العمر ثلاثين ربيعا، لن يحظى مستقبلا بالمكانة التي كان يتمتع بها في السابق.

هذا اللاعب يبدو أنه أصبح يشكل عبئا صُلب فريقه البافاري بايرن ميونيخ، ويوشك على الخروج مضطرا من معقل القياصرة والنجوم الأساطير.

خطوة أخرى قد تطيح به خارج المنظومة وتجعله يبحث عن مستقر جديد لإنهاء آخر مراحل مسيرته الكروية.

كل المؤشرات الحالية توحي بهذا الأمر، فمولر خرج من حسابات كوفاتش مدرب البايرن حيث لم يعد يعول عليه ضمن الأساسيين، بات مجرد لاعب احتياطي يتم اللجوء إليه كلما اقتضت الحاجة ذلك.

الأخبار الرائجة مؤخرا ربطته بالانتقال إلى إنتر ميلان الإيطالي، ولا يستبعد أن يخرج مولر من “عرينه” متوجها صوب وجهة أخرى، خاصة وأن الكل يعلم أن المدرب الكرواتي للبايرن لا يتورع أبدا عن إبعاد “الرموز”.

حصل هذا الأمر في الموسم الماضي مع روبن وريبيري، ولا مانع لديه في أن يتكرر الأمر ذاته مع مولر هذا الموسم الحالي، ففي ظل إعجاب كوفاتش بمهارات البرازيلي كوتينيو لم يعد لمولر أي دور مؤثر صلب الفريق.

وما يمكن تأكيده أن هذا اللاعب الذي تعتبره أغلب الجماهير الألمانية تجسيدا للروح الألمانية الخالصة قد يتلقى “الطعنة الثانية” في مسيرته.

فالأمر ذاته حصل منذ فترة قصيرة مع مدرب المنتخب الألماني يواكيم لوف عندما قرر عدم توجيه الدعوة مستقبلا لهذا اللاعب، واليوم جاء الدور على مدرب البايرن الذي ينتظر اللحظة المناسبة “للإجهاز” على فتى ألمانيا.

مولر هو مثل “السمكة” التي لا تقدر على العيش إلا في بحرها، مولر لو خرج من البايرن لن يقدر على الاستمرار طويلا.

مولر لو خرج من الباب الصغير لن يكتب له أن يدخل سجل الأساطير من الباب الكبير، هكذا شاءت الأقدار والظروف، هكذا جاءت معطيات الزمن الحالي كي تخالف كل مؤشرات البداية الواعدة.

فالحديث عن مولر ربما يمكن أن ينطلق من أرض جنوب أفريقيا، ففي مونديال 2010 ظهر هذا الشاب المتوهج، لقد رسم النجم الصغير نفسه بسرعة ضمن مشروع منتخب ألماني متجانس.

في تلك البطولة افتك صاحب الحادية والعشرين ربيعا النجومية من الجميع، سجل خمسة أهداف جعلته ينهي البطولة في صدارة الهدافين.

مولر قائد غير مرحب به
مولر قائد غير مرحب به 

الأهم من ذلك أنه مهد لنفسه كي يصبح مستقبلا الهداف التاريخي لكأس العالم، خاصة وأن صغر سنه يمنحه الأفضلية المطلقة.

جاءت نسخة مونديال 2014 مفعمة بالآمال والأحلام، لقد تحقق التتويج الجماعي وحصدت ألمانيا اللقب، وكان مولر أحد صناع التتويج، بيد أنه لم يحسن أرقامه التهديفية كثيرا.

بالتوازي مع ذلك، حصد المهاجم الهداف العديد من الألقاب مع البايرن، كان لسنوات طويلة إحدى أهم ركائز الفريق، كان أيضا أحد نجوم المنتخب الألماني.

إلى أن تلقى “الطعنة الغادرة” من المدرب لوف الذي قرر إبعاده نهائيا عن تشكيلة “الماكينات” عشية مونديال روسيا 2018، انتهى الحلم بدخول السجل المختصر لأساطير كأس العالم والمنتخب الألماني، لن يكون بمقدوره استكمال المشروع، ولن يتسنى له أن يصل إلى الأرقام التهديفية لمواطنه كلوزه أو البرازيلي رونالدو.

رغم ذلك كفكف دموعه، أراد أن يعوض ويثأر لنفسه من بوابة البايرن، بدأ صفحة جديدة في مسيرته بعد أن أغلق نهائيا صفحة المنتخب الألماني.

انطلق الموسم الجديد، بدأه الفريق الألماني بأهداف عديدة أهمها التتويج الأوروبي، خطط كوفاتش لإنجاح هذه المساعي، أما مولر فقد اعتقد أنه سيكون دوما ضمن المشروع الكبير للفريق، توهم أنه سيكون ضمن خطط المدرب.

لكن كل شيء بدأ يتوضّح، فقدوم وافدين جدد، وبروز لاعبين شباب، أحالا مولر على دكة البدلاء، حوّلاه إلى مشروع نجم يتأهب للاعتزال القريب ومغادرة البايرن.

بدأت خيوط النهاية الحزينة تتشكل، وبات مولر قريبا من الوداع، وأي وداع للاعب كان يعتقد أنه سيكون نجما خرافيا، لكن من المؤكد أنه لن يكون أبدا أحد قياصرة ألمانيا.

23