مفتي تونس: أضحية العيد مرتبطة بالاستطاعة

حسمت دار الإفتاء التونسية الجدل القائم حول مقاطعة شراء أضحية العيد من عدمها هذا العام، من خلال التأكيد على كونها شعيرة دينية مرتبطة بتوفر عنصر الاستطاعة المادية، في ظل غلاء أسعارها من جهة، وضعف القدرة الشرائية للتونسيين التي يغذيها تزايد النفقات اليومية من جهة أخرى.
تونس - يثير غلاء أسعار أضحية العيد جدلا واسعا في صفوف الأوساط الشعبية التونسية، وسط دعوات إلى مقاطعتها في ظل تدهور المقدرة الشرائية للمواطنين، لكن دار الإفتاء التونسية أكدت أن شراء الأضاحي مرتبط أساسا بمدى استطاعة المواطنين المادية.
وباتت المناسبة الدينية تحدث نوعا من الانقسام في صفوف التونسيين بين شقّ يتمسك بالحفاظ عليها، وآخرين يرون أنّ غلاء أسعار الأضاحي يستدعي المقاطعة، أملا في انخفاض الأسعار، خصوصا وأنها تجاوزت هذه السنة مبلغ 1500 دينار (حوالي 500 دولار).
وفي الوقت الذي تذهب فيه بعض الأطراف إلى تكريس فكرة مقاطعة أضحية العيد بالامتناع عن شرائها بحجة أنها باهظة الثمن، يرى مراقبون أن من الضروري أن يتم توجيه بوصلة المقاطعة ضد المضاربين والمحتكرين في الأسواق والساعين إلى تحقق الثراء غير المشروع على حساب المواطن البسيط.
في المقابل، ترى أوساط دينية أن شراء الأضحية مرتبط أساسا بتوفر عامل الاستطاعة المادية مع القدرة على شرائها دون اللجوء إلى التداين أو تفضيلها على نفقات أساسية أخرى على غرار السكن، والأكل، والصحة والتعليم وغيرها.
وأكد مفتي الجمهورية هشام بن محمود في تصريح للقناة الوطنية الأولى أن الأضحية سنّة مؤكدة وشعيرة وجب احترامها لكنها مرتبطة بالاستطاعة لأن الدين دين يسر وليس دين عسر.
وأكد المفتي في هذا الصدد أن الإنسان الذي يضحي يجب أن تكون قد توفرت له طيلة السنة ضروريات الحياة على غرار الصحة وتعليم الأبناء والتغذية واللباس.
وتشكو منظومة اللحوم الحمراء في تونس العديد من الصعوبات، في ظلّ تراجع القطيع بالبلاد بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج، والذي تعزّز في السنوات الأخيرة على خلفية الأزمة المائية التي تعيش على وقعها البلاد.
ويحذر متابعون للشأن التونسي من أن يتم استغلال المواطن ماديا في هذا الظرف، من قبل المحتكرين والمتحكمين في السوق، من خلال الزيادة في سقف الأسعار دون رقيب أو حسيب، أملا في تحقيق الربح المادي.
وقال كريم شنيبة، كاتب عام نقابة الشؤون الدينية وإمام خطيب سابق، إنه “ينظر إلى المسألة من زاويتين، أولاها الشرعية وهي أنها سنّة مؤكدة لمن استطاع شراءها، فمن الجانب الشرعي والتعبدي هناك عبادات قولية وفعلية وقلبية ومادية”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “العبادات المالية بقدر ما يكون فيها الإنفاق مرتفعا يكون فيها الأجر والثواب، وبالتالي لا يقبل أن يكون المواطن أداة في أيادي المحتكرين والمضاربين، وإذا ما استشعر أن هناك استغلالا للجانب المادي من أجل تحقيق ثراء غير مشروع، فعليه أن يتفطن لذلك”.
ولفت كريم شنيبة إلى أن “صاحب القدرة والاستطاعة المادية يمكن أن يشتري أضحية، أما الفرد المتداين، إذا ما شعر أن سعر الأضحية سينقص من نفقاته الضرورية، وغير قادر على شراء الأضحية، فلا يضحي”، مشيرا إلى أن “المقاطعة يجب أن يتم توجيهها ضد المضاربين والمحتكرين، أما أن تتحول إلى مهاجمة الشعيرة الدينية فهذا غير مقبول”.
وحتى لا تتحول دعوات المقاطعة إلى مهاجمة الشعيرة الدينية المألوفة، تتصاعد دعوات منظمات تدافع عن القدرة الاستهلاكية للمواطن، مطالبة الدولة بالتدخل وتحديد سعر معين للحوم الحمراء قبل عيد الأضحى، في خطوة للتخفيف من وطأة غلاء الأسعار.
وأفاد لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك بأن “الأضحية مرتبطة بالاستطاعة، وعلى الدولة أن تعمل على تحديد سعر معين للحوم الحمراء قبل عيد الأضحى”.
وأضاف لـ”العرب”، “شركة اللحوم تبيع الكيلوغرام الواحد بمبلغ 35 دينارا، بينما يصل إلى المواطن في حدود 50 و60 دينارا”، داعيا إلى “ضرورة تدخل الدولة وتسعيره في حدود 19 دينارا وتمحي الشطط، حتى تتمكن الفئات الضعيفة من شراء الأضاحي”.
وأيد لطفي الرياحي تصريحات دار الإفتاء التونسية، قائلا “إذا لم تتوفر الاستطاعة يسقط التكليف، ولا بد من تبسيط مفهوم الاستطاعة لدى المواطنين”، مشيرا إلى أن “الأضاحي متوفرة في الأسواق وتبلغ أكثر من مليون خروف، علما وأنه تم استهلاك ما بين 800 و900 ألف أضحية العام الماضي”.
ووفق أرقام غرفة القصابين في تونس، فإن حوالي 65 في المئة من العائلات التونسية لم تتمكن من شراء الأضحية السنة الماضية، نظرا لغلاء الأسعار.
وفي وقت سابق، أفاد رئيس الغرفة الوطنية للقصابين أحمد العميري بأنّ “هناك نقصا في كميات الأضاحي وغلاء مشطا في الأسعار”.
وأشار في تصريح لوسائل إعلام محلية إلى أن سعر الكلغ الواحد من اللحم الحيّ قد يصل إلى 20 دينارا، بعد أن كان السعر المرجعي السنة الماضية 18 دينارا للكلغ الواحد.
وقال إن سعر الخرفان الصغيرة يتراوح بين 1100 و1300 دينار، مشيرا إلى أن أسعار أضاحي العيد لسنة 2024 لن تقلّ عن 1500 دينار في تونس، وشدّد على أن سعر الأضحية الممتازة وصلت إلى حد 3000 دينار خلال سنة 2023.
وتحدث مدير وحدة الإنتاج الحيواني في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري منور الصغير، خلال حلقة نقاش بعنوان “الحلول الممكنة للصعوبات التي تواجه قطاع اللحوم”، عن “الصعوبات الكبيرة” التي تعيشها منظومة اللحوم الحمراء.
وأكد أن “ارتفاع كلفة الإنتاج دفع عددا كبيرا من المربّين إلى إيقاف النشاط كليّا، وعددا آخر إلى الاستغناء عن جزء هام من قطيعهم”، مشيرا إلى “تراجع حاد على مستوى القطيع ما أثّر مباشرة على إنتاج اللحوم الحمراء”.