"منطقة القوز الإبداعية".. مشروع يعزّز مكانة دبي كوطن عالمي للفن

دبي تستقطب المبدعين من مختلف المجالات إلى واحتها الجديدة.
الثلاثاء 2021/06/29
المنطقة ستكون واحة للمبدعين

تحاول إمارة دبي تقديرها للمواهب والاستثمار في الإبداع باستقطاب أهم المبدعين والأعمال الفنية والأدبية اللافتة، وإقامة المنابر التي كانت “منطقة القوز الإبداعية” آخرها، بغرض فتح الباب أمام إنتاج الجمال والمعرفة. ورأت “منطقة القوز الإبداعية” عمليا النور بعد أيام من إطلاق استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي.

جاء صوت الصديق الفنان من بعيد حاملا البشارة. قال بصوت يفيض بالبهجة “أنا آتٍ إلى دبي، لأعيش. وسأعمل في مشروع منطقة القوز الجديد. فلا تهرب من الإمارات، أيها الشقي”. باعدت المسافات بيني وبين صاحب الريشة المرهفة، منذ غادرت إنجلترا قبل أكثر من عشر سنوات. وكلما عدت إلى لندن في إجازة، كان هو في الطرف الآخر من العالم.

أخيراً صار بوسع هذا “البدوي” الذي دأب على صناعة الجمال حيثما حملته قدماه وهو ينتقل من مكان إلى آخر حاملا ألوانه وريشته، أن يرتاح في حضن دافئ، ويحطّ رحاله في دبي، وطن المبدعين الذين لا وطن لهم سوى الحب والعطاء.

واحة المبدعين

منطقة القوز الإبداعية تهتم بأحدث التقنيات وآخر الأنماط الفنية كما تفرد حيزا خاصا للاحتفاء بالتراث الإماراتي

كانت دبي قد أطلقت في 7 أبريل مشروع  “منطقة القوز الإبداعية” التي ستكون لبنة أخرى تعُلي بنيان “دبي العالمية” الذي قطعت الإمارة أشواطا طويلة في بلورة معالمه، حتى باتت تستحق عن جدارة لقب “العالم الصغير” الذي تباهت به لندن، ولا تزال. فدبي تحتضن ملايين الناس من أبناء ما يزيد على 200 جنسية، عدا عن أن الشركات العالمية بأنواعها، الصغيرة منها والكبيرة، تتسابق لتتخذ منها مقرا لنشاطاتها، ولاسيما أن تواجدها هنا يعبّد أمامها طريق العالمية والنجاح.

وستكون المنطقة واحة للمبدعين يجدون فيها كل ما يحتاجونه للعمل والعيش في مناخ محفّز متكامل يوفر لهم أسباب الرفاهية والعطاء، من خدمات ومرافق وأدوات شتى يتكئون عليها وهم يمضون في مسيرتهم على طريق إنتاج الفن بمختلف أنواعه.

والمنطقة تفتح صدرها للعاملين في صناعات إبداعية شتى هي “صناعة النشر والكتاب، والإعلام المرئي والمسموع والمطبوع، مثل السينما، والموسيقى، وإنتاج مقاطع الفيديو، إضافة إلى الصناعات الفنية والثقافية، ومتاحف التراث الثقافي، والمواقع التاريخية، والأرشيف، والأحداث الثقافية الكبرى، والمكتبات، فضلا عن صناعة البرمجيات وألعاب الفيديو، والتصميم بشتى أنواعه سواء المتعلق بالأزياء أو بتصميم الألعاب والبرامج، أو التصميم المعماري”، كما جاء في النبّذة التعريفية المنشورة على موقع هيئة دبي للثقافة والفنون المسؤولة عنها.

استقطاب أهم المبدعين وتحفيزهم
استقطاب أهم المبدعين وتحفيزهم

ويتجاور في هذه الواحة الفنّانون المهتمون بتراث الإمارة وفنونها التقليدية، مع أولئك الذين يشتغلون على تطوير آخر الصيحات التقنية وأكثرها جرأة من حيث الحرص على استعمال لغة بصرية تفاجئ المشاهد بتشكيلاتها وأدواتها المتنوعة.هكذا، في الوقت الذي تبدي فيه “منطقة القوز الإبداعية” اهتماما لائقا بأحدث التقنيات وآخر الأنماط الفنية والتصويرية، لا يفوتها أن تفرد حيّزا خاصا للاحتفاء بالتراث الإماراتي الأصيل وتسليط الضوء على مكنوناته من جماليات لافتة وتشكيلات فريدة.

وهذا ليس بغريب على إمارة حرصت دوما على ربط الماضي بالحاضر والانطلاق لأنها تدرك جيدا أن المستقبل الزاهر يقوم على أسس الحاضر والماضي المتينة.

وسيجد المبدع وسائط العمل كلها، والمساحات الواسعة لإقامة مشغله، وورش العمل التي يمكنه أن يستفيد منها، والجمهور الذي يحتاج للتواصل معه، والدعم اللوجيستي الكفيل بدفع عجلة عمله فضلا عن خدمات التراخيص والتصاريح المختلفة، وغيرها من الحاجات والعناصر المشجعة التي تدعوه إلى التفرع لإبداعه وشحذ موهبته في الوقت الذي ستهتم فيه “منطقة القوز الإبداعية” بكل ما عدا ذلك بالنيابة عنه، لقاء تكلفة رمزية وأسعار متهاودة.

الصناعات الإبداعية

الفن وسيلة تنموية مهمة
الفن وسيلة تنموية مهمة

فكرة الواحة الإبداعية هذه ليست نوعا من الترف “الرومانسي” بل هي مستمدة من صميم الواقع العملي كتصور حكيم لكيفية ضرب عدة عصافير بحجر واحدة: تعزيز صورة دبي كـ”عالم صغير” قادر على تحقيق مشاريعه الرائدة ذات الأهمية التي تتخطى حدوده، وإعطاء المزيد من الزخم للإبداع والمبدعين كي يجعلوا حياتنا أبهى، وفي الوقت نفسه تحقيق عوائد مادية من عطائهم الذي يمكن أن يشكل رافدا مهمّا للاقتصاد الوطني.

والحق أن المشروع هو دليل جديد على رؤية ترى الإبداع يتمتع بقيم مهمة على أكثر من مستوى، وأن له جانبا اقتصاديا مهمّا، وهو ما دفع دبي إلى إنشاء مدن إبداعية مختلفة منها “مدينة الإنترنت” و”مدينة دبي للإعلام” و”مدينة دبي للإنتاج” و”مدينة دبي للأستوديوهات” و”حي دبي للتصميم”.

وقد كشفت دبي عن استراتيجية للاقتصاد الإبداعي، وهي بمنزلة الأساس الذي ارتكزت عليه هذه الرؤية، قبل أيام من إطلاق “منطقة القوز الإبداعية”.

ومن شأن المشروع الرائد الجديد أن يُطوّر دور الصناعات الإبداعية في دفع عجلة الاقتصاد الوطني إلى الأمام ويرفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي من 2.6 في المئة في نهاية 2020 إلى 5 في المئة بحلول عام 2025.

بالأمس كانت مدينة دبي للإعلام والإنتاج وحي التصميم، وغيرها من الترجمات العملية لرؤى مبدعة، واليوم هاهي “مدينة القوز الإبداعية” تلتحق بالركب، فيما تشخص العيون إلى المستقبل، متسائلة عن المشروع الآتي أو الابتكار التالي الذي تدهش به دبي العالم وتفتح من خلاله باب العطاء والتميز أمام المبدعين وصناع النجاح الذين يأتون إليها من أنحاء الدنيا.

14