منى زكي تعود إلى السينما بفيلم لا يضيف إلى رصيدها شيئا

المخرج محمود كامل لعب في فيلم "الصندوق الأسود" على اللقطات طيلة الأحداث في محاولة لإضفاء الإثارة والتشويق على نحو وصل إلى منطقة الإزعاج.
الجمعة 2020/11/06
امرأة تواجه مصيرها منفردة

تملك الفنانة المصرية منى زكي رصيدا فنيا كبيرا وجيدا، وتعدّ من ضمن فنانات قلائل يستطعن أن يحملن فيلما على عاتقهنّ، ويتغلبن على الرجال المتربّعين على عرش السينما العربية، بمحتوى يجمع بين الثقل الفني والقيمي، فهل استطاعت إثبات ذلك في فيلمها الجديد “الصندوق الأسود”؟

القاهرة- بعد أربع سنوات من الغياب السينمائي، عادت الفنانة المصرية منى زكي إلى الشاشة الذهبية، وكان من المتوقع أن تعوّض هذه السنوات، حيث تصدّرت أفيش فيلمها الجديد “الصندوق الأسود” وحملت البطولة المطلقة للعمل الذي ينتمي إلى أفلام اليوم الواحد، ويعدّ الإقبال على بطولته مجازفة فنية، تحتاج إلى جرأة كبيرة من الممثلة.

تحمل أفلام اليوم الواحد تحديات كثيرة، وهي تلك النوعية التي تدور أحداثها كلها في إطار زمني محدود بيوم أو بعض يوم، ومن ثم تتمدّد المحدودية لتشمل المكان أيضا، ويصبح المشاهد وأبطال العمل وجها لوجه طيلة ساعتين.

يكمن معيار النجاح في أن تظل أعين المشاهد مشدودة إلى الفيلم، وألاّ يتسرب إليه الملل، ما يفرض سرعة في الأحداث وتنوّعها، الأمر الذي يضع عبئا إضافيا على أبطال الفيلم، كي لا يخرج ضحلا وفاقدا للمعنى، أو غير متجانس، فيما يبرز التحدي الأهم في القدرة على تقديم شخصيات كاملة، واضحة، ممنطقة، في إطار الأحداث ووحدة الزمان والمكان.

سيناريو مهترئ

على الرغم من تصدّر فيلم “الصندوق الأسود” شباك الإيرادات في غضون أيام قليلة من بدء عرضه في 28 أكتوبر الماضي، إلا أن ذلك لا يعني أن الفيلم تجاوز التحديات، وقدّم وجبة فنية دسمة للجمهور، تليق باسم النجمة الغائبة، وترضي محبيها، فقد انساق نحو الرائج الذي يستطيع خلق نجاح في الشباك، لكنه قد لا ينطبق على القيمة.

مصر

يفتقد “الصندوق الأسود” إلى عوامل كثيرة ليصبح فيلما سينمائيا تشويقيا متمساكا، منها السيناريو والحوار، فقد خرج الفيلم الذي تتفكّك أحداثه، وتنقطع منذ بدايتها، بأشياء غير منطقية، ومهترئة، ويعجّ بالمبالغات، في تسلسل الأحداث، ونوعية الحوار الذي جاء ضحلا، أمام فيلم بطلته فمها مربوط لمدة زمنية طويلة حتى لا تصرخ.

ونقلت ندرة الحوار، خاصة لمنى زكي، الدور إلى مساحة خاصة واسعة من التعبير بالوجه وحركات الجسد، كذلك الفنان محمد فراج الذي سحب الأضواء بحضوره اللافت واللامع وقدرته على تقديم شخصيات متشابهة على نحو مختلف. لم تختلف ردود فعل الفنان مصطفى خاطر في الفيلم عن أعماله المختلفة السابقة، ويشعر المشاهد بأنه أمام ممثل يجتهد ليجسّد الشخصية، لكن ينتهي إلى الحركات نفسها.

الفيلم قصة وإخراج محمود كامل، وسيناريو وحوار أحمد الدهان وهيثم الدهان، وإنتاج مشترك بين شركة سينرجي وأفلام مصر العالمية ونيو سينشري. وتدور أحداث “الصندوق السود” حول سيدة مرفهة تدعى “ياسمين”، وتجسّد دورها الفنانة منى زكي، وهي حامل يبدو من هيئة بطنها أنها جاوزت شهرها السابع. تبدأ بزيارة المستشفى للاطمئنان على الجنين دون توضيح خلفيات تلك الحالة أو أسبابها، طيلة الفيلم، لكن المشهد يوحي بأن الحمل صعب.

من أزمات السيناريو العميقة تغافله عن أن تصبح سيدة في مثل تلك الظروف فريسة لا منطقية لغياب الأمن، فزوجها المحامي الشهير الذي يتّضح فيما بعد أنه متورّط في عمليات فساد ضخمة ويقطن في فيلّا فارهة، يترك زوجته الحامل وحيدة دون حراسة أمنية، وخلال الفيلم علق أحد الجمهور في الصالة قائلا “أين عم محمد البواب؟”.

إشكالية غياب “عم محمد” البواب في منطقة معزولة لا يُذكر موقعها تحديدا -ويبدو أنها تقع في بقعة بعيدة وتفصلها عن أضواء القاهرة وضجيجها الكثير- تنسحب على الكثير من الإشكاليات الأخرى التي تعكس سيناريو مهترئا.

وإلى جانب اللامنطقية في غياب “عم محمد”، وربط الكلب على مدخل السكن، في ظروف غير مواتية للأمن، يدخل سارقان المنزل، لتبدأ منذ اللحظة الأولى سلسلة المبالغات، فيضيئان الأنوار بكثافة، كأنهما في زيارة لأقاربهما، وليسا في عملية سطو. وتجمع السرقة بين هدف المادة، وهدف آخر يتجاوز المال؛ هل هو الانتقام، أم الرغبة في محاربة الفساد، أم كشف ألغاز قضية ما، أم لإنقاذ بريء؟

كلها أسئلة تدور في ذهن المشاهد لفترة، حيث يبدأ الفيلم وينتهي دون أن ندري لماذا أقدم المحامي الشاب “هادي” -الذي يلعب دوره مصطفى خاطر- على التحوّل إلى مجرم، يقتحم منزل المحامي الذي كان يعمل عنده، ويلعب دوره الفنان شريف سلامة.

يقدّم فيلم “الصندوق الأسود” نوعا فريدا من السرقة، ويستأذن السارق، كما لو كان موظفا حكوميا، لأن والده نُقل إلى المستشفى. ورغم ما في ذلك من فكاهة، إلا أنه حدث؛ فخلال عملية السطو، وبعد أن تكتشف ياسمين وجود اللصين في منزلها، وبعد مطاردات، يستقبل هادي اتصالا من شقيقته، فيترك السارق عتيد الإجرام “سيد” (الفنان محمد فراج) وحده مع مهمة البحث عن الأوراق التي جاء من أجلها هادي.

سذاجة وافتعال

ندرة الحوار لدى منى زكي، لنقل الدور إلى مساحة واسعة من التعبير بالوجه وحركات الجسد، لم تكن موفقة
ندرة الحوار لدى منى زكي، لنقل الدور إلى مساحة واسعة من التعبير بالوجه وحركات الجسد، لم تكن موفقة

يضع الفيلم الجمهور أمام شخصية الزوج المثالي من الخارج، فيما هو لص كبير وفاسد، والزوجة مثقفة وصاحبة مبادئ، ولا تدري ماهية تلك المبادئ أو كيفية خداعها طيلة سنوات في زوجها، ولم يتطرّق الفيلم إلى حياتها وخلفياتها.

يمثل سيد في الفيلم القُبح المُطلق، بداية من وجهه المشوّه من عينه نتيجة حادث قديم إلى التشوّه في القيم، ليس فقط على مستوى امتهانه الإجرام، وإنما أيضا من ناحية استعداده لاغتصاب سيدة حامل، ورغم ذلك لا تفتقر تلك الشخصية إلى الصراع، فهي على قبحها طامعة في الكمال، وتمثل عندها ذلك في شخصية رهينته، التي طمع في أن يجامعها كحبيبين، وليس كخاطف يغتصب ضحيته وهي مكبلة اليدين والقدمين.

يفتقر سيد إلى كل شيء، التعليم، المال، الوجه المقبول. ورغم ذلك يأمل في أن ينال شيئا من الكمال، فيفكّ ضحيته بسذاجة، لتبدأ محاولتها في الفرار منه، حتى تصل إلى غرفة آمنة، هي الصندوق الأسود الذي تكتشف فيه الزوجة أسرار زوجها وخيانته لها، وتورّطه في أعمال غير مشروعة.

تحوّلات نفسية كثيرة كان يُفترض أن تحدث للشخصية الرئيسية، لكن ذلك لم يترجم إلى شيء، ولم ينتج عنه سوى حركات متبلدة، والحلم بالغرق ثم الاستيقاظ، فيما يصبح اللصان هما السجينان في الخارج، كغالبية الطبقة الاجتماعية التي يمثلانها.

الفيلم يطرح العديد من الأسئلة التي تظل تدور في ذهن المشاهد، حيث تبدأ الأحداث وتنتهي دون أن تقدّم إجابة شافية عنها

في النهاية، يموت سيد ولم يطلعنا المخرج على جوانب أخرى نستطيع أن نتعاطف بها معه، أو نفهم لماذا وحده يجب أن يدفع الثمن؟ هل لدمامته أم لوضوحه؟ فهو أكثر شخصية واضحة في الدوافع، في حين أن كتابة أخرى كانت قادرة على أن تصنع منها شخصية أكثر عمقا. ينتهي الفيلم بقتل ياسمين للسارق سيد، واكتشافها حقيقة زوجها، وعملية فراره التي ظهرت في كل كاميرات المنزل، ومع ذلك انتهى الفيلم وهو طليق.

وفكرة الغرفة الآمنة التي احتمت فيها الزوجة المخدوعة من اللصوص، ليست بالجديدة، بل سبق أن قدّمت في الفيلم الأجنبي “غرفة الذعر” (بانيك روم) 2002، الذي كتبه وأخرجه ديفيد فينشر، وهو من بطولة جودي فوستر وكريستين ستيوارت وفوريست ويتاكر وجاريد ليتو ودوايت يوكام. ولعب مخرج “الصندوق الأسود”، محمود كامل، على اللقطات طيلة الفيلم، في محاولة لإضفاء الإثارة والتشويق على نحو جاوز التوظيف الفني ووصل إلى منطقة الإزعاج.

16