موسم البوقرعون

عالم الأزهار.. مركز الحياة جنبًا إلى جنب مع البشر.
السبت 2021/04/03
“خدود البوقرعون”.. جنان الحب والرومانسية

ذات ربيع، نظم أبناء الحي رحلة إلى الحقول الشاسعة المحيطة بمدينتي لجمع المشموم، وهو نبات أصفر ذو رائحة زكية، ينبت في الأرض كالمشروم وغيره يظهر في موسم الربيع وكنا نتبارى من يجمع أكثر. تأخرنا وحارت الأمهات في أمرهن وبلغن الشرطة التي كادت تخرج للبحث عنا لولا عودتنا في الوقت المناسب وأكلت يومها “علقة” بعد أن بعثر محصولي من المشموم فوق رأسي.

تذكرت الحادثة الأسبوع الماضي، حين ذهبت لقطف باقة حقلية رائعة مكوّنة من زهور من جميع الأشكال والأحجام والألوان.. لا شيء يضاهي التجول في حقل زهور برية على مد البصر. بالنسبة لي الزهور البرية، وخاصة البوقرعون، هي العلامة الكاملة للجمال في الطبيعة. لقد انفجرت الحقول أخيرا بالبوقرعون، لقد وصل الربيع وعاد كل شيء إلى الحياة!

ليس غريبا أن عالمة الطبيعة الحديثة العظيمة لورين إيسلي وضعت الأزهار في مركز الحياة جنبًا إلى جنب مع البشر. أظن أنها محقة تماما. لنتخيل الكوكب دون أزهار.. يشبه الأمر تخيّله دون ألوان بأنه سيكون مكانًا مملا وحزينا.

لأكثر من 130 مليون سنة غطت الزهور البرية الأرض بسحرها ومنحت الطبيعة نصف ألوانها ولطالما كانت الجندي المجهول للكوكب. أفكر في الزهور البرية كأنثى تلد فتهب الحياة وتشارك في استدامة الخلق.

في تونس البوقرعون هي شقائق النعمان، تلك الزهرة الحمراء الرقيقة بساقها الهشة الرشيقة، وبتلاتها الكبيرة كالحرير وقلبها الأسود الغامق، ضربت لجمالها الأمثال كقول الأجداد “خدود البوقرعون” كدليل على النضارة والجمال. نظّم الشعراء قديما وحديثا في جمالها القصائد، كانت الزهرة الزاهية مصدر إلهام دائم للفنانين. تجسدت البوقرعون في الأساطير القديمة. وباتت رمزا وطنيا في دول كثيرة.. صنعت منها الأدوية، استخدمها فيسبوك كإيموجي، طبعت على الفساتين والملابس وحاكت الإكسسوارات جمالها حتى أنها وشمت على الأجساد.

في تونس أسموها بوقرعون وطبعت صورتها على طابع بريد قيمته ربع دولار. بالنسبة لي أحب النسخة الفرنسية من الاسم le coquelicot  (كوكوليكو).. أظنه اسما موسيقيا يليق بها. والحقيقة أني لا أعرف سبب تسميتها بوقرعون في اللهجة العامية التونسية.

وإذا كنتم تبحثون عن هدية لمن تحبون، فإن قطف باقة من البوقرعون سيكون أمرا غاية في الروعة للتعبير عن الحب أو الامتنان أو الفرح أو المودة أو التقدير أو التعاطف أو الرومانسية أو الاعتذار.. لن يتكلف الأمر شيئا.

24