من أجل أسرة مصرية متماسكة.. دار الإفتاء تحث على الزواج عن حب

التعارف قبل الزواج يسمح لكل طرف باكتشاف قدرة الآخر على صون العلاقة المستقبلية.
الجمعة 2022/07/15
الزواج عن حب هو الأساس

حثت دار الإفتاء في مصر الشباب والفتيات على إقامة علاقة عاطفية قبل الزواج بما يساعد الطرفين على فهم بعضهما البعض والتعرف على ميولاتهما وأفكارهما ومدى استعدادهما لعيش حياة زوجية دون منغصات، وقد قوبل هذا الطرح بنوع من الاحتراز نظرا لأن أغلبية الأسر مازالت تقدس الزواج التقليدي.

القاهرة - أظهرت ردود فعل الكثير من أرباب الأسر في مصر على فتوى دار الإفتاء التي دعت إلى حث الشباب والفتيات للزواج عن حب حجم التشدد تجاه العلاقات العاطفية التي تسبق الخطبة، باعتبار أن ذلك يشير إلى الانحلال وارتكاب المحرمات، ما يوحي أن الأغلبية المحافظة لا تزال تقدس الزواج التقليدي.

وأفتى عمرو الورداني أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية في سياق نقاشه لأسباب فشل الزواج وارتفاع معدلات الطلاق بأن الزواج عن حب هو الأساس، وليس محرما، والتعارف والحب قبل الزواج يسمحان لكل طرف باكتشاف قدرة الآخر على صون العلاقة المستقبلية من خلال التعبير عن الحب وتقديم الدعم والمساندة لشريكه.

وتعرضت دار الإفتاء إلى هجمة شرسة من النقد والسخرية لأن الدعوة إلى وجود علاقات عاطفية قبل الزواج تفتح الباب على مصراعيه للتقارب بين الشباب والفتيات تحت مسمى الحب، وهي العلاقات التي لا تزال الأسرة المحافظة في المجتمع تتعامل معها باعتبارها من المحظورات حتى أصبحت معظم العلاقات العاطفية طي الكتمان.

وقال أمين الفتوى إن الحب قبل الزواج لا يعني تجاوز الشريكين لحدودهما وإتيان الأفعال المحرمة، لكن الحب هو ميل القلب واكتشاف الشريك ومدى التزامه بالمسؤوليات الموكلة إليه خلال فترة ما بعد الخطبة ثم الزواج، لذلك يكون الزواج عن حب مؤسسا لعلاقة أسرية قوية يصعب هدمها بسهولة.

العبرة في الزواج عن حب أن يكون بين الشريكين نوع من التفاهم وعدم التعامل بندية أو فرض وصاية أحدهما على الآخر

وأثار ذلك تساؤلات مبهمة حول علاقة الحب قبل الزواج بتكوين أسرة سعيدة ومدى فشل الزواج التقليدي في أن يُكتب له النجاح لسنوات، والتحديات الصعبة التي تواجه كل نمط منهما، لكن الأغلبية اتفقت على أن توافر القبول والتفاهم والمودة بين الطرفين أساس قوة العلاقة بين الزوجين، بغض النظر عن شرط الحب.

ولا تزال إيمان محمد، التي قاربت على نهاية العقد الثالث من عمرها، ترفض الزواج من أيّ شاب، وتتمسك بأن تتزوج من الذي تحبه، رغم كونها لا تعيش قصة عاطفية، وتتعامل مع الزواج التقليدي بنوع من الريبة في قناعات الشاب، لأنه لا يريد منها سوى جسدها كنوع من الاستمتاع، في حين هي تريد ذلك عن حب.

وذكرت الفتاة لـ”العرب” أن أباها وأمها تزوجا عن حب، وترى فيهما المثل والقدوة، حيث أنهما يتشاركان في كل شيء، بينهما مودة ومحبة ونادرا ما تحدث مشكلات، بفضل التفاهم، بينما شقيقتها الكبرى تزوجت بشكل تقليدي وتعيش حياة بائسة مع شخص لم تختره عن حب أو عاطفة.

ولم تخف إيمان سعادتها بفتوى دار الإفتاء التي دعت فيها الآباء لحث الأبناء على الزواج العاطفي، لكنها ليست متفائلة لتغيير قناعات الأسرة تجاه الزواج التقليدي، في ظل العادات والتقاليد والأعراف التي تتمسك بها بعض العائلات، وتتحكم في مصائر الفتيات وتجبرهن على الزواج من أشخاص بعينهم بذريعة الحفاظ على مستقبلهن.

وأضافت “لا توجد فتاة في العالم ترفض الزواج عن حب، لكن غالبية النساء اللاتي يعشن في بيئات محافظة لديهن رهبة من إقامة أيّ علاقة قبل الزواج، عاطفية أو صداقة أو حتى زمالة، لذلك يقبلن بالزواج وهن مرغمات على ذلك، خوفا من العنوسة أو الهروب من منزل الأسرة، أو الشغف بإنجاب أبناء”.

