مناورات بحرية جزائرية – روسية في المتوسط على خلفية تصاعد التوتر مع المغرب

تحاول روسيا الاستثمار في الأزمة الجزائرية مع كل من المغرب وفرنسا، وترغب في تحويل البلاد إلى نقطة عسكرية غرب البحر المتوسط، حيث بدأت البحرية الحربية الروسية ونظيرتها الجزائرية مناورات عسكرية في الشواطئ الجزائرية، بالتزامن مع تطور المستجدات السياسية والدبلوماسية في المنطقة.
الجزائر - انطلقت نهاية هذا الأسبوع مناورات بحرية جزائرية – روسية. ورغم أنها تدخل في سياق أجندة التعاون العسكري بين البلدين إلا أن تزامنها مع تطورات سياسية ودبلوماسية في المنطقة جعلها تحمل دلالات استراتيجية ترتبط بفصول الأزمة المتصاعدة بين الجزائر والمغرب وبالتغلغل الروسي المتنامي في المنطقة، خاصة في ليبيا ومالي، على حساب النفوذ التقليدي لفرنسا في المنطقة.
وتحدثت تقارير متطابقة في موسكو والجزائر عن وصول مفرزة من سفن أسطول البحر الأسود إلى ميناء الجزائر للمشاركة في التمرين الدولي “مناورات بحرية مشتركة – 2021” مع القوات البحرية الجزائرية.
وذكرت أن المفرزة الروسية ضمت الفرقاطة “الأدميرال غريغوروفيتش” وسفينة الدورية “دميتري روغاتشيف” وزورق الإنقاذ “SB – 742” من التجمع الدائم للبحرية الروسية في البحر المتوسط.
وتشارك في التمرين قطع بحرية عسكرية جزائرية منها الفرقاطة “حراد” وعلى متنها مروحية وسفينة التدريب “صومام” وسفينة الإنقاذ “المنجد” وطائرة دورية ومروحية للبحث والإنقاذ.
ولفتت هذه التقارير إلى أن التمرين سيستمر حتى العشرين من نوفمبر الجاري، وستجري طواقم السفن الجزائرية والروسية تدريبات على الاتصالات، وستقيم جلسات إحاطة عن العمل المشترك وتدريب فرق التفتيش وتمرينا إيضاحيا حول السيطرة على الأضرار ومؤتمر ما قبل الرحلة، قبل المرحلة البحرية من التمرين.
وتهدف المناورات والإجراءات المشتركة بين قوات بحرية البلدين إلى تعزيز الأمن في المنطقة، فضلا عن تطوير التعاون العسكري الروسي – الجزائري وتبادل الخبرات بين الأساطيل في أداء مهام محددة، وتخطيط وتنسيق أنشطة التدريب البحري المشترك.
وتندرج المناورات الروتينية في إطار أجندة التعاون العسكري بين البلدين، غير أن تزامنها مع التوترات الدبلوماسية السائدة في المنطقة أضفى عليها أبعادا استراتيجية، خاصة في ما يتعلق بصراع التفوق الاستراتيجي في شمال أفريقيا المحتدم منذ عقود بين الجزائر والمغرب حتى في الأوضاع العادية، فضلا عن النوايا الروسية التي تجلت بشكل لافت في السنوات الأخيرة انطلاقا من مواطئ النفوذ التي اكتسبتها في ليبيا، ثم التوجه نحو عمق القارة السمراء بداية من مالي.

عبدالله ديوب: قد نطلب مساعدة من روسيا في التعامل مع التحديات الداخلية
وساهمت الأزمة الجزائرية – الفرنسية في ظهور تناغم كبير بين القيادات السياسية في الجزائر وموسكو، خاصة في ظل الحديث عن هيمنة الجناح الموالي لموسكو على مفاصل المؤسسة العسكرية وإبعاد القيادات التي تحمل توجها غربيا، على غرار تنحية رئيس دائرة الاستعمال والتحضير الجنرال محمد قايدي، الأمر الذي أفضى إلى تراجع النفوذ الفرنسي التقليدي في المنطقة خلال الأشهر الأخيرة.
