المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم يُقر جملة من التوصيات الهامة لتعزيز ثقافة الحوار والمصالحة

توصيات المؤتمر تندرج في إطار الاستجابة للتحديات الوجودية التي تواجه الإنسانية والحاجة إلى إعادة ترشيد العقول وبناء حصون السلم في النفوس.
الخميس 2025/01/23
المؤتمر يرسخ مبدأ الحوار ضرورة إنسانية واستبدال الحرب بالسلام والخصام بالوئام

نواكشوط - اختتم الملتقى السنوي الخامس للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم، أعماله التي جرت على مدى ثلاثة أيام، بالعاصمة الموريتانية نواكشوط برعاية الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني وبدعم كريم من دولة الإمارات وبرئاسة معالي الشيخ العلامة عبدالله بن بيه رئيس المؤتمر الافريقي لتعزيز السلم ورئيس منتدى أبوظبي للسلم.

وأقر المشاركون في هذا المؤتمر الذي تركزت أعماله هذا العام تحت شعار "القارة الإفريقية: واجب الحوار وراهنية المصالحات"، جملة من التوصيات الهامة وذلك من منطلق أن الحوار والمصالحة إرث إفريقي أصيل وتفعيل ثقافي ملموس لمبدأ الصلح الإسلامي الذي وضع له الإسلام فقها كاملا ومتكاملا لحل النزاعات بالوسائل السلمية.

وشدد المؤتمر في بيانه الختامي على أن توصياته تأتي "إيمانا بأن الحوار ضرورة إنسانية وأن من نتائجه الفورية إيقاف الحروب والنزاعات واستبعادها واستبدال الحرب بالسلام والخصام بالوئام وذلك حفاظا على جذوة الأمل بأن تقتبس الإنسانية من نور السلم قبسا يبدد عتمة الظالم الراهن".

واعتبر أن توصياته تندرج في إطار" الاستجابة للتحديات الوجودية التي تواجه الإنسانية جمعاء، والحاجة إلى إعادة ترشيد العقول وبناء حصون السلم في النفوس، ونشر روح الوئام وقيم الاعتدال والتآخي، على طريق نشر رسالة السلم والتعاون على الخير في القارة الإفريقية ".

وخلص المؤتمر إلى أن الوضع الراهن في إفريقيا، خاصة ما يتعلق بالتهديدات التي تتوجه إلى زعزعة استقرار الدول ووحدة المجتمعات، أظهر أن الحوار خيار لا بديل ولا محيد عنه لإدارة الأزمات، وإبداع الحلول السلمية التي تعزز الاستقرار والازدهار والابتكار.

ولفت في هذا الصدد، إلى أن غياب ثقافة الحوار وقيم المصالحة في إدارة الخلافات السياسية والاجتماعية أدى إلى تفاقم الأزمات، حيث تُستبدل الأدوات الدبلوماسية ووسائل التفاهم باللجوء إلى العنف، مما يزيد من معاناة الشعوب ويعطل مسيرة التنمية.

واعتبر أن الوضع العام في القارة الإفريقية يؤكد الحاجة الماسة إلى بناء جسور التعارف والتفاهم، والانتقال إلى ترسيخ قناعة الوجدان المتشارك، من خلال تفعيل قنوات التواصل بمختلف مستوياتها: بين الحكومات وشعوبها، وبين الحكومات ونظيراتها، وبين الشعوب وأشقائها، بهدف بناء الثقة وتعزيز التعاون.

وعلى هذا الأساس، رأى المؤتمر أن المصالحة تعتبر تجسيدا عمليا لقيم العدل والإنصاف والتسامح، وهي قيم لا غنى عنها في المجتمعات التي تسعى لبناء سلم مستدام، مؤكدا في نفس الوقت على أن القارة الإفريقية تواجه تحديات مشتركة، تستوجب تعزيز التعاون على أساس المصير الواحد، مما يجعل الحوار والمصالحة واجبين إنسانيين، يعكسان الالتزام بتعزيز التضامن الإقليمي.

ودعا في هذا الإطار إلى ضرورة إعادة بناء الثقة، من خلال المبادرات العملية والميدانية، في القارة الإفريقية، التي تجمع بين الحكومات والعلماء والشباب، وتؤدي إلى بناء أواصر الثقة وتعزيز التعاون بين مختلف مكونات المجتمع على بساط السلم.

وشدد على الحاجة لماسة لتبني التفكير الاستباقي، في معالجة الأزمات بالقارة الإفريقية، والابتعاد عن الحلول التقليدية، التي أثبتت محدوديتها، والدفع بمقاربات فكرية إبداعية تعالج جذور الأزمات وتعزز الوقاية منها.

وطالب في هذا السياق الدول الإفريقية بالعمل على تقليل الفجوة الرقمية بين دول القارة لضمان استفادة الجميع من تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما يعزز العدالة في الوصول إلى الحلول التكنولوجية.

كما لفت أيضا إلى أن الواقع يثبت أن الفئات الشابة والنساء قوة ديناميكية قادرة على قيادة التغيير الإيجابي، مما يتطلب إشراكهم في المبادرات الميدانية، وبناء قدراتهم لضمان تحقيق أثر مستدام.

وعلى هذا الأساس، أوصى المشاركون في المؤتمر بالعمل من أ جل إطلاق شبكة إفريقية للحوار والمصالحة تنشئ منصة رقمية متعددة اللغات، تضم العلماء والمفكرين والقيادات المجتمعية من مختلف دول القارة بهدف توفير مساحة تفاعلية لتبادل الخبرات والنماذج العملية للمصالحات، وإلى تقديم حلول مبتكرة وتسترشد بالمعرفة المحلية لحل النزاعات.

كما اوصوا بإطلاق برنامج تدريبي متكامل للشباب والنساء في الوساطة المجتمعية يستهدف تمكين الشباب والنساء في المناطق المتضررة من الصراعات من اكتساب مهارات الحوار وحل النزاعات، والمشاركة الفاعلة في جهود المصالحة على المستويين المحلي والإقليمي، إلى جانب انشاء صندوق دعم المصالحات والتنمية المحلية.

وأوصوا كذلك بتطوير نظام ذكاء اصطناعي لتحليل النزاعات وإدارة المصالحات، والتعاون مع شركات تكنولوجيا دولية لتطوير تطبيق ذكي قادر على تحليل جذور النزاعات بنا ًء على بيانات تاريخية واجتماعية واقتصادية، لتمكين الجهات المعنية من اقتراح حلول مخصصة لكل نزاع بنا ًء على معايير علمية وإنسانية.

وتضمنت التوصيات أيضا استحداث لجنة للحوار والمصالحات والتنمية، تجمع بين الحكماء والوجهاء والعلماء في كل بلد، وتعنى بالوساطات والمصالحات لفض النزاعات، وتكثيف التدريب على ثقافة الحوار وآلياته ومبادئه وإشكالاته، وكتابة ميثاق إفريقي للحوار، يتضمن مجموعة من الأسس والمبادئ الحاكمة، وتشكل أرضية للتوافق بين الساعين إلى الإصلاح والمصالحة في إفريقيا.

 وتم خلال الجلسة الختامية لهذا المؤتمر تكريم رئيس الوفد المغربي سيدي محمد رفقي الأمين العام لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.

وكانت فعاليات هذا المؤتمر قد ناقشت على مدى ثلاثة أيام جملة من جملة من القضايا الهامة تم توزيعها على 5 محاور أساسية، يتعلق الأول بـ " الوضع الراهن في افريقيا والحاجة إلى ثقافة الحوار"، والثاني "الحوار والمصالحات: واجب ديني وقيم أخلاقية".

أما المحور الثالث فهو يتعلق بـ " الحوار والمصالحات: ارث حضاري ونماذج ملهمة"، والرابع "مقاربات فكرية ومبادرات ميدانية"، بينما المحور الخامس فهو يتعلق بـ "افريقيا والذكاء الاصطناعي: افق جديد في بناء السلم وتعزيز الحوار".

ويتضمن جدول أعمال هذه الدورة الجديدة من المؤتمر الافريقي لتعزيز السلم، عقد النسخة الثالثة من قمة الشباب والمرأة صناع السلام في إفريقيا تحت عنوان "الحوار والمصالحات: التربية والتكوين"، بالإضافة إلى تنظيم حفل للإعلان عن الفائزين بـ "جائزة السلم الافريقي".

يعتبر الملتقى الدولي السنوي للمؤتمر الإفريقي للسلم الذي يعقد دورته الخامسة يوم الثلاثاء القادم بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، إحدى ثمار التعاون البناء بين دولة الإمارات والجمهورية الموريتانية في مجال العمل على ترسيخ ثقافة التسامح والاعتدال ومواجهة خطابات الغلو والتطرف في القارة الإفريقية.