كورونا يضاعف أعباء المغمورين فنيا في مصر

الكومبارس يعانون التهميش والدوبلير يرفضون رواتبهم الزهيدة.
السبت 2021/01/23
عمرو ماكجيفر يوجّه أمير كرارة أثناء تصوير مسلسل "كلبش"

ألقى استمرار جائحة كورونا بظلال قاتمة على العاملين في مهنتيْ الكومبارس والدوبلير، في ظل ندرة الأدوار المعروضة عليهم، وتوقّف عدد كبير من آلات التصوير عن العمل في مشاهد الأكشن، وضعفت بذلك رواتبهم التي لا تسمح لهم بتكوين مدخرات تساعدهم على تخطي هذه الظروف الصعبة.

يأكل الأبطال في الأعمال الفنية الجزء الأكبر من كعكة النجاح، يتلقون الثناء والتصفيق في العروض الخاصة، ويظهرون في الفضائيات وهم يتحدّثون عن جهودهم وإرهاقهم في ساعات العمل المتواصلة، دون أن يلقي أحد منهم بالا لفريق كبير من العاملين، الذين تظهر آلات التصوير وجوههم لدقائق وتظهرهم من الخلف دون ملامح واضحة.

وسط ضجيج المشاهد وسخونة الأحداث تغفل الأعين عن وجوه الكومبارس، وهم الممثلون الصغار ومن يقومون بأدوار هامشي. والدوبلير أو مؤدّو المشاهد الخطرة، هم الذين عشقوا التمثيل ولا يحصلون على الملايين ولا يمضون عقودا أو تخصّص مقاعد لهم للاستراحة، وبعضهم يظل قابعا على قهوة “بعرة” الشهيرة بوسط القاهرة ينتظر دورا، في وضع أشبه بعمال التراحيل في الميادين ينتظرون من يطلب خدماتهم.

أدوار مؤجلة

يبلغ عدد العاملين بمهنة الكومبارس في مصر نحو 20 ألفا، يعانون في خضم جائحة كورونا وإرجاء الأعمال التي تتطلّب فرقا كبيرة من الممثلين، ومعهم فريق كبير من الدوبلير، وهم من المتضرّرين أيضا بسبب انخفاض حجم وتيرة الإنتاج الدرامي، والاعتماد على الأفلام التجارية الكوميدية التي لا تتطلب مشاهد خطرة.

أشرف زكي: على الكومبارس إيجاد حلول بديلة يعيدا عن نقابة الممثلين
أشرف زكي: على الكومبارس إيجاد حلول بديلة يعيدا عن نقابة الممثلين

وأمام ضغط الظروف المالية وعدم وضوح موعد انقشاع الوباء، اضطر الكومبارس أخيرا لتدشين حملة لجمع توقيعات من نجوم الفن الكبار أملا في تأسيس نقابة خاصة بهم تتبنّى مصالحهم، بعد أن أعيتهم الحيل للتواصل مع أشرف زكي نقيب الممثلين، وتقديم شكاوى لجهات رسمية لضمهم إلى نقابة الممثلين التي أصبحت حلما صعبا.

ويحمل لفظ الكومبارس بلغة الفن كلمة “مجاميع” التي تظهر رؤية المخرجين لهم كمجموعات من البشر، ووجودهم لا يتعدّى ديكورات مثل قطع الأثاث، غير مسموح لها بالإبداع ولا التجويد ولا حتى اختلاس نظرة ولو بريئة تنقلهم إلى الصف الأول، مثلما حدث مع بعض المحظوظين في الماضي الذين أصبحوا نجوما حاليا.

وقال الممثل وصاحب مكتب رجيسر (توريد فنانين) ياسر التركي، “إن أبناء المهنة يعانون بشدة في إيجاد مصدر رزق ثابت بسبب التعطل، أو الحصول على أجر متدن حال حصولهم على فرصة عمل، فراتبهم لا يزيد عن 1800 جنيه (115 دولارا شهريا) وهو رقم زهيد جدا لا يوازي المجهود الكبير الذي يقومون به”.

تتبّع رواد مواقع التواصل الاجتماعي بكاميرات هواتفهم المحمولة مؤخرا، أحد الممثلين الذين شكلوا وجدان الدراما قديما، وضاق به الحال حتى عمل في محل لبيع قطع غيار السيارات، وآخر تفرّغ لإدارة مقهى شعبي.

وقال التركي لـ”العرب”، “إن الأمل بالنسبة للكومبارس يكمن في تأسيس نقابة خاصة بهم تساعدهم في محنتهم وتتولى إدارة شؤونهم، في ظل رفض نقابة الممثلين لهم، ومطالبتها لهم بتأسيس نقابة عمالية ليصبحوا كالعاملين في أي وظيفة أو حرفة تقليدية، وليس مهنة تتضمّن قدرا من الإبداع، وموهبة في التجسيد والآداء”.

وتزايدت معاناة الكومبارس مع تنامي ظاهرة ضيوف الشرف ورضاء فنانين كبار بأدوار صغيرة بدلا من التعطل والغياب، ما حرمهم كثيرا من نيل فرصة الظهور لدقائق أمام الكاميرات والحصول على أجر يسدّ احتياجاتهم اليومية.