ويبدو أن الطابع الروتيني للمناورات البحرية الجزائرية – الروسية لا يحجب الرسائل الدلالية المتصلة باستعراض القوة والتكنولوجيات الحربية في حوض المتوسط الذي تشترك فيه الضفتان الأوروبية والأفريقية. ولئن ظل تقليديا تحت هيمنة القوة الشمالية فإن دخول البحرية على الخط عبر بوابة الضفة الجنوبية قد يكون امتدادا لمعركة النفوذ الصامتة بين الروس والفرنسيين في اليابسة.
وسبق أن أكد وزير خارجية جمهورية مالي عبدالله ديوب أن “حكومة بلاده لا تستبعد طلب المساعدة من روسيا في التعامل مع التحديات الداخلية الملموسة التي تمر بها البلاد حاليا”.
وقال في مؤتمر صحافي مشترك عقده في موسكو مع نظيره الروسي سيرجي لافروف “كلما واجه بلدنا وضعا صعبا وقفت روسيا إلى جانبنا وساعدتنا ودعمتنا، والآن نمر بمثل هذا الوضع الصعب والمعقد، ولذلك قد نطلب المساعدة من صديقنا”.
وشدد الوزير على أن بلاده ” تواجه حاليا خطرا وجوديا واعتداءات لا تتوقف، وأن البعض ينوون معاقبة مالي على خياراتها”، دون أن يشير إلى هوية هؤلاء، ولو أن كل التخمينات تذهب إلى فرنسا التي دخلت في أزمة موازية مع سلطات مالي الجديدة.
وأكد المتحدث على وجوب “العودة إلى الظروف الدستورية الطبيعية في أسرع وقت ممكن، لكن هناك عدة شروط مسبقة يجب تطبيقها لتطبيع الوضع، في مقدمتها ضمان الأمن داخل البلاد، بما يشمل أمن المواطنين وأمن التجارة “، في تلميح إلى الاستعانة بالقوات الروسية لاستتباب الأمن في مالي.
وأعرب سيرجي لافروف عن “تطلع روسيا إلى تطوير العلاقات مع مالي في مجالات التجارة والاقتصاد والاستثمارات والتعليم والعلوم والثقافة، بالموازاة مع التعاون في المجال العسكري التقني”، مبديا “اهتمام موسكو بالإصغاء إلى تقييمات مالي بشأن الأوضاع في القارة الأفريقية والجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب في هذا البلد”.
وكانت آخر مناورات بحرية مشتركة بين الجزائر وروسيا قد جرت نهاية نوفمبر 2019، وشهدت حينها مشاركة ثلاث سفن حربية تابعة للقوات البحرية الروسية، بالإضافة إلى مشاركة الجزائر بعدة سفن حربية ووسائل جوية وفريق اقتحام من الرماة البحريين.
وتدخل المناورات العسكرية بين جيشي البلدين في إطار برنامج التعاون الثنائي العسكري الجزائري – الروسي لعام 2019، والمصادق عليه من طرف القيادة العليا للجيش، بحسب بيان وزارة الدفاع الجزائرية، التي أوضحت أن الهدف من المناورات هو “تعزيز قدرات الطرفين في مجال التعاون البحري من خلال العمل المشترك لمواجهة أي تهديدات أو خطر محتمل بإمكانه المساس بالأمن البحري”.
وجرت مطلع شهر أكتوبر الماضي أول مناورات عسكرية بين جيشي البلدين بروسيا، وتمحورت حول مجال مكافحة الإرهاب، وكانت بذلك أول مناورة يجريها الجيش الجزائري خارج حدوده، وشاركت فيها قوات من جيوش كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وأرمينيا والهند وكازاخستان وباكستان.
وذكرت تقارير متخصصة أنه “تم خلال المناورات البرية تحديد أهداف تتعلق بإجراءات تكتيكية للبحث عن التشكيلات المسلحة غير الشرعية وكشفها وتدميرها ” في إطار سيناريو الجماعات الإرهابية المسلحة.
وأضافت أن “الجزائر تعتبر ثالث مستورد للسلاح الروسي في العالم، بينما تعتبر روسيا مصدر الأسلحة التاريخي للجزائر، إذ تقتني الجزائر أكثر من ستّين في المئة من أسلحتها من موسكو، وتمتلك ستّ غواصات روسية الصنع، بالإضافة إلى اقتنائها نظام الدفاع الجوي الصاروخي ‘أس 400’، ودبابات وطائرات ومروحيات هجومية وأنظمة رادارات روسية تشكل ركيزة القوات المسلحة الجزائرية”.