ملحن مصري يتبنى مبادرة إعادة المطربين المخضرمين إلى الساحة الفنية

الملحن المصري محمد رحيم: أغاني المهرجانات ليست تجديدا، بل انتكاسة ذوقية.
الاثنين 2021/02/01
"يا مستعجل فراقي" تعاون جديد يجمع رحيم بمحمد ثروت

رغم المحاولات الحثيثة التي تقوم بها نقابة الموسيقيين في مصر من أجل التصدّي لأغاني المهرجانات، إلاّ أن هذه الأخيرة بدأت تكتسب أرضية واسعة باستمرار، بعد موضة الدفع بنجومها في المقدّمات الغنائية للأعمال الدرامية، أو الاستعانة بها كفقرة أساسية في الأفلام التجارية لجذب جمهورها العريض.

القاهرة – تدور تساؤلات في الوسط الفني المصري حاليا بشأن إمكانية اعتبار أغاني المهرجانات نوعا من التجديد أم لا، ومدى تسيّدها الساحة الفنية مستقبلا، وهل تجوز مقارنة الجدل الذي أحدثته بما حدث أثناء ظهور الأغاني الشعبية وهجوم أنصار الفن المحافظ عليها؟

ويمثل الملحن المصري محمد رحيم، الذي التقته “العرب”، واحدا ممّن توجه إليهم أسئلة عديدة في هذا المضمار، فهو فنان شامل يجمع بين التأليف والتلحين والتوزيع، ويجنح نحو التجديد، والتعاون مع فنانين ينتمون إلى شرائح صوتية وعمرية متباينة.

قال رحيم، لـ”العرب”، إنه “ضد أغاني المهرجانات على طول الخط، فهي تعد إفسادا للذوق العام، بما تحتويه من ألفاظ خارجة تجرح الأسرة المصرية، وتهدر رسالة الفن الحقيقية، ولا تملك مقومات للأغنية بأركانها المعروفة”.

ودشّن رحيم أخيرا مبادرة لإعادة نجوم الغناء المخضرمين إلى الساحة لمواجهة التشوّه السمعي الذي تسببه أغاني المهرجانات بأغنية من تلحينه وتوزيعه وكلمات تامر حسين، مع المطرب محمد ثروت، بعنوان “يا مستعجل فراقي”، وطرح مقاطع من موسيقاه على مواقع التواصل الاجتماعي واعدا بالمزيد للحفاظ على ذائقة الجمهور الفنية.

تنويعات غنائية

محمد رحيم: الأجيال الحالية لديها فرصة أكبر في النجاح بسبب ثورة المعلومات
محمد رحيم: الأجيال الحالية لديها فرصة أكبر في النجاح بسبب ثورة المعلومات

تمثل آراء الملحن مفارقة غير متوقعة، في ظل تبنيه أسلوبا لإنتاج الجديد دائما، ما ساهم في حصوله على جائزة “ساسام” الفرنسية كثاني عربي بعد موسيقار الأجيال المصري الراحل محمد عبدالوهاب، وتمنح الجائزة لمن يقدّم أقصر جمل لحنية غير متشابهة أو متكرّرة، خلال 20 عاما من عمله الفني.

وأكّد أن أغاني المهرجانات ليست تجديدا، فالتنوّع والتحديث مقترنان دائما بالحفاظ على الذوق العام وترك بصمة على مستوى اللحن والكلمة، فملحني الزمن الجميل امتازوا ببصمة خاصة تمكّن أي فرد من معرفة هوية التلحين، بمجرد سماع أول جملة موسيقية، وهو ما تفتقر إليه المهرجانات التي تعتمد على إيقاع واحد.

اعتبر رحيم، الذي أجاد التعاون مع الكثير من الأصوات العربية، أن الأغاني الخفيفة التي لحنها مثل “العو”  للمطرب الشعبي دياب و”الواد قلبه بيوجعه” للمطرب بهاء سلطان، و”ليه بيداري كده” للفنانة روبي، نوع من تجديد السائد في الوسط الفني حين صدورها لتنويع المضامين السمعية، ويقارنها بما قدمته الرموز الكبيرة التي أنتجت الأعمال الرصينة كالقصائد الطويلة، والمضمون ذي الطبيعة المسلية، وضرب نموذجًا الفنان محمد عبدالوهاب الذي لحن أعمال أم كلثوم وفي الوقت ذاته “أنا واد خطير” للفنان الكوميدي الراحل فؤاد المهندس.

وابتعد رحيم عن الغناء الرومانسي قليلا في خضم جائحة كورونا وقدّم مجموعة من الأغاني التي تتعايش مع الأحداث وتشارك الجماهير أفراحها وأوجاعها، مثل “الناس في بلادي” للمطرب محمد منير، كلمات الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي، وأغنية “الحب والسلام” من كلماته وألحانه مع الفنانة السورية أصالة.

وتظل أغنية “ليه بيداري” للفنانة روبي الأكثر جدلا في مسيرة رحيم، فالجمهور فوجئ بشابة صغيرة السن غير معروفة تتمايل على دراجة رياضية وتغني مقاطع غير معتادة، لكنها أصبحت الأغنية الأشهر وتعرض في عدد كبير من الفضائيات الغنائية.

وأوضح الملحن المصري، لـ”العرب”، أن هدفه من تلك الأغنية بالذات كان صد الهجوم الغنائي اللبناني الذي حطم تابوهات الفيديو كليب التقليدي في مصر، بلقطات أكثر جرأة، واستقطب عددا من المطربات اللبنانيات للغناء بكلمات وألحان مصرية، مثل “ماريا”، حفاظا على ريادة مصر في الغناء عربيا، كما لحن وأنتج للكثيرين بنظام الأغنية الواحدة، بينهم كنزة مرسلي ومينا عطا.

واكتشف رحيم عددا من المطربين والمطربات، منهم تامر حسني وإليسا وجنات وهيثم شاكر، وتبنى مشروعا لاحتضان المواهب الفنية الواعدة في مجال الموسيقى على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

وارتبط في رحلة طويلة مع الفنان عمرو دياب الذي بدأ بأغنية و”غلاوتك” في ألبوم “عودوني” عام 1998، وحقّقت نجاحا كبيرا أهّله للتلحين في العام ذاته لأسماء أخرى، مثل محمد فؤاد وإيهاب توفيق وخالد عجاج.

احتكار فاشل

شيرين غنت من ألحان محمد رحيم واحدة من أجمل أغانيها، وهي «مشاعر»  التي تمت ترجمتها إلى أكثر من 30 لغة
شيرين غنت من ألحان محمد رحيم واحدة من أجمل أغانيها، وهي "مشاعر" التي تمت ترجمتها إلى أكثر من 30 لغة

يرفض الملحن محمد رحيم نظام الاحتكار الفني، ويصفه بالفاشل الذي يقضي على الفنان تماما عندما يتم تجميده لسنوات، كما يرفض أن تُفرض عليه أغان بعينها رغم ركاكتها وضعف مستواها الفني، واعتبر أن الأجيال الحالية لديها فرصة أكبر في النجاح بسبب الإنترنت وثورة المعلومات، عكس الرواد الذين كانوا يجوبون المحافظات لتعلم الموسيقى ونشرها.

ورأى في حواره مع “العرب”، أن “الأغنية الجيدة مزيج بين الكلمة واللحن وكلاهما يأتي عبر الإلهام”، وأقر بأنه يقضي ساعات طويلة في تأمل السماء لتنويع موسيقاه، “فالكون حركة إيقاع مستمرة والانغماس فيه شاعريا ينتج معزوفات محملة بمعان عميقة”.

ويمكن التقاط ألحان رحيم بسهولة بين عشرات الألحان، حيث تتّسم بالطابع الهادئ والشجي، وتمزج بين الآلات الغربية والنغمات الشرقية، وتجمع بين جموح القيثارة وغموض البيانو في جملة قصيرة هادئة تبتعد عن الأغاني السريعة، خاصة في أعماله مع عمرو دياب الذي تجمعه به شراكة فنية لسنوات طويلة.

الملحن المصري يؤكد أن البقاء للأغنية التي تنجح في نقل المشاعر العميقة عبر لحن وأداء وكلمات متميزة

وقدّم في أغاني “ليه بيفكروني” لمحمد محي و”قالتلي خلاص” لخالد عجاج جملا لحنية قوية ومتماسكة تمزج بين “التكنو” و”الراب” و”المقسوم الشرقي”، وكرّر الأمر ذاته في أغنية “حبيبي ولا على باله” لعمرو دياب التي نال عنها جائزة ميوزيك وورد.

وقاد رحيم بتعاونه مع الفنان حميد الشاعري في التوزيع ثورة غنائية موسيقية ظهرت بوضوح في أغاني “الليالي” مع نوال الزغبي و”سنة ورا سنة” لنبيل شعيل، و”في حاجات” لنانسي عجرم، و”يوم ورا يوم” للمطربة سميرة سعيد، و”أخبارك إيه” للمطربة مايا نصري .

وقال رحيم إن “العمل الجيّد يبقى ويلقى التكريم محليا وعالميا”، في إشارة  ضمنية إلى أن المهرجانات لن تصمد طويلا، وضرب مثلا أغنية “مشاعر” للمصرية شيرين التي تمت ترجمتها إلى أكثر من 30 لغة أجنبية، ولقيت أغنية “حاجات” لنانسي عجرم إشادة من المغنية الأميركية العالمية بيلي إيليش بلحنها المميز.

ولم يكتف الفنان المصري بالتلحين فقط بعدما جمع معه التأليف والتوزيع الموسيقي مثلما حدث في أغاني “حبة ظروف” و”60 دقيقة حياة” و”منازل” لأصالة، و”فنجان النسيان” لأنغام، ولديه بعض التسجيلات الغنائية بصوته كرغبة في إيصال إحساسه إلى الجمهور، متّبعا أسلوب الملحنين الروّاد مثل بليغ حمدي وسيد مكاوي.

وأضاف رحيم، لـ”العرب”، أن “الأغاني التي يطرحها أي فنان خليط بين ذوقه الشخصي ومشاعر الشاعر والملحن، حيث يجب أن يجتمعوا في منطقة واحدة ليخرج العمل بشكل يرضي الجميع مع الابتعاد عن طرح أعمال تتماشى مع آليات السوق أو تقترب من إنتاج الآخرين”.

وأشار إلى أن “الأغاني يجب أن تكون تجربة نابعة من وحي الخبرة والإحساس بالجمهور، مع التنويع الذي من الضروري أن يكون موجودا لاستمرار الرحلة الفنية للمطرب أو الملحن دون أن يحصر أي منهما إنتاجه مع شخص واحد”. ونوّه بضرورة الحرص على أن تكون كل تجربة مختلفة، ما يؤكّد أن أغاني المهرجانات التي تعتمد على مجموعات ثابتة من الموزّعين والمغنين لن يكتب لها النجاح، وأنها مجرّد موجة سوف تفتر وتضمحل فاسحة المجال مجدّدا لعودة الغناء الأصيل”.

الملحن المصري يؤكد أن البقاء للأغنية التي تنجح في نقل المشاعر العميقة عبر لحن وأداء وكلمات متميزة
محمد رحيم ثاني عربي يحصل على جائزة "ساسام" الفرنسية بعد محمد عبدالوهاب

 

17