مواقع التواصل تحوّل مهنة الطب إلى سلعة تجارية

ضعف الرقابة يضاعف من انتهاكات الأطباء المصريين على المنصات الإلكترونية.
الثلاثاء 2021/10/05
طبيب عن بعد

تسبب ضعف البنية التشريعية الخاصة بالتعامل مع جرائم مواقع التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية بشكل عام في مصر وعدم قدرة بعض الأجهزة التنفيذية على تطبيق قوانين تضبط العلاقة بين الجمهور ومقدم السلعة في تحويل مهنة الطب إلى سلعة عبر صيغة يرتضيها طبيب غير مرئي أحيانا، ومريض تحيط به ظروف اقتصادية واجتماعية تجعله أكتر ارتياحًا للتواصل عبر المنصات الإلكترونية.

القاهرة- رصد تقرير صادر مؤخراً عن لجنة الاستماع بنقابة الأطباء المصرية 84 مخالفة على مواقع التواصل المختلفة خلال الشهرين الماضيين، تنوعت بين نشر معلومات عن حالات مصحوبة بصور لمرضى دون النظر إلى الآثار السلبية على متابعي تلك الصفحات، وخرق حقوق المرضى وأسرارهم لجذب المزيد من المتابعين على مواقع التواصل.

وتضمنت الانتهاكات الخوض في تفاصيل علاجات وأدوية مازالت في طور البحث العلمي فضلا عن استشارات هاتفية عديدة، ومجاراة بعض الأطباء لـ”الترند” وتوظيفه لجذب المرضى إلى صفحاتهم من خلال نشر أطباء في تخصصات مختلفة معلومات بشأن فايروس كورونا أو “الفطر الأسود”.

أحمد الأحمر: مواقع التواصل أضحت بديلاً للأطباء عن وسائل الإعلام

لم يعد الطبيب “م. أ” وهو أحد أطباء الأطفال المشهورين بالقاهرة بحاجة لأن يمكث في عيادته ساعات طويلة على مدار اليوم كي يستقبل الحالات ويفحصها لكنه يكتفي فقط بساعتين أو ثلاث قبل أن يقرر غلق عيادته ليتواصل مع المرضى عبر منصات البث المباشر على فيسبوك أو يوتيوب، باعتبار أن ذلك يحقق له شهرة واسعة لن يستطيع تحقيقها في حال تواجده داخل عيادته.

لدى الطبيب الشهير نحو 2 مليون متابع على صفحته الخاصة على فيسبوك وتسجل فيديوهاته التي يقدم فيها نصائح طبية ويرد على استفسارات المرضى أكثر من نصف مليون مشاهدة للفيديو الواحد، ويحرص على أن يتواجد يوميًا على المنصات ليضمن الوصول إلى أكبر عدد من الجمهور.

حسب الطبيب الذي تواصلت معه “العرب” ورفض ذكر اسمه، أسهمت منصات التواصل الاجتماعي في شهرته على نطاق واسع داخل مصر، وكان لذلك مردود خارجه ويتواصل معه بعض المرضى العرب منذ أن قرر التوجه إلى السوشيال ميديا.

ويشير الطبيب إلى أن مهنته مثل باقي المهن التي يجب أن تتفاعل مع التطورات التكنولوجية الحديثة، وطالما أن الأمر لم يخرج عن النطاق العلمي ولا يمارس أي انتهاكات تضر بالمريض أو تشوه سمعة المهنة فالأمر يعد ضروريًا بعد أن أضحت الشهرة معتمدة على ردود أفعال المرضى التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، مع كثرة التطبيقات التي تسهم في توجيه المريض إلى طبيب بعينه.

يحقق الأطباء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أهدافا عدة، فالنسبة إلى حالة الطبيب “م.أ”، فقد استطاع أن يجذب عددا أكبر من المرضى إليه وساعدته شهرته في أن يصل سعر كشفه إلى 500 جنيه (حوالي 35 دولارا)، في حين أنه يحصل على عوائد تصل إلى آلاف الدولارات جراء نشر فيديوهاته على يوتيوب، وفي ذات الوقت وفر جزءا من مجهوده داخل العيادة بعد أن كان يقضي بها 12 ساعة يوميًا تقلصت لتصل إلى نحو ثلاث ساعات فقط.

وحسب تقديرات لمعهد ماكنزي العالمي، فإن عائدات الصحة الرقمية العالمية سوف ترتفع من 350 مليار دولار المسجلة خلال السنة الماضية إلى 600 مليار بحلول عام 2024، وتصدر قطاع “العلاج عن بُعد” الميدان باستثمارات وصلت إلى 14.8 مليار دولار العام الماضي.