ويعدّد التركي المهن التي لجأ إليها الكومبارس للحصول على رزقهم بعد ندرة الأدوار الفنية التي تعرض عليهم، “بات بعضهم يعمل في محال جزارة اللحوم، أو البيع على عربات المأكولات الشعبية، رغم امتلاكهم تاريخا فنيا عريضا، والعديد من المشاركات في أعمال سينمائية خالدة، بصرف النظر عن مساحة الدور”.

وسلّط فيلم “عندي صورة” للمخرج محمد زيدان الضوء على هؤلاء، حيث تناول سيرة أقدم كومبارس في مصر مطاوع عويس، وكشف حجم العطاء الفني لأبناء تلك المهنة، فالرجل شارك في ألف فيلم طوال حياته المديدة التي بلغت 86 عاما، ليكون صاحب تاريخ، هو الأكبر في العالم وليس محليا أو عربيا فقط.

معاناة الكومبارس  تزايدت مؤخرا مع تنامي  ظاهرة ضيوف الشرف ورضاء فنانين كبار بأدوار صغيرة  بدلا من الغياب
معاناة الكومبارس تزايدت مؤخرا مع تنامي ظاهرة ضيوف الشرف ورضاء فنانين كبار بأدوار صغيرة بدلا من الغياب

وقدّم زيدان وصفا بليغا لممثلي الصف الثالث بتشبيههم بـ”الوقود الذي يحترق من أجل مضي سيارة النجومية للفنانين”، وهو ما يتطلب الاهتمام بهم أكثر، ومنحهم الفرصة، فربما نجد منهم نجوما كبارا، فهناك العديد كانوا مغمورين في يوم من الأيام.

ويعترض محمد عاصم، الذي ظهر ككومبارس في أعمال فنية آخرها مسلسلا “في يوم وليلة” و”ضربة معلم”، على إطلاق لقب الكومبارس مفضلا تسميتهم بـ”نجوم الصف الثالث”، تقديرا لمعاناتهم في ساعات العمل الطويلة والظروف الصعبة.

وأكّد عاصم لـ”العرب”، “معاناة الممثلين المغمورين في الجزء الثاني من مسلسل ‘الاختيار’ الذي يتمّ تصويره حاليا بارتداء ملابس صيفية في البرد الشديد لمدة أكثر من 15 ساعة كي يتم التصوير ويبدو في فصل الصيف، وقد يحدث العكس تماما ممّا يعرّضهم لنزلات برد شديدة، كما أن ضعف أجورهم لا يمكنهم كثيرا من تأمين أنفسهم ضد الإصابة بكورونا عبر شراء المعقمات وأدوات التطهير”.

ويضطر ممثلو “الصف الثالث” الانتظار لساعات إلى حين يحضر النجوم الكبار ويصوّرون مشاهدهم، ويواجهون إهمالا من بعض المخرجين، أو تصرفات قاسية في التوجيه، وحال الخطأ في الجمل الحوارية يصل الأمر إلى السب.

ويملك الكومبارس جمعية خاصة بهم تم تأسيسها عام 2011، ويحاولون عبرها توفير التأمين الصحي والاجتماعي والمعاش للأعضاء، لكن ميزانيتها الضعيفة تحول دون تحقيق أهدافها، في ظل احتياج غالبية أعضائها للدعم وليس فئة قليلة منهم فقط.

وأشارت بسمة محمد إلى أن “المعاناة تتزايد مع السيدات والفتيات عن الرجال، مع وجود فئة ضالة تحاول استغلالهنّ نفسيا وجسديا، بدعوى توفير فرص عمل لهنّ عبر إعلانات تطلب وجوها جديدة للفن، لكنها تحاول استغلالهنّ في أعمال منافية للآداب”.

وحاول بعض ممثلي الصف الثالث مثل حسن الهلالي، صاحب أشهر شارب في السينما المصرية، امتلاك مشروع فني خاص بإنشاء فرقة كل أعضائها من الكومبارس، أطلق عليها “شلة مجانين” لإحياء حفلات أعياد الميلاد والمناسبات المختلفة، لكنها لم تحقّق الشهرة الكبيرة، بينما كان بعضهم أكثر ذكاء مثل حسين أبوالحجاج، صاحب محل إصلاح إطارات السيارات، الذي رفض التخلي عن نشاطه الأساسي، والتفرّغ للتمثيل وكان شعاره الفن “لا يؤكّل خبزا”.

وضع مماثل

التدريبات أولوية عند نيللي كريم
التدريبات أولوية عند نيللي كريم

ربما يكون ممثلو الدوبلير الذين يؤدّون المشاهد الخطرة بدلا من الفنان الرئيسي، سواء بالقفز من أماكن مرتفعة أو القطارات المتحركة، أفضل حالا ماليا، باعتبار أن أعدادهم أقل ومخاطرهم أكبر، لكن تواجدهم مرهون أيضا بأعمال الحركة فقط.

ومنذ إنشاء السينما المصرية تواجد الدوبلير لخدمة نجاح الفنانين الكبار، مثل علي كنيج، الذي كان يؤدّي المشاهد الخطرة للفنان فريد شوقي، أما لاعبو السيرك القومي المصري فاستغلوا مهاراتهم في السينما، مثل مروّضة الثعابين لويزا الحكيم، التي لعبت دور البديلة لنبيلة عبيد، ومحمد أبوليلة دوبلير الفنان الراحل جورج سيدهم، ومحمد النوبي دوبلير الفنان الراحل أحمد زكي.

ويجب أن يكون الدوبلير متقنا لفنون القتال ويملك مهارات حركية مميزة، ولا يتطلّب الأمر أن يكون شبيها بأبطال العمل من حيث الملامح، ولا تعرف مهنتهم الفروق الجنسية، ففي النهاية لا يظهرون أمام المشاهد من الأمام بما يسمح بالتمييز بينهم.

وتعتمد حياة الدوبلير على فريق العمل ومدى الخطوات التأمينية التي يمكن توفيرها، والأمر لا يخل من حوادث أحيانا، فبعضهم يضطر للقفز من ارتفاعات كبيرة ويتعرّض لكسور لكنها ضرورية من أجل لقمة العيش، وقد يكون أقل ما يتعرّض له هو لكمات بالخطأ من البطل الرئيسي قد تجعل البديل جالسا طريح الفراش.

محمد النوبي: كنت بديلا للفنان الراحل أحمد زكي في أكثر من فيلم
محمد النوبي: كنت بديلا للفنان الراحل أحمد زكي في أكثر من فيلم

ووفقا للجنة النقابية بالبيت الفني للمسرح بوزارة الثقافة المصرية، لا يتجاوز أجر الدوبلير 200 دولار في الفيلم الواحد، وهو راتب هزيل حال مقارنته بالسينما الأميركية التي يتلقى فيها الدوبلير حوالي 70 ألف دولار.

وأوضح عمرو ماكجيفر لـ”العرب”، أن مهنته تتطوّر باستمرار ويزداد معها معدل الخطورة، خاصة في مشاهد القفز بالسيارات أو المطاردات العنيفة، ورغم مشاركته مع نجوم كبار، مثل أحمد عز وياسر جلال وأمير كرارة، في أفلام ومسلسلات منها “أبوعمر المصري” و”الديزل” و”بني آدم” و”حرب كرموز” و”رحيم” و”كارما” و”عوالم خفية” و”كلبش 2″ و”الخلية”، لكنه غير معروف خارج الوسط الفني.

ومن الدوبليرات الشهيرات في الوسط الفني جويرية شهدي، التي قامت بدور الدوبلير للفنانة هند صبري في فيلم “الفيل الأزرق” في مشاهد تعليقها في حجرة العزل وكسر الزجاج في وجهها.

ويؤدّي التوأم محمد ومحمود محمد، الكثير من الأدوار الفنية التي يقوم فيها البطل بدورين، وكان وجودهما لافتا في مسلسلي “الصياد” و”البيوت أسرار”، ويقدّمان كل المشاهد المتعلقة بالفنان يوسف الشريف الذي أشاد بهما وبشجاعتهما.

ويعدّ مدير السيرك القومي بالقاهرة محمد النوبي، من أشهر الذين عملوا في مجال الدوبلير، وكان بديلا للفنان أحمد زكي في أفلام “الإمبراطور” و”البيضة والحجر” و”الهروب”.

وتعرّض النوبي في أثناء مهنته لمخاطر، بينها لكمة من بطل كمال أجسام اضطر بعدها للراحة لمدة يومين، أو القفز من شقة إلى أخرى بالطابق التاسع واضطر لتكرار المشهد مرتين بسبب خطأ في الإخراج، بعدما نسي المخرج أن يجعله يرتدي نفس زي الفنان الأساسي.

وقال لـ”العرب”، “إن النجم أحمد زكي، كان إنسانا بمعنى الكلمة، ويطمئن بنفسه على الوجبات المقدّمة لي أثناء التصوير، ومن فرط كرمه ساعدني ماديا، بخلاف الأجر الذي كنت يتقاضاه”.

ويحمل تاريخ الفن العديد من المظلومين ما بين كومبارس ارتضوا بالعيش في الظل على القليل لخدمة الفن، والعاملون في مهنة الدوبلير الذين يضحون بصحتهم وأرواحهم من أجل تنفيذ مشاهد المشاجرات الدامية ومطاردات السيارات والقفز من ارتفاعات شاهقة، وكل من الفئتين في المال والسلطة من الزاهدين.

"عندي صورة" فيلم تسجيلي سلط الضوء على سيرة أقدم كومبارس مصري
"عندي صورة" فيلم تسجيلي سلط الضوء على سيرة أقدم كومبارس مصري
الدوبلير لا يقل أهمية عن الممثل
الدوبلير لا يقل أهمية عن الممثل
20 ألف شخص هو عدد العاملين بمهنة الكومبارس في مصر
20 ألف شخص هو عدد العاملين بمهنة الكومبارس في مصر

 

15