مواقع التواصل تعمّق أزمة الدولار في مصر

القاهرة - في مصر، ما أن تكتب على محرك البحث الشهير غوغل أو على أيّ من مواقع التواصل الاجتماعي كلمة دولار، تظهر العشرات من الصفحات المتخصصة في تجارة العملة على مستوى البيع والشراء، والتي لا يعبأ أصحابها بالتحذيرات التي أطلقتها الأجهزة الأمنية وجهات مصرفية مؤخرا حيال تعرض القائمين بالمتاجرة في العملات الأجنبية على شبكات التواصل لعقوبات بالحبس والغرامة ومصادرة الأموال.
وتحولت بعض منصات التواصل إلى ما يشبه شركات صرافة، من يريد بيع العملات الأجنبية التي بحوزته يكتفي بالدخول على صفحة متخصصة في تجارة العملة لعرض ما لديه من أموال أجنبية، ويطلب الاستعلام عن السعر، وخلال دقائق تصل التعليقات التي تبلغه بتكلفة الشراء بالجنيه المصري ثم تحدث عملية تفاوض حول أعلى سعر.
ويذهب من يريد معرفة سعر الدولار الحقيقي في السوق السوداء أو الموازية إلى هذه الصفحات ويستعلم، وسريعا تحدث مضاربات، وهناك من يعرض أسعارا كبيرة للدولار مقابل الحصول عليه من المواطنين، ما أسهم في تعميق أزمة الدولار في مصر، على الرغم من تشدد الحكومة في منع تداول العملات الأجنبية خارج الإطار الرسمي، وهو البنوك وشركات الصرافة المعتمدة، والمتاجرة فيها دون وجه حق.
وضبطت أجهزة الأمن كميات كبيرة من العملات الأجنبية جرى تداولها في السوق السوداء، وهو نفس الأمر الذي يحدث على شبكات التواصل إذ يقوم بعض المواطنين بعرض العملات لإغراء المشترين على تقديم أعلى سعر أملا في جني مزيد من الأرباح نظرا إلى الفارق الكبير بين السعر الرسمي ونظيره في السوق الموازية.
قرار الحكومة بإغلاق بعض شركات الصرافة والتضييق على سوق العملة بسبب التلاعب في الأسعار قاد إلى تحول مواقع التواصل لسوق بديلة في ظل أزمة نقص الدولار
وقاد قرار الحكومة بإغلاق بعض شركات الصرافة والتضييق على سوق العملة بسبب التلاعب في الأسعار بشكل مبالغ فيه إلى تحول مواقع التواصل إلى سوق بديلة في ظل أزمة نقص الدولار التي تواجهها الدولة والارتفاع الجنوني في سعره، ما تسبب في وصول سعره إلى 50 جنيها بينما سعره الرسمي لا يتعدى 30 جنيها.
وتتنوع الشريحة التي تلجأ إلى السوق السوداء على منصات التواصل في مصر لشراء العملات الأجنبية، بين مواطنين عاديين يحتاجون إلى الدولار لأغراض شخصية، مثل السفر ودفع مصروفات أولادهم بالعملة الصعبة في المدارس والجامعات الأجنبية، أو بعض التجار والمستوردين الذين لا يستطيعون الحصول عليه من البنوك.
ويطلب الشخص الذي يمتلك عملات أجنبية بيع ما لديه عبر منصات التواصل لمشتر آخر يقيم في نفس منطقته السكنية، أو على الأقل داخل محافظته كي لا يتعرض إلى النصب والاحتيال، حيث يقوم بالدخول على الصفحة وعرض ما لديه من دولارات ويطلب بيعها بسعر معين، ويتم الاتفاق على المكان والتوقيت المناسبين وبعدها يتواصل البائع والمشتري هاتفيا أو عبر رسائل إلكترونية.
وتبدو تجارة العملة عبر الشبكات الاجتماعية مغامرة غير محسوبة العواقب لطرفيها، فالمشتري قد يدفع مقابلا ماديا في أموال مزورة يصعب اكتشافها، والبائع يمكن أن يتعرض لفخ وتسلب منه أمواله، أو يبيع عملة أجنبية مزيفة أيضا، وفي جميع الأحوال لن يكون لدى كليهما جرأة إبلاغ الشرطة عن التعرض للنصب، لأنهما سلكا طريقا غير مشروع لبيع العملة أو شرائها.
ونشطت حركة شراء الدولار عبر منصات التواصل في مصر مع تنامي الشعور بأن هناك نية لدى الحكومة لاتخاذ قرار بخفض قيمة الجنيه مجددا (التعويم)، وأيّ كميات سيتم شراؤها على سبيل الادخار تجلب المزيد من المكاسب المادية لأصحابها، ما عزز المضاربات التي حولت المنصات فرصة لمن يرغب في بيع ما لديه من عملات.
وما يلفت الانتباه أن الحكومة وهي تعاني أزمة مرتبطة بشح الدولار لا تراقب حركة تجارة العملة على مواقع التواصل جيدا، باعتبار أن ذلك تهديد صريح للأمن القومي، حيث يندر الإعلان عن ضبط متعاملين في هذه السوق مع أن تجارتهم علنية وحساباتهم يمكن الوصول إليها وتحديد هوياتهم وأماكن تواجدهم.
خبراء في شؤون الاقتصاد يطالبون بضرورة أن تكون رقابة الحكومة على شبكات التواصل مضاعفة طالما أنها أصبحت نافذة للإضرار بالقطاع المصرفي
ويطالب خبراء في شؤون الاقتصاد بضرورة أن تكون رقابة الحكومة على شبكات التواصل مضاعفة طالما أنها أصبحت نافذة للإضرار بالقطاع المصرفي، ولدى أجهزة الأمن أدوات فنية وتكنولوجية تمكنها من تحقيق ذلك، وتمتلك الحجج الكافية التي تدافع بها عن نفسها أمام الانتقادات التي قد تتعرض لها بفعل الرقابة على صفحات التواصل، لأن ضرب السوق الموازية على الشبكات الاجتماعية لم يعد رفاهية.
ومنح القضاء المصري لوزارة الداخلية الحق القانوني في مراقبة مواقع التواصل وتحديدا الصفحات التي تضر بالأمن القومي، لكن ذلك عرّض الحكومة لانتقادات واسعة من منظمات حقوقية بحجة أنها تنتهك حرية الرأي والتعبير، وتطارد تحركات الناس عبر الفضاء الإلكتروني وتدفع بهم نحو المحاكمة.
وقال وليد حجاج الباحث والخبير في أمن المعلومات إن بيع العملات الأجنبية وشراءها على شبكات التواصل وصل إلى مرحلة متقدمة في مصر، وقد تكون هناك أطراف معادية للدولة تعمل على تغذية هذا الأمر وتشجيعه لتوسيع أزمة نقص الدولار في البلاد من خلال إغراء الناس على الشراء بأسعار مرتفعة، لكن هذه مخاطرة بحكم أن المتاجرة عبر المنصات الاجتماعية أحد أهم طرق النصب والاحتيال.
وأضاف لـ”العرب” أن تجار العملة على مواقع التواصل يتحدون الحكومة لأنهم يعرضون أسعارا مبالغا فيها وتضر بالاقتصاد، وبعضهم لديه مندوبون في مناطق مختلفة، ما أغرى شخصيات عادية لا تفهم في العملة وأنواعها وأسعارها أن تدخل هذه التجارة مدفوعة بما يمكن أن تحققه من أرباح سريعة، مطالبا بتتبع أصحاب الصفحات لأنهم يشكلون تهديدا لدور الجهاز المصرفي.
ويُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر، وغرامة لا تقل عن مليون جنيه تصل إلى خمسة أضعاف هذا المبلغ، كل من تعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات التي تم الترخيص لها، وهي عقوبات قانونية يمكن تطبيقها على المتعاملين في تجارة العملات عبر شبكات التواصل، لكن لا يوجد تركيز إعلامي على العقوبات وتوعية المواطنين بمخاطر تجارة العملة إلكترونيا.