خالد أمين: مشكلة مواقع التواصل في عدم القدرة على مراقبة أكثر من 300 ألف طبيب

تعبر حالة طبيب الأطفال عن جملة من المزايا التي تجذب الأطباء إلى مواقع التواصل الاجتماعي مستفيدين من الأوضاع الصحية التي فرضها انتشار فايروس كورونا مع زيادة إقدام المواطنين على التواصل إلكترونيًا مع الأطباء، غير أن الأزمة تمثلت في أن الفضاء الواسع للمنصات وحالة الفوضى التي تسيطر على مجالات داخله دفعا لزيادة الانتهاكات التي يمارسها أطباء أو أشخاص ينتحلون الصفة بحق المرضى.

واعتبر عضو مجلس نقابة الأطباء الفرعية بمنطقة الجيزة المجاورة للقاهرة خالد أمين أن لجنة التحقيقات والشكاوى تتلقى أسبوعيًا العشرات من الشكاوى بسبب انتهاكات مختلفة لأطباء على مواقع التواصل الاجتماعي، وتكون إما من خلال أشخاص تضرروا بالفعل من نشر تفاصيل عنهم دون معرفتهم أو أطباء آخرين يقومون بضبط العشرات من الوصفات الطبية الخاطئة ويتقدمون بشكاوى مصحوبة بدلائل إلى النقابة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مشكلة مواقع التواصل في عدم القدرة على مراقبة أكثر من 300 ألف طبيب أغلبهم يتفاعلون معها، والأمر يقتصر على النظر في الشكاوى المقدمة، في حين أن النقابة تفتقر للقدرة على محاسبة طبيب قام بنشر معلومات عن المريض على مواقع التواصل لأن ذلك قد يكون بموافقته، والمسألة تتطلب وصول شكوى رسمية أو التدخل في الأزمات التي تحظى باهتمام الرأي العام.

وأشار أمين إلى أن الأطباء الذين لديهم صفحات خاصة بهم على مواقع التواصل الاجتماعي ويقدمون من خلالها مادة دقيقة ويتبعون المنهج العلمي والأكاديمي لا يقعون في دائرة المخالفة، لكن توظيف الصفحات من أجل الدعاية والتسويق للمراكز الطبية أو العيادات الخاصة أو تتضمن الإعلان عن أنفسهم بشكل تجاري هنا تكمن المخالفة وتبدأ العقوبة من لفت النظر إلى أن تبلغ الإيقاف المؤقت وصولاً إلى منع مزاولة المهنة.

تنبع المشكلة الرئيسية من محدودية قدرة الأجهزة الرسمية على التعامل مع مثل هذه الأخطاء على مواقع التواصل ويصبح الأمر متروكًا لضمير الطبيب ومدى ثقافة المريض كي يستطيع أن يفرق بين الاستشارات الممكن إجراؤها إلكترونيا وبين أخرى لا بد أن يُعرض فيها على الطبيب بشكل مباشر لفحصه.

وساعد فشل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المسؤول عن تنظيم وسائل الإعلام في وضع حد لفوضى البرامج الطبية في إدراك المخالفين بأن وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة هي المنفذ نحو تعريف المرضى بهم، بالتزامن مع تراخي الأجهزة الرقابية التابعة لوزارة الصحة التي تمتلك الضبطية القضائية في التعامل مع مخالفات الأطباء.

الانتهاكات تضمنت الخوض في تفاصيل علاجات وأدوية مازالت في طور البحث العلمي فضلا عن استشارات هاتفية عديدة

وأوضح عضو لجنة الصحة بمجلس الشيوخ أحمد الأحمر أن المجلس في طريقه لإقرار جملة من التعديلات على قانون مزاولة المهنة للأطباء تتضمن وضع ضوابط لتواصلهم مع المرضى عبر المنصات الإلكترونية، غير أن المشكلة تتمثل في تطبيق هذه التشريعات ومعرفة المرضى بها، ومن ثم اتخاذهم إجراءات إيجابية تدعم محاسبة المخطئين قضائيًا.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مواقع التواصل أضحت بديلاً مناسبًا لمئات الآلاف من الأطباء الذين يفشلون في الوصول إلى وسائل الإعلام التقليدية وتكون صفحاتهم بمثابة أداة تسويقية لهم، ما يتعارض مع قوانين المسؤولية الطبية التي تحظر ذلك، ويتطلب أيضًا إدخال تعديلات تواكب التطورات التكنولوجية التي أضحى فيها التسويق عبر مواقع التواصل مهيمناً على كافة الأنشطة.

19