مهرجان القاهرة الدولي للقصص المصوَّرة يغزو المستقبل بلغة جديدة

يوما بعد يوم، يثبت فن الكوميكس (القصص المصوّرة) أنه فن اللحظة الراهنة واللغة العالمية التي توحّد بين البشر في الحكايات والرسوم والأحداث والشخصيات والبورتريهات والأفكار البصرية المتعددة التي يبتكرها ويطوّرها، ما جعل العديد من المهرجانات تكرس لهذا الفن ومن أهمها عربيا “مهرجان القاهرة الدولي للقصص المصورة”.
القاهرة- قدّم “مهرجان القاهرة الدولي للقصص المصورة”، الذي اختتم مساء الأحد، فن الكوميكس بلغة جديدة هي لغة الحياة والتواصل مع قطاعات واسعة من الجماهير، بحضور نخبة من الفنانين والناشرين من دول العالم في أكبر حدث من نوعه بمصر.
وإذا كان “الفن التاسع” الذي يعكس ثقافة إنسان القرن الحادي والعشرين له جذور فرعونية تتجلى في القصص المرسومة على جدران المعابد المصرية القديمة، فإن القاهرة تأخذ على عاتقها دعم هذا الفن بصورته الحديثة من خلال فعالية كبرى هي المهرجان الدولي للقصص المصورة “كايرو كوميكس”.
وجوه كثيرة للنجاح كشف عنها “مهرجان القاهرة الدولي للقصص المصورة” (كايرو كوميكس) في دورته الرابعة، التي اختتمت مساء 4 نوفمبر، إذ تحوّلت ساحة متحف محمود مختار في قلب القاهرة إلى ما يشبه خلية نحل تضج بالأعمال والبشر خلال الأيام الثلاثة للمهرجان الذي انعقد بحضور فنانين وناشرين من سائر الأرجاء، وبرعاية مؤسسات ومراكز ثقافية محلية وأجنبية، على رأسها المعهد الفرنسي بمصر.
تواصل الأجيال
رسّخ المهرجان لحضور فن الكوميكس كفن حياة يلتف حوله أفراد الأسرة من الصغار والكبار على السواء، كما أنه فن تسويقي رائج تجاريّا بامتياز من خلال سوق الكتب والقصص واللوحات والرسوم بثيماتها المختلفة.
وشهد المهرجان إقبالا جماهيريّا لافتا على فعالياته المختلفة بين ورش العمل والندوات والمسابقات وخيمة التوقيعات ورسوم البورتريهات الكاريكاتيرية الحية للحاضرين.حقق “كايرو كوميكس 4” ما سعى إليه من المقاربة بين الأشكال الكلاسيكية للقصص المصورة، وأحدث إبداعات الأجيال الجديدة من الفنانين المحمّلين بأفكار شيقة وعوالم مختلفة ولغة مغايرة، تنتمي إلى الحاضر وأيضا المستقبل، ليكمل المهرجان مهمته كموثق لتاريخ القصص العربية المصورة، وكنافذة للاطلاع على المنتج العالمي الأحدث في هذا المجال.
وإلى جوار “ميكي” و”سوبر مان” و”تان تان” وشخصيات الكوميكس النمطية، شهد “كايرو كوميكس” حضور “سوبر بومبة” للفنان السكندري معلوف وغيرها من الشخصيات المعاصرة والحديثة من بنات أفكار فناني المعرض البارزين ومبتكرات دور النشر العربية والأجنبية، الخاصة والحكومية.
“كلمة السر” في نجاح “كايرو كوميكس 4”، بالإضافة إلى دوره التسويقي، هما تلك الروح الجديدة التي قدم بها المهرجان فن الكوميكس كعنصر حيوي من عناصر الحياة والبهجة اليومية التي يلتف حولها الفنانون والجمهور في أكبر حدث من نوعه بمصر، فالفعاليات محببة ومبسطة وجاذبة، وتخرج عن الإطار الجامد الذي يسود المؤتمرات والمهرجانات التقليدية.
وحظيت المسابقات ورسوم البورتريهات والتوقيعات وورش العمل بمتابعة كبيرة، حيث أطلق الفنان مخلوف ومجموعة من الفنانين الشباب العنان لأنفسهم في مباريات مثيرة لرسم بورتريهات للحاضرين، وأطلقت بعض دور النشر ومواقع الكوميكس الإلكترونية مسابقات وتحديات خاصة للجمهور من هواة ممارسة الفن، وقدمت فرقة “دعسوقة” مجموعة من أغنياتها بمصاحبة رسوم مباشرة للفنانين.
وبعنوان “ارسم بطلك الفرعوني”، أقيمت مسابقة بين الجمهور، بمعرفة دار الكرنك للوسائط المتعددة، ويقول ممثلها بالمهرجان لـ”العرب” إن “الدور التفاعلي للفن هو معيار تفوقه ونزعه من نخبويته، ولذلك يشاركنا الحضور الحدث، كفاعلين ومؤثرين، إذ يرسم كل واحد شخصيته الفرعونية المفضلة، والفائز تظهر رسومه في الكوميكس الخاص بإصداراتنا اللاحقة”.
تنوعت معارض الفنانين بالمهرجان، إلى جانب سوق القصص وساحة المستقلين، وقدم الفنان الإسباني ألبارو أورتيث عرضا حيّا بعنوان “الفنان يعمل”، اشتمل على مراحل العمل على رسم كامل من الفكرة إلى التخطيط والتنفيذ، كما قدم الفنان الأردني لطفي زايد، والفنانة الفرنسية لوسي كاستيل، العرض ذاته بتقنيات مختلفة.
فنانون ومعارض
تضمن معرض الفنان معلوف كواليس “مغامرات بُمبة” المنشورة في مجلتي “باسم” و”بُلبل”، بالإضافة إلى صفحات أصلية ولوحات مطبوعة ورسومات تحضيرية للمغامرات وللشخصية. وضم معرض الفرنسية لوسي كاستيل ألبوم القصة المصورة المأخوذة عن رحلات المستكشف الإيطالي جيوفاني بيلزوني.
وفي معرضه، قدم الأردني لطفي زايد رسومه المميزة وشخصياته الشيقة التي تفاجئ قراء حكاياتها دائما بالنهايات المثيرة. وأهدى الرسام الفرنسي جولو المهرجان أحدث مؤلفاته بعنوان “الكاتب”، كما وقع كتابه “شحاذون ونبلاء” المأخوذ عن رواية لألبير قصيري.
واشتملت الفعاليات كذلك على لقاءات وتوقيعات وندوات بحضور فنانين وناشرين، لطرح الكتب الجديدة ومناقشة محاور مهمة، منها: مشكلات الترجمة في مجال الكوميكس، وأبجديات النشر في سوق الفن التاسع.
وقدم “بوتيك كايرو كوميكس” عددا كبيرا من الإصدارت العربية والعالمية التي تعرض للمرة الأولى بمصر، بالإضافة إلى منتجات ومطبوعات المهرجان المختلفة من لوحات وبوسترات وبطاقات وماسكات وإسكتشات وغيرها. وشهدت “ساحة المستقلين” طاولات عرض الفنانين لإنتاجهم الجديد، ومطبوعات أصلية محدودة النسخ.
وإلى جانب النشر الورقي، شهد “كايرو كوميكس” ترويجا للعديد من المواقع الإلكترونية الخاصة بالكوميكس، ومنها “عرب كوميكس” (www.arabcomics.net)، أحد أقدم المواقع المعنية بنشر ثقافة القصة المصورة في العالم العربي.
ومن الظواهر اللافتة أيضا في المهرجان، دخول الأزهر ساحة الكوميكس كمشارك في الحدث، ويقول مسؤول الجناح الخاص به لـ”العرب” إن “مشاركة الأزهر تتمثل في مجلة نور الموجهة للأطفال، وهي مجلة حافلة بالقيم الهادفة من خلال قصصها المصورة وشخصياتها الفانتازية”.
ويُذكر أن إسهام الأزهر في فن الكوميكس لا يقتصر على النشر الورقي، حيث دأب على تقديم حكاياته وشخصياته على مدار الفترة الماضية في برامج وحلقات تلفزيونية للرسوم المتحركة، خصوصا في شهر رمضان.
ويمثل “كايرو كوميكس 4” انطلاقة واسعة للفن التاسع نحو الفضاء المأمول للقصص العربية المصورة، وتتويجا لجهود الطليعيين والأجيال السابقة في ترسيخ فن الحياة المكتوب بلغة العصر.