معركة لي ذراع بين الحكومة التونسية ومحتجين جنوب البلاد

تونس – لا تزال أزمة اعتصام الكامور في ولاية (محافظة) تطاوين جنوبي تونس تُراوح مكانها رغم التفاؤل الذي أبدته السلطات أمس الخميس حيث تبقى السجالات قائمة بين رئيس الحكومة هشام المشيشي والمحتجين هناك والذين يوقفون منذ أشهر إنتاج النفط بالمحافظة.
وبالرغم من أن مستشار الملفات الاجتماعية لرئيس الحكومة سليم التيساوي قد أكد، الخميس أن أزمة الكامور في طريقها إلى الحل في غضون 24 أو 48 ساعة غير أن هذا التفاؤل لا يتواءم مع ما يروجه المحتجون جنوب البلاد.
وأكّدت تنسيقية اعتصام الكامور في محافظة تطاوين في وقت سابق أنها لا تخشى تهديد رئيس الحكومة هشام المشيشي، باستعمال القوة لفض الاعتصام من أجل استئناف الإنتاج المتوقف منذ يوليو الماضي.
ونشر الناطق الرسمي لتنسيقية اعتصام الكامور، طارق الحداد، مقطع فيديو على حسابه في “فيسبوك”، قال فيه، إنّ “شباب ولاية تطاوين دعاة حوار وطلاب حق، وإنهم تعودوا على استعمال القوة ضدهم، ولن تثنيهم تهديدات المشيشي عن مواصلة احتجاجاتهم للمطالبة بحق المنطقة”.
واعتبر الحداد أن الحكومة التونسية لا تبحث عن السلم الاجتماعي بعد أن قررت وقف صرف أجور عمال شركتي “البيئة” و”الجنوب” ثم مضت إلى التهديد باستعمال القوة، وفق قوله.
وتأتي تصريحات الناطق الرسمي لتنسيقية اعتصام الكامور، طارق الحداد، ردا على تصريح رئيس الحكومة الذي أدلى به خلال ندوة صحافية انعقدت الثلاثاء بأن “الحكومة لن تقبل بوقف الإنتاج، وقد تستعمل قوة الدولة”.
وكان المشيشي قد أكد في تصريحات سابقة، أن إغلاق توزيع المحروقات من محطة الكامور التابعة لمحافظة تطاوين، يكلف تونس خسارة تقدر بـ800 مليون دينار (حوالي 280 مليون دولار).
واندلعت أزمة “الكامور” في تطاوين في الفترة بين 23 أبريل و16 يونيو 2017، احتجاجًا على الوضع التنموي المتردي هناك. ووقّعت الحكومة السابقة آنذاك برئاسة يوسف الشاهد اتفاقًا مع المحتجين يقضي بتسوية مطالبهم.
ويرى مراقبون أن حكومة المشيشي أمام خيارين كلاهما مر؛ فإما الذهاب نحو التفاوض مع المحتجين للبحث عن صيغ لتقارب وجهات النظر والمواقف، أو اللجوء إلى الحل الأمني واستخدام قوة الدولة لفرض القانون وتطبيقه على المخالفين بعد توقف الإنتاج لأشهر، الأمر الذي كانت له تداعيات على الاقتصاد الوطني.
وأفاد المحلل السياسي فريد العليبي في تصريح لـ”العرب”، أن “الحكومة في وضع حرج على الصعيد الاقتصادي وهي تجد صعوبة في تمويل الميزانية التكميلية بعد اصطدامها برفض البنك المركزي تغطيتها وهي تعلم أن تعطيل تدفق المحروقات في الجنوب إذا ما استمر سيزيد الطين بلة”.
وأضاف العليبي بأن “الحكومة تحاول بطريقتين حل المشكل، أولا بالتفاوض وقد جربته ولكنه لم يأت بنتيجة ملموسة، والