ملف الوظائف العشوائية يفاقم أزمات الحكومة التونسية

وجدت الحكومة التونسية المثقلة بالديون نفسها مرة أخرى أمام تصاعد مطالب اجتماعية تنادي بالتسريع في تسوية ملف الوظائف العشوائية المتوارث منذ 2011، في وقت تكثف فيه السلطات جهودها لتجاوز الأزمات الاقتصادية والمالية الخانقة.
تونس - بات ملف الوظائف العشوائية، على غرار عمل الحضائر والآليات الهشة التي جاءت في شكل ترضيات لإسكات أصوات تحتج ضد السلطة، يثقل كاهل الدولة التونسية المتخبطة أساسا في الأزمات الاقتصادية والمالية، وسط دعوات المراقبين إلى ضرورة معالجة الملف بشكل نهائي.
ودعت المنسقة الجهوية لعمال الحضائر هبة السعدي إلى ضرورة إحداث لجنة ضمن رئاسة الجمهورية تُعنى بملف عمال الحضائر من أجل التسريع في تعيين الدفعة الأولى والثانية في أقرب الآجال التزاما باتفاق أكتوبر 2020.
وقالت هبة السعدي، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، إن “التنسيقية نفذت الإثنين وقفة احتجاجية في ساحة الحكومة بالقصبة للمطالبة بإنهاء جميع إجراءات الدفعة الأولى المتعثرة وتعيين هذه الدفعة من عمال الحضائر في أجل أقصاه شهر يونيو الجاري، بالإضافة إلى الإسراع بفتح المنصة الإلكترونية الخاصة بالدفعة الثانية والشروع في عملية التعيين على ألا تتجاوز المباشرة الفعلية للمعنيين بالأمر شهر أكتوبر القادم”.
وطالبت المنسقة الجهوية لعمال الحضائر بـ”تفعيل زيادة اتفاق أكتوبر 2022 الخاصة بأعوان القطاع العام وصرف مفعولها الرجعي قبل عيد الإضحى”، مشددة على “ضرورة تمكين الذين بلغوا سن التقاعد من جراية محترمة تضمن لهم العيش بكرامة وتمكينهم من دفتر علاج مجاني”.
وأعربت المتحدثة عن استيائها من عدم المضي قدما في معالجة هذا الملف منذ فترة وعدم إيلاء الحكومة، على غرار كل الحكومات المتعاقبة، أهمية لهذه الفئة المهمشة التي طال انتظارها، كما عبرت أيضا عن استيائها من سياسات التسويف والمماطلة، محملة السلطة مسؤولية حالة الاحتقان التي وصل إليها عمال الحضائر.
وتوصلت تونس إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في منتصف أكتوبر الماضي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار أميركي، بهدف مساعدتها على تجاوز أزمة مالية خطيرة ونقص في السيولة. لكن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود، بسبب عدم وجود التزام واضح من تونس بإعادة هيكلة العشرات من الشركات العامة المثقلة بالديون ورفع الدعم عن بعض المواد الأساسية.
ويرى متابعون للشأن التونسي أنه من غير المنطقي أن تتحمّل الحكومة الحالية أخطاء الحكومات السابقة وفشل سياساتها التشغيلية والتنموية، فضلا عن ضعفها في إدارة الشأن العام، معتبرين أن الأولويات الآن اقتصادية واجتماعية لإنقاذ البلاد.
وأفاد أمين عام حركة الشعب، زهير المغزاوي، بأن “الحكومات المتعاقبة تتحمل مسؤولية هذا الملف الاجتماعي الشائك، وكنّا (في حركة الشعب) قد طالبنا الرئيس قيس سعيد بعد إجراءات 25 يوليو بتسوية هذا الملف”.
وقال لـ”العرب”، “على الدولة أن تفتح كل ملفات التشغيل الهش، وهناك من عمال الحضائر من يشتغل في مؤسسات أخرى”، مؤكدا أن “الملف أثقل كاهل الدولة ماليا واقتصاديا وحذرنا من ذلك مرارا”.
وأضاف المغزاوي، “هذه الفئات لا تفعل شيئا، والخطوة جاءت في إطار ما يسمى بشراء السلم الاجتماعي بعد 2011 عبر ترضية الناس بمنح شهرية مقابل نشاط ضعيف أو معدوم أحيانا والحكومة التي تلي السابقة تغرق في الصعوبات والمشاكل”.
وشدّد المغزاوي على أن “الوقت قد حان لحل هذه المشكلة، كي لا تتضرر الدولة بدفع الأجور دون عمل، والتصدي للصعوبات المعيشية التي تواجهها تلك الفئات”.
ونص اتفاق 20 أكتوبر 2020 الممضى بين اتحاد الشغل والحكومة برئاسة هشام المشيشي على تسوية وضعية قرابة 31 ألف عامل حضيرة في القطاع الزراعي ضمن المناطق الداخلية، وعلى دفعات.
ويحتوي هذا الاتفاق على ثلاثة عناوين كبرى، يشمل العنوان الأول من سنهم أقل من 45 سنة في حين يهم العنوان الثاني من هم فوق 45 سنة إلى حدود 55 سنة. أما العنوان الثالث فيخص فئة عمال الحضائر الذين هم فوق 55 سنة.
وتسعى تونس منذ فترة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي في ظل أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات جائحة كورونا ثم الحرب الروسية – الأوكرانية المتواصلة منذ 24 فبراير 2022.
وخلال نهاية 2022 بلغ حجم المديونية 115 مليار دينار (نحو 37 مليار دولار) بما يمثل 79.9 في المئة من الناتج الداخلي، منها 46.7 في المئة قروض خارجية، و33 في المئة قروض داخلية.
ويرفض الرئيس التونسي قيس سعيد الإملاءات مقابل الحصول على التمويل خاصة فيما يتعلق برفع الدعم عن بعض المواد الأساسية والتفريط في بعض المؤسسات العمومية التي تعتبر مفلسة.
ولمواجهة الأزمة المالية المستفحلة اقترح قيس سعيّد إقرار ضريبة جديدة على من يستفيدون من الدعم “دون وجه حق”، وذلك من أجل الاستغناء عن قرض من صندوق النقد الدولي و”إملاءاته”.
وقال الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق محسن حسن “من واجب الدولة أن تنظر في وضعيات هذه الفئات التي اشتغلت بطرق غير قانونية، وهذا يندرج في إطار أشمل يتضمن إصلاح الوظيفة العمومية ومراجعة التعيينات والإصلاح الإداري”. وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “لا بد من خلق الثروة وتحقيق نمو إيجابي مع التشجيع على المغادرة الطوعية أو التسريح مع ضمان الحقوق الاجتماعية”. واستطرد قائلا “على السلطات أن تغلق هذا الملف نهائيا وتقطع مع أساليب التشغيل الهش التي كلفت الدولة الكثير”.
ويتكرر نقص المواد الأساسية في البلاد من محروقات وحبوب وقهوة بسبب تخلف الدولة عن سداد ثمنها للمزودين بالخارج فضلا عن ارتفاع أسعارها في الأسواق الدولية. ويواجه الاقتصاد التونسي تضخمًا مرتفعًا تجاوزت نسبته 10 في المئة ونسبة بطالة عالية تجاوزت 15 في المئة.