من القائل إن برامج التلفزيون المصري فاشلة في شد الجمهور

نجاح برامج اجتماعية راقية ومهنية يفك طلاسم المشهد الإعلامي.
الجمعة 2022/05/13
خلطة نجاح

وسط مشهد إعلامي في مصر تسيطر عليه ملامح الفوضى والانفلات والابتعاد عن مناقشة القضايا الجماهيرية الملحة، تطفو على السطح من حين إلى آخر برامج تلفزيونية ناجحة حجزت لنفسها مكانة عند شريحة واسعة من المشاهدين، وأصبحت شريكا للجمهور وتساعده على التخطيط لحياته وتجاوز البعض من مشكلاته.

القاهرة - توقف البعض من الخبراء أخيرا أمام عدد من البرامج المصرية في مقدمتها برنامج “ماما دوت أم” وتقدمه الإعلامية فاطمة مصطفى على قناة “سي.بي.سي” لما حواه من مضمون جذاب وهادف، ما يعني أن ليس كل البرامج الحكومية فاشلة.

وتفتقد النسبة الأكبر من جمهور الإعلام المصري لنوعية البرامج التلفزيونية التي توفر للمشاهد ما يحتاجه من مواد تثقيفية توعوية وتتعمق في مشكلاته الأسرية والاجتماعية بشكل جاد وتبحث عن حلول جذرية لها عبر باحثين ومتخصصين في المجالات المختلفة، وهو ما يعرف بإعلام المواطن، أي الذي يلامس احتياجاته ويقدم إليه ما يتناسب مع متطلباته الشخصية.

وأظهر النجاح الذي حققه برنامج “ماما دوت أم” للموسم الرابع على التوالي أن الإعلام المصري بإمكانه العودة إلى الناس مرة أخرى، شريطة أن يقدم لهم المحتوى الإعلامي بشكل راق ومهني بلا ضجيج أو إثارة، ويسلط الضوء على القضايا التي تناسب كل الفئات بالأسلوب والطريقة التي تحقق مرادهم لا أن تكون السياسة التحريرية للصحيفة والبرنامج منفصلة عن الشارع.

ويتخصص البرنامج في الشأن التربوي الأسري، ليقوم بطرح ومناقشة كل القضايا المرتبطة بالأسرة، وتخص الأب والأم والأبناء، بشكل شيق وخفيف، ليؤدي دورا توعويا تفتقده الكثير من وسائل الإعلام التي أصبحت تركز على قضايا هامشية أو تعتمد على الإثارة والجدل والموضوعات الساخنة والحوادث المثيرة والشاذة.

النجاح الذي حققه برنامج «ماما دوت أم» للموسم الرابع أثبت أن الإعلام المصري بإمكانه العودة إلى الناس مرة أخرى

ورغم أن محتوى البرنامج يرتدي ثوب الترفيه ظاهريا، لكنه اعتاد أن يتعمق في المشكلات الأسرية ويركز على رسائل الأمهات وشكواهن مما يتعرضّن له خلال مراحل التربية، ويسلط الضوء على أساليب التنشئة الصحيحة وطرق التعامل بشكل علمي وتربوي بين أطراف الأسرة الواحدة، وتحديدا بين الآباء والأبناء.

ولا يخلو محتوى البرنامج من تخصيص وقت أكبر لتلقي شكاوى الجمهور من الفئة المستهدفة ليناقشها من جميع الزوايا مستخدما في ذلك البعض من الرسومات التوضيحية بغرض تسهيل شرحها للمشاهدين، بحيث ينزل إلى مستوى فهم البسطاء، ولا تكون رسالته فوقية أو موجهة إلى طبقة بعينها، بعكس الكثير من البرامج التلفزيونية الأخرى.

ويحتل برنامج “ماما دوت أم” مكانة خاصة عند الأطفال، إذ يخصص لهم فقرات محددة لعرض وجهات نظرهم وشكاواهم، وكيف يفكرون ناحية آبائهم، وماذا يرغب كل طفل من أسرته، بحيث يكون ذلك رسالة إلى جميع الأسر التي تعتقد أنها تتبع الأسلوب التربوي الصحيح مع أولادها، بالرغم من أنهم قد يمتعضون من الطريقة، ولذلك فالبرنامج يُرشد الكبار إلى الصواب، وهي رسالة مفتقدة في الكثير من البرامج المصرية.

ووسط هذه الخلطة الإعلامية التثقيفية التي تتشارك فيها كل عناصر الأسرة يأتي دور المتخصصين النفسيين والاستشاريين الأسريين وخبراء علوم التربية والاجتماع، لتحليل كل مشكلة على حدة بشكل سهل وبسيط دون تهوين أو تهويل، حيث تُقدم الاستشارات لمساعدة كل طرف على التعامل مع الآخر، سواء الآباء أو الأبناء، لتكون العلاقة بينهما قائمة على التفاهم لا الصراع.

وهذه النوعية من البرامج شحيحة على الشاشات المصرية بحكم أن القنوات تركز بشكل أكبر على الترفيه والسياسة، مع أن الجمهور أصبح في حاجة ملحة إلى برامج تطرح قضايا تشغل بال الأسرة وتقدم للناس العون في التربية وتجاوز العقبات التي تعترض طريقهم مع أبنائهم وتطرح مشكلاتهم بعمق عبر متخصصين لا هواة.

ويرى مراقبون للمشهد أن أكبر أزمة تواجه الإعلام المصري، وبعض القنوات التلفزيونية على وجه التحديد، أنها تعمل بلا رؤية أو استراتيجية واضحة تحدد ما هو المطلوب من كل برنامج وطبيعة الجمهور المستهدف، وكيفية جذب الجمهور إليها بما يجعله يدرك ما يجري حوله، وهي نوعية البرامج التوعوية التي تتحدد سياستها التحريرية وخطابها الموجه، وفق أهداف بعينها.

ويعتقد هؤلاء أن أزمة العديد من البرامج التلفزيونية في مصر أبعد من مجرد تراجع سقف الحريات والتضييق على الكلمة بدليل أن هناك منابر نجحت وصارت علامة مميزة عند الجمهور، مثل “ماما دوت أم” والعبرة في السياسة التحريرية للبرنامج، ومدى تطابقها مع احتياجات الناس وابتكار أفكار عصرية تستقطب المشاهد بعيدا عن التقليد والتكرار والنمطية.

برنامج اجتماعي بامتياز يحقق أرقام قياسية في نسب المشاهدة
برنامج اجتماعي بامتياز يحقق أرقام قياسية في نسب المشاهدة

كما أن هناك برامج تبدأ وتختفي فجأة من دون أن يشعر بها الجمهور، لكونها مضت عكس تطلعات الجمهور، بخلاف المنابر التي تعتمد على توعية المواطن، وتقديم كل ما يحتاجه بالمعلومة والتوضيح والتفسير والتحليل والنصح والإرشاد بأسلوب علمي، وهو ما يدخل ضمن الإعلام الهادف بمفهومه الشامل، فالناس لا يريدون من الإعلام سوى تقديم ما يريدونه وبالطريقة التي يفضلونها.

ويصعب فصل نجاح أيّ برنامج عن شخصية المذيع نفسه، فهو إما أن يسقط به إلى الهاوية أو يطيل نجاحه لسنوات، ففي حالة “ماما دوت أم” تتسم الإعلامية فاطمة مصطفى بصفات يفضلها الجمهور، هادئة بشوشة ولا تتكلف أو تستخف بأحد، وتمنح المساحة الأكبر للضيف، سواء أكان متصلا لعرض شكوى أم متخصصا، عكس بعض المذيعين الذين يحتكرون الشاشة لأنفسهم.

وقال حسن علي أستاذ الإعلام بجامعة السويس لـ”العرب” إن الشق التوعوي في أيّ منبر إعلامي من أهم معايير النجاح، واقتراب البرنامج التلفزيوني من الناس ليس في حاجة إلى معجزة، وكل ما في الأمر أن ذلك يتطلب مذيعا محترفا ومهنيا يُدرك احتياجات الجمهور ويكون هو هدفه الأول، ليقدم إليه ما يريده بطريقة جذابة وأكثر تفصيلا وشمولا مع الاستعانة بالمتخصصين.

وأضاف أن الجمهور المصري أصبح يتشوق لمنابر إعلامية تحترم عقليته وتلامس متطلباته الحياتية لا برامج ومواقع وصحفا تغرق في الإثارة كي تجذبه، فالناس صاروا أكثر ذكاء ووعيا، ويدركون جيدا ما هو الإعلام الذي يستحق الانجذاب إليه أو الابتعاد عنه ولا يمكن استمرار منابر تخاطب نفسها أو توجد بلا هدف أو رؤية، فالإعلام رسالة لا يجيد الهواة توصيلها.

وتظل الرسالة الأهم من هذا البرنامج الأسري الاجتماعي أن التحجج بالأزمات المالية والقيود والتدخلات في مهنة الإعلام تبدو حججا واهية للمنابر التي عجزت عن استقطاب الجمهور، وهو ما يؤكده نجاح برامج في نفس الظروف والبيئة ذلك أنها لا تتجاوز القيم والمبادئ المهنية أو تضاعف من جرعات الإثارة والفضائح.

16