منح الثقة للحكومة الليبية يتأرجح بين مناورات التعديل والتأجيل

خطاب متزن للدبيبة يعكس القدرة على احتواء الجميع بكل توجهاتهم
الأربعاء 2021/03/10
الغموض يكتنف مصير الحكومة

تونس - أصبح مصير الحكومة الليبية الجديدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة يتأرجح بين مناورات فرقاء الصراع التي تتالت خلال اليومين الماضيين بحسابات تشابكت في استهدافاتها التي باتت تتراوح بين تأجيل منح الثقة لها وترحيل هذا الاستحقاق إلى موعد لاحق، وبين الضغط لإدخال تعديلات على تشكيلتها، والتخطيط الخفيّ لنسفها كليا وإبقاء الوضع على حاله.

وانتهت مداولات مجلس النواب، الثلاثاء، لليوم الثاني على التوالي برفع الجلسة دون التصويت على الحكومة المقترحة وسط أنباء عن ضغوط يمارسها النواب بقيادة رئيس البرلمان عقيلة صالح لتعديل التشكيلة الحكومية.

وقال النائب صالح أفحيمة إنه تم تعليق الجلسة بداية لمدة ساعة ونصف لكن عقيلة صالح، الذي كان أحد المرشحين لتولي منصب في السلطة التنفيذية الجديدة وفشل، رفض العودة مجددًا لاستكمالها.

وأضاف أن مكتب الرئاسة اجتمع بعد تعليق الجلسة مؤقتا “لكن النائب الأول فوزي النويري أبلغنا بتعليق الجلسة واستئنافها صباح الأربعاء وأن الجلسة لن تكون للنقاش وإنما للتصويت مباشرة على الحكومة”.

صالح أفحيمة: تم تعليق الجلسة لساعة ونصف لكن عقيلة صالح رفض العودة
صالح أفحيمة: تم تعليق الجلسة لساعة ونصف لكن عقيلة صالح رفض العودة

وبدا المشهد في ثاني يوم من المداولات البرلمانية المُخصصة لمنح الثقة لهذه الحكومة، التي يُفترض أن تُدير المرحلة الانتقالية في البلاد لغاية الانتخابات العامة في الـ24 من ديسمبر القادم، مُنقسما بعناوين سياسية ومناطقية، وأخرى أملتها موازين القوى الميدانية، والأجندات الإقليمية والدولية التي تستشعر خطر توافق فرقاء الصراع على مصالحها في ليبيا.

واستأنف البرلمان الليبي، الثلاثاء، أعمال جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة بمدينة سرت، بحضور الدبيبة الذي توجه إلى النواب المشاركين فيها بكلمة سعى فيها إلى محاولة تبديد الخلافات والانقسامات، والمخاوف المرافقة، عبر التأكيد على أنه راعى في تشكيلة الحكومة التي توصل إليها، التوازنات السياسية والجغرافية لتحقيق وحدة ليبيا عبر مشاركة الجميع.

وأظهرت الجلسة، التي توجه فيها النواب بأسئلة جريئة ومحرجة للدبيبة، أن رئيس الوزراء لديه نفس طويل لاحتواء الجميع بكل توجهاتهم وهو ما يحسب له.

وشدد في كلمته على أن الوزراء المُرشحين “سيخدمون كامل ليبيا”، لافتا إلى أن “الفريق الحكومي المُقترح هو نتاج لتزكيات تقدم بها عدد من النواب الذين يثق فيهم، وأنه لم يختر سوى وزير واحد، لم يذكره بالاسم، إلى جانب ترك حقيبة الدفاع شاغرة لأن كافة الأطراف المتصارعة سعت إلى أن تكون من نصيبها”.

واعتبر أن هذا الخيار يعود إلى معرفته بأن أطراف الصراع “تُسخّن لعودة الاقتتال”، لذلك لن تُسند وزارة الدفاع لأيّ منها “لأنني لن أسمح أبدا بعودة الاشتباكات وحالة الحرب والاحتراب مرة أخرى”، وذلك في الوقت الذي أكد فيه محمد حمودة الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية، أمام البرلمان أن وزارة الدفاع سيتولاها الدبيبة مؤقتا.

