من المستفيد من عودة ترامب؟

الجميع في مأزق، كل طرف بحاجة إلى حل سياسي يلبي ما يريد. الفلسطينيون يريدون دولة كاملة السيادة على حدود عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها، والطرف المحتل يريد ضم الضفة الغربية. مفارقة كبيرة، فرغم الجهود الدولية وما تسعى إليه لحل القضية الفلسطينية، إلا أن الخطورة تكمن في تصريحات الصهيونية الدينية شركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي الحاكم في إسرائيل. وهو ما أدلى به وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش حول ضم الضفة الغربية، حيث يأمل أن توسع إسرائيل سيادتها لتشمل الضفة الغربية المحتلة في 2025، وأنه سيدفع الحكومة نحو التواصل مع إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب لكسب دعم واشنطن. وأضاف سموتريتش، الذي يضطلع أيضاً بدور الإشراف على المستوطنين في وزارة الدفاع في إطار اتفاق تشكيل الائتلاف الحاكم مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إنه يأمل أن تعترف إدارة ترامب القادمة بالمسعى الإسرائيلي لفرض السيادة.
وفي هذا السياق، يقول ترامب الذي لا يملك الخبرة السياسية الكافية وخصوصاً السياسة الخارجية وما بحوزته القليل ولا يلم بالقضايا الشائكة بقضها وقضيضها، “سوف يعم السلام في الشرق الأوسط والعالم في عهدي.” دحضا لهذه الكذبة المكرورة والمجترة، نقفز إلى خارطة التعيينات التي بدأ ترامب بتشكيلها، نجد بأن أقصى اليمين في الولايات المتحدة الأميركية سيتسيد أرفع المناصب، مثال السيناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية، والضابط السابق في القوات الخاصة مايكل والتز مستشاراً للأمن القومي، وعضو الكونغرس السابق لي زيلدين للإشراف على السياسة البيئية للولايات المتحدة.
والدليل ما صرح به روبيو المرشح لوزارة الخارجية لشبكة إن بي سي قبل حوالي شهرين: “أنا لست في صف روسيا، لكن للأسف الواقع هو أن الطريقة التي ستنتهي بها الحرب في أوكرانيا هي التوصل إلى تسوية بالتفاوض.” وعن الوضع في غزة قال: “يجب عدم السماح لمن يتبقى من مسلحي حماس بالاستمرار بعد انتهاء الصراع” لأنهم برأيه سيعتبرون ذلك انتصاراً. كما طالب بدعم الحزبين لإسرائيل في الكونغرس وشدد على أهمية استمرار المساعدات لإسرائيل. وهو من أبرز المؤيدين لإسرائيل في مجلس الشيوخ، حيث قاد مبادرات تشريعية عديدة لصالح إسرائيل، بما في ذلك قانون لمكافحة حركة المقاطعة “BDS”. كما عمل بنشاط ضد معاداة السامية في الولايات المتحدة ودعم زيادة المساعدات الأمنية لإسرائيل. عُرف بعلاقاته الوطيدة مع الجالية اليهودية في فلوريدا.
◄ بالمختصر، الأمور واضحة، سوف يعيش الشعب الفلسطيني أربع سنوات عجاف أكثر مرارة من عهد جو بايدن، الفرق في الطريقة والأسلوب، بايدن يراوغ كما يراوغ الثعلب، وترامب صريح قولاً وفعلاً
اسم آخر ضمن من وقع عليهم الاختيار، إليز ستيفانيك، لتشغل منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، جاء قرار التعيين ضمن سياق يؤكد حرص ترامب على تعزيز مواقف الولايات المتحدة تجاه القضايا الدولية، لاسيما فيما يتصل بدعم إسرائيل بقوة في الهيئات الدولية ومواجهة الأمم المتحدة والمنظمات التي يراها تتبنى مواقف مناهضة لإسرائيل. كذلك من مواقفها أيضاً دعم وتأييد جهود منع تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، معتبرة أن الوكالة تتعاون مع حركة حماس الفلسطينية.
القراءة الأولية حول خارطة التعيينات التي أجراها ترامب تحمل معاني واضحة، الدعم المطلق لإسرائيل في المحافل الدولية، ومنها أهم مؤسسة أممية، الأمم المتحدة، خاصة تعيين ستيفانيك الداعمة لإسرائيل بشكل مطلق سفيرة لبلاده في الأمم المتحدة، فضلاً عن وزير الخارجية روبيو. الخسارة المتوقعة بعد هذه التعيينات هي ما يخسره العرب والمسلمون. ولا غرابة في أن الجاليات العربية والإسلامية تعيد حساباتها جيداً بعد أن فوجئت بسياسة ترامب المنحازة لإسرائيل، وتاريخه شاهد ودليل على ذلك.
مختصر القول، كان من الأفضل بالنسبة إلى الناخب العربي مقاطعة الانتخابات بشكل كلي وعدم التصويت لأي من المرشحين. المقاطعة بحد ذاتها كانت ستشكل رسالة قوية لو تمت أصلاً. لقد جربنا ترامب في الولاية الرئاسية الأولى عندما اعتدى على رمزية القدس ونقل السفارة الأميركية إليها، وضم الجولان. الجاليات العربية والإسلامية كان يحدوها الأمل في ترامب، ولم تقرأ المكتوب من عنوانه. المستفيد بكل تأكيد من عودة ترامب إلى البيت الأبيض إسرائيل.
في عام 2004، فاز شارون برئاسة وزراء إسرائيل وفاز بوش الابن برئاسة الولايات المتحدة، فقال الأول للثاني: “لقد انتصرت المبادئ.” وفي رسالة تهنئة لترامب قال نتنياهو: “إن عودتك التاريخية إلى البيت الأبيض توفر بداية جديدة لأميركا والتزاماً متجدداً وقوياً بالتحالف الكبير بين إسرائيل والولايات المتحدة.. هذا فوز ضخم.” وكتب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، عبر حسابه على منصة إكس: “فليبارك الله إسرائيل، وليبارك الله أميركا.”
بالمختصر، الأمور واضحة، سوف يعيش الشعب الفلسطيني أربع سنوات عجاف أكثر مرارة من عهد جو بايدن، الفرق في الطريقة والأسلوب، بايدن يراوغ كما يراوغ الثعلب، وترامب صريح قولاً وفعلاً. وبين هذا وذاك تهنا وتاهت مراسينا، فلعلنا نستفيق.