موقف جزائري غامض من بوادر التدخل التركي في ليبيا

الجزائر – عقدت هيئة المجلس الأعلى للأمن في الجزائر، اجتماعا برئاسة الرئيس عبدالمجيد تبون، هو الأول من نوعه منذ العام 2013، لدراسة بعض الملفات المطروحة في البلاد، وعلى رأسها الوضع الأمني والاستراتيجي على الحدود الجنوبية والشرقية.
ويعد المجلس الأعلى للأمن، المكون من مسؤولين سامين في الدولة، على غرار الرئاسة والداخلية والأمن والدفاع وبعض القطاعات السيادية، أعلى مؤسسة في البلاد تجتمع وتتداول في الأوضاع الاستثنائية داخليا وخارجيا.
وحسب بيان لرئاسة الجمهورية، فإن الاجتماع خصص لدراسة ما أسماه بـ “الهبة الشعبية التي رافقت تشييع جنازة القائد السابق لهيئة أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح”، وللتطورات المسجلة على الحدود البرية الجنوبية والشرقية، ومالي وليبيا على وجه التحديد.
وأفاد البيان بأن المجلس أقر عدة إجراءات ستدخل حيز التنفيذ فورا، لمواجهة التطورات المنتظرة لاسيما في ظل بوادر التدخل العسكري التركي في ليبيا، وتفعيل الدور الجزائري في الملف الليبي، لكنه لم يفصح عن شكل أو طبيعة تلك الإجراءات.
ويرى متابعون للشأن السياسي الجزائري، أن الإجراءات الواردة تندرج في سياق غلق كلي للحدود البرية الجنوبية والشرقية، وتعزيز التواجد العسكري واللوجستي على الشريط الحدودي تحسبا لأي اختراق للحدود الإقليمية سواء في صورة انسحابات تكتيكية للمجموعات المتصارعة في ليبيا، أو أي محاولات لجر الجزائر إلى أتون الحرب المنتظرة.
ولم يجتمع المجلس الأعلى للأمن منذ العام 2013، تحت رئاسة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، بسبب الفراغ المؤسساتي الذي عاشته البلاد طيلة تلك السنوات بسبب مرض الرئيس المذكور، وعدم قدرته على أداء مهامه الدستورية.
ويضم الشريط الحدودي الجزائري الليبي الممتد على نحو ألف كلم، مصالح استراتجية كآبار النفط والغاز وحتى خزانات المياه الجوفية، فضلا عن تواجد العديد من الشركات الأجنبية في المنطقة في إطار النشاط النفطي، وهو ما يشكل عبئا أمنيا واستراتجيا على الحكومة.
وكانت قيادة الجيش قد أعادت نشر قوات ووحدات الجيش في الحدود الشرقية والجنوبية منذ سقوط نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي العام 2011، تحسبا للأخطار القائمة ودخول قوى إقليمية على خط الصراع في المنطقة وإمكانية جرها إلى حرب مدمرة.
ورغم بوادر الأزمة التي أحاطت بالنظام السياسي السابق بقيادة الرئيس بوتفليقة، إلا أن الدبلوماسية الجزائرية حافظت على حضورها في الملف الليبي، قبل أن ينكفئ دورها ويتم التفرغ كليا للوضع الداخلي، خاصة في ظل الفراغ المؤسساتي وهشاشة السلطة، بعد تنحي بوتفليقة في مطلع أبريل الماضي.
وتعرض الموقف الجزائري لانتقادات عديدة بشأن الأزمة الليبية، رغم أن وزير الخارجية السابق عبدالقادر مساهل، بذل جهودا معتبرة لدى العواصم الإقليمية، للمساهمة في بلورة حل توافقي بين الأطراف المتصارعة في ليبيا، واستقبلت بلاده العديد من الشخصيات والوجوه الليبية، بما فيها المحسوبة على التيار الإسلامي المتطرف عبدالحكيم بلحاج.
ورافعت الدبلوماسية الجزائرية حينها على “الحل السياسي في الأزمة الليبية وعلى الحوار بين جميع أطراف الصراع”، وشددت على “عدم التدخل الخارجي أو الانحياز لطرف على حساب آخر”، فضلا عن رفض التدخل العسكري الخارجي في ليبيا.
وبقيت الحكومة متمسكة بدستورية عدم تخطي الجيش الجزائري لحدوده الإقليمية، أو المشاركة في الحروب خارج تراب بلاده، رغم الضغوطات التي مورست عليها من طرف قوى إقليمية كفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، للمساهمة في الحرب على الإرهاب بمنطقة الساحل.
ومع ذلك لم تتوان الجزائر في إبداء تعاون مالي واستخباراتي ولوجستي مع جيوش أجنبية تخوض حربا على الجماعات الجهادية في الساحل الصحراوي، لكنها بقيت متمسكة بعدم تخطي جيشها لحدوده الإقليمية.
إلا أنه لم تتضح إلى حد الآن طبيعة العودة والتفعيل، إذا كانت مراجعة للموقف الجزائري من تركيبة الأزمة، أو البقاء على الموقف التقليدي وتثمينه بنشاط دبلوماسي فعال، وباستثناء جدول أعمال المجلس الأعلى للأمن المنعقد مساء الخميس، فإنه لم يسجل أي تحرك في هذا الشأن.