Thumbnail

وعكس قناعات العديد من الفتيات بشأن مثالية الزواج عن حب، هناك قضايا طلاق حدثت لأزواج كانت بينهما علاقات عاطفية قوية، وانتهت حياتهم بعد شهور قليلة من الزواج بتدمير الأسرة، وكشفت إحصائية صدرت مؤخرا عن نقابة المأذونين في مصر أن 75 في المئة من الزواج الذي يتأسس على علاقة عاطفية ينتهي بالطلاق.

ومن بين أسباب تمسك العديد من الأسر بالزواج التقليدي والابتعاد عن ارتباط الابن أو الابنة قبل الخطبة بشكل عاطفي، أن الزيجات التقليدية تتأسس على توافق بين أسرتي الشاب والفتاة أولا، حيث يتم التدقيق في سلوكيات وتصرفات كل طرف وخلفياته الفكرية والثقافية والاجتماعية، أما الحب فيكون بتوافق الشباب والفتيات قبل العائلات.

ويرى متخصصون في النواحي الأسرية أن العبرة في الزواج عن حب أو بشكل تقليدي أن يكون بين الشريكين نوع من التفاهم والتشارك وعدم التعامل بندية وفرض وصاية أحدهما على الآخر والعمل على حل المشكلات التي تواجه الزوجين بشكل هادئ دون تصعيد أو تمسك بالرأي المنفرد، وهذا يأتي بالخبرة وتناغم الشخصية.

وقالت هالة حماد استشارية العلاقات الزوجية بالقاهرة إن أهم مزايا الزواج عن حب أن العلاقة بين الطرفين تكون هادئة وكلاهما يتمسك بالآخر، لأن العاطفة تخلق التفاهم والانسجام بين الزوجين والحب يجعل الرباط بينهما قويا ومتينا في مواجهة المشكلات التي تواجههما مستقبلا ولا يحدث الانهيار سريعا مع أول عاصفة.

وأوضحت لـ”العرب” أن الحب لا يُشترط أن يكون قبل الزواج، وكثيرا ما يأتي بعده، والمهم أن يتواجد بين الطرفين لأنه يساعدهما على تحمل المشكلات، ويخلق الدافع لكل طرف ليحافظ على شريك حياته ولا يتخلى عنه بسهولة، أما غياب الحب فإنه يقود إلى هدم كيان الأسرة سريعا.

Thumbnail

وأظهرت بعض الحالات التي يحدث فيها الطلاق بشكل يعبّر عن كراهية بين الزوجين أن الحب وحده لا يمكن أن يحمي العلاقة من الانهيار، فهناك أزواج تنقطع بينهم كل سبل العودة رغم أنهما ارتبطا بعد علاقة عاطفية استمرت سنوات، وكلاهما يلجأ إلى القضاء لمبارزة الآخر وإرهاقه ماديا ومعنويا كنوع من الانتقام.

وتظل المشكلة الأبدية للكثير من الأزواج الذين يرتبطون عن حب أنهم لا يستمعون إلى صوت العقل، ويصبحون أسرى قلوبهم، فيتنازل كلاهما للآخر لأجل استكمال الزيجة دون وضع حد لطبيعة التعامل وحل المشكلات، حتى تتفاقم بمرور الوقت وتشكل عبئا على كليهما، بالتالي تموت العاطفة ويحل مكانها الجحود وقسوة القلب.

وتعتقد هالة حماد أن الزيجات التي يكون قوامها الوحيد علاقة عاطفية مشكوك في صلابتها، لأن حياة العزوبية تختلف بشكل جذري عن تحمل المسؤولية الزوجية، فاستمرار الحب بين الطرفين في حاجة إلى مكملات أساسية لاستمراره، بينها المودة وحسن المعاملة والتفاهم والتضحية ليس من أجل الشريك فقط، بل لصالح العلاقة برمتها.

ويتغاضى الكثير من المتزوجين عن الصفات السلبية في الشريك وينصبّ اهتمامهم على بعض المزايا الحسنة فقط، ويكونون مدفوعين بالعاطفة، بالتالي قد يتعرضون لصدمة بعد الزواج، فكل طرف سعى خلال فترة الخطوبة أو ما قبلها لإظهار مزاياه، ونادرا ما يختبر كلاهما الآخر بشأن تحمل المسؤوليات وطرق حل المشكلات.

ولا يعني ذلك أن كل الحالات التي تتزوج عن علاقة عاطفية ينتهي بها المطاف للانفصال، لكن الأهم من الحب التوازن بين العقل والعاطفة ووضع النقاط فوق الحروف من البداية، وينطبق الأمر نفسه على من يتزوجون بشكل تقليدي، حيث يتم التخطيط جيدا لأسرة آمنة متماسكة، لأن ترحيل المشكلات لما بعد الزواج يقود إلى أزمات يصعب حلها بسهولة.

17