وأقر عبدالحميد الدبيبة أن المحاصصة السياسية والجغرافية فرضت نفسها في تشكيلة حكومته، مُرجعا ذلك إلى جملة من العوامل، منها أن “الحملة ضدنا كانت ضخمة من الذين يريدون تدمير البلاد، والذين يريدون احتلالها”، حيث أشار في هذا السياق إلى المرتزقة والقوات الأجنبية التي وصفها بـ”خنجر في ظهر ليبيا لا بد من العمل على التحرر منها بحكمة وهدوء فالأمر ليس هيّنا”.

وخضع الدبيبة بعد ذلك إلى تساؤلات النواب التي عكست مساعي لترحيل منح الثقة إلى موعد لاحق، ورغبة في إدخال تعديلات على التشكيلة الوزارية المُقترحة، وذلك وفقا لحسابات سياسية بدت غير مرسومة على قاعدة واحدة، لكن وحدتها دائرة المناورات التي تستهدف إسقاط الحكومة، وإفشال هذا الاستحقاق.

Thumbnail

ويرى مراقبون أن هذه المناورات تبقى مع ذلك غير متطابقة أو متشابهة، حيث تتقاذفها حسابات مُتباينة من شأنها تمكين الدبيبة الذي مازالت أمامه عشرة أيام للحصول على ثقة البرلمان، من مساحة واسعة للتحرك لإرضاء الغاضبين وخاصة من الشرق وبالتحديد من برقة الذين ساءهم كثيرا ترشيح لمياء أبوسدرة لتولي وزارة الخارجية ضمن حصة الشرق.

ويعود هذا الاستياء الذي عبّر عنه غالبية نواب المنطقة الشرقية بمن فيهم رئيس البرلمان، عقيلة صالح، إلى أن لمياء أبوسدرة رشحها لهذه الحقيبة الوزارية السيادية حزب الوطن برئاسة القيادي السابق في الجماعة الليبية المُقاتلة الموالية لتنظيم القاعدة، عبدالحكيم بالحاج المثير للجدل.

وعلى أساس ذلك، كشفت تسريبات انتشرت بسرعة في مواقع التواصل الاجتماعي، تُشير إلى أن الدبيبة قد يكون استجاب لبعض مطالب نواب الشرق، حيث سرت أنباء تُفيد بأنه توصل إلى تفاهمات مع عقيلة صالح تستهدف إعادة ترتيب تشكيلة الحكومة بما يُخفّض في سقف الرفض لها، خاصة وأنه أصبح يُدرك أن لمياء أبوسدرة لن تحصل على ثقة نواب إقليم برقة.

ووفقا لتلك التسريبات، التي عكست حجم تناغم حسابات المصالح الذي بات يُهدّد حكومة الدبيبة، فإن التفاهمات المذكورة تم التوصل إليها خلال لقاء ثنائي بين الدبيبة وعقيلة صالح عُقد مساء الاثنين في أعقاب رفع الجلسة البرلمانية الأولى، وخُصص لمناقشة تغيير وزراء المنطقة الشرقية، وهم نائب رئيس الحكومة، صقر أبوجواري، ووزيرة الخارجية، لمياء أبوسدرة، ووزير الصحة، خالد الجازوي، ووزير التخطيط كامل الحاسي.

واقترح عقيلة صالح استبدال تلك الأسماء بأخرى منها، إسناد منصب نائب رئيس الحكومة إلى علي القطراني النائب السابق في المجلس الرئاسي برئاسة فائز السراج، وتكليف عميد جامعة بنغازي، مرعي المغربي بتولي حقيبة الخارجية، وملهم الدرسي لوزارة الصحة.

ورغم ذلك، مازال مصير حكومة الدبيبة يكتنفه الغموض، ويبدو رهينا للضغوط وعمليات الابتزاز، والمساومات التي تتعدل وتتغير وفقا لموازين القوى، التي جعلت استحقاق منح الثقة مُتحركا مع مزيج من الانتظار المحكوم بنتائج أوراق الضغط المختلفة، والنقاشات الجانبية التي يصعب معها الجزم بنهايات جلسة سرت البرلمانية التي يُفترض أن تُحدّد ليس فقط مصير الدبيبة وحكومته، وإنما أيضا مستقبل الصراع في ليبيا.

1