مع اختفاء العقوبات.. هل أصبح الإعلام المصري بلا أخطاء

الهيئات المنظمة للمشهد الإعلامي اعتادت المحاسبة عند اشتداد الغضب الشعبي.
الثلاثاء 2022/01/18
درس مستفاد

بدت علاقة المجالس المسؤولة عن تنظيم المشهد الإعلامي في مصر بوسائل الإعلام المختلفة عصية على الفهم، حيث تراجعت كل أشكال العقوبات التي كان يتم تطبيقها في الماضي القريب، من وقف برامج لمنع مذيعين من الظهور، إلى توجيه تحذيرات حادة بأن تكرار المخالفة قد يعرض صاحبها للشطب.

القاهرة- أثار الصمت غير المعهود لمجالس تنظيم الإعلام المختلفة حيرة العديد من خبراء الإعلام والعاملين في المهنة، فلم يعد هناك دور ظاهر لهذه المجالس، المعنية بالصحف أو التلفزيون أو حتى المشرفة على المشهد برمته، كأنه لم تعد هناك مخالفات ترتكبها أي وسيلة، مع أن الأوضاع لم تتغير في الاتجاه الإيجابي بهذا القدر.

كما أن مجالس تنظيم الإعلام لم تعد تصدر عنها قرارات أو توصيات أو تعلق على تجاوزات، واختفى مسؤولوها بشكل شبه كامل، مع أنهم كانوا يداومون على الظهور للحديث عما يمكن اعتباره حصادا أسبوعيا أو شهريا، لوسائل الإعلام المختلفة، هذه أخطأت، وتلك أنجزت، وهكذا.

ولا تزال أغلب وسائل الإعلام تمارس دورها بنفس الوتيرة دون زيادة أو نقصان، ويقع بعضها في مخالفات مهنية يمكن رصدها من دون توجيه اللوم لها أو تحذيرها قولا أو فعلا، ما أوحى لكثيرين بأن مجالس تنظيم الإعلام رفعت يدها بشكل نسبي عن الصحف والقنوات، وكأنها رفعت لها الحرية لتفعل ما تشاء.

مسعد صالح: الأمر بحاجة لتغيير بعض الوجوه وتفعيل عملية تدريب العاملين بالمهنة

وقد يكون صمت الهيئات المعنية بإدارة وتنظيم المشهد الإعلامي مقبولا وربما موجها من دوائر داخل الحكومة تمتلك النسبة الأكبر من الصحف والقنوات، لأن أي عقوبات يتم توقيعها على برنامج أو صحيفة، هو في النهاية موجه للجهة المالكة (شبه الرسمية)، ويسيء لها وقد يضعها في موقف بالغ الحرج أمام السلطة السياسية.

ويمكن أن يقود الغياب المريب للهيئات الإعلامية عن القيام بأي دور معلن أو حتى خفي إلى عودة الفوضى بشكل تصعب السيطرة عليها، خاصة وأن التدخلات السابقة بتوقيع عقوبات والتلويج بمساءلة المخالفين أحدثت نوعا من الردع للصحف والقنوات، بأن تلتزم بالمعايير المهنية المتعارف عليها وإلا ستنال الجزاء الرادع.

وقال صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة إن المشهد الإعلامي لم يتغير إلى الأفضل بصورة غير مسبوقة حتى لا يكون هناك ظهور قوي كالمعتاد لمسؤولي الهيئات الإعلامية، ويبدو أنهم فقدوا الأمل في ضبط المشهد أو أن العقوبات التي كان يتم توقيعها لم تؤت ثمارها وتسببت بشكل أو بآخر في تأليب الناس على الإعلام والتشفي فيه، وهذا غير مطلوب في بعض الأحيان.

وأضاف لـ”العرب” أنه يصعب إنكار وجود حالة من الهدوء، وربما الاستسلام لدى بعض الجهات المعنية بإدارة المشهد، لكن في الحقيقة أن الشارع أصبح غير مكترث بما يقوله الإعلام، سواء أخطأ أو أصاب، لأن الهيئات التنظيمية للمشهد الإعلامي اعتادت أن تتحرك لتحاسب بعد وجود حالة غضب من الناس لأي واقعة.

وتنطوي هذه الرؤية على قدر من الواقعية، فغالبا ما تتحرك الهيئات التنظيمية المعنية بإدارة المشهد بعد حالة من الغليان الشعبي ضد واقعة بعينها يرتكبها مذيع أو خطأ تقع فيه صحيفة أو موقع إلكتروني ليتحرك بعدها مجلس تنظيم الإعلام أو الهيئة الوطنية للصحافة لتدرس الموقف وتحقق مع المسؤول وتوقع العقوبة المناسبة.

وصار الجمهور أكثر محاسبة للإعلام من الهيئات التنظيمية، فهو الرقيب الحقيقي على الرسالة الإعلامية، وأصبح يمكنه أن يكتشف الخطأ المهني الذي وقع، فيبدأ في صناعة قضية رأي عام بسببه عبر منصات التواصل الاجتماعي، لتشرع الجهات المعنية بإدارة المنظومة في التحرك لتحقق وتوقع الجزاء في حال التأكد من الخطأ.

صفوت العالم: الشارع أصبح غير مكترث بما يقوله الإعلام، سواء أخطأ أو أصاب

ولا يستبعد خبراء أن يكون صمت الهيئات الإعلامية اضطراريا، بمعنى أنهم مدفوعون إلى ذلك بعدما وجدوا أن مراكز القوى داخل المنظومة أقوى تأثيرا ونفوذا منهم، فلم تعد عقوباتهم قابلة للتطبيق أو تحذيراتهم مقبولة لدى هذه الشريحة من الإعلاميين لقربهم الواضح من دوائر قوية داخل الحكومة أو لأنهم أصحاب أنياب.

ويبرهن البعض على أن هناك صمتا غير مبرر أو يمكن فهم أسبابه من الهيئات الإعلامية أن الكثير من المنابر وقعت في أخطاء مهنية مخالفة لميثاق الشرف والأكواد الإعلامية التي سبق ووضعتها هذه المجالس دون أن تعلق على ذلك أو تحذر من مخالفتها أو تبدي موقفا أو تصدر بيانا تطالب فيه بالالتزام بما سبق أن وضعته من معايير حاسمة.

ووقعت بعض حوادث الانتحار مؤخرا ويفترض أن تتناولها وسائل الإعلام بطريقة مهنية لا تشجع على هذا السلوك غير الإنساني، ودون الخوض في الأعراض، أو قيام المنبر الإعلامي بدور القاضي في التقصي والتحقيق وتتبع أقوال الشهود، ويفترض أن مخالفة ذلك تكون لها عقوبات، لكن لم تخرج أي جهة إعلامية رسمية تندد بذلك.

وتحولت بعض وسائل الإعلام مؤخرا إلى أشبه بمنصات قضائية لمحاكمة طبيب لا يزال متهما في قضية وفاة الإعلامي وائل الإبراشي بأنه أعطاه أدوية مخالفة للبروتوكول الخاص بفايروس كورونا، ورغم مناشدة النيابة العامة معالجة القضية بهدوء وحذر وترك جهات التحقيق تتولى مجربات الأمر إلا أن ذلك لم يحدث.

واتهمت نقابة الأطباء وسائل إعلام مصرية بتشويه صورة المهنة في نظر الداخل والخارج بتوجيه اتهامات مباشرة لأعضائها بلا دليل، وهذا مخالف للمعايير التي سبق ووضعها مجلس تنظيم الإعلام قبل عامين، لكنه لم يخرج عن صمته أو طالب بالكف عن تناول الواقعة بعيدا عن جهات التحقيق، خاصة وأنها تحولت إلى قضية رأي عام، وصارت المنابر تتسابق لمناقشتها، كل بطريقته الخاصة.

الغياب المريب للهيئات الإعلامية عن القيام بأي دور معلن أو حتى خفي يمكن أن يقود إلى عودة الفوضى بشكل تصعب السيطرة عليها

وأكد مسعد صالح أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة لـ”العرب” أن ضبط المنظومة الإعلامية لن يتحقق بالعقوبات فقط، فالأمر بحاجة لتغيير بعض الوجوه وتفعيل عملية تدريب العاملين بالمهنة ووضع استراتيجية شاملة تحدد المطلوب من الإعلام، بمعنى ويكون هناك شكل وهوية وخطة، فغياب العقوبات لا علاقة له بحرية الرأي والتعبير.

وثمة وقائع كثيرة  تبرهن على استمرار تراجع المهنية في تناول موضوعات حيوية وشائكة، لكن لا يتم التدخل لتقويمها من جانب الجهات المعنية بمراقبة أداء وسائل الإعلام في مصر، كأن هناك حالة من الاستسلام وأن التغيير لن يحدث إلا بإرادة حكومية، لأن الوجوه الموجودة لن تفلح معها العقوبات مهما بلغت قسوتها، فمنها من عوقب من قبل وعاد وكرر نفس الخطأ من دون أن يرتدع أو يتراجع عن النهج الذي يتبعه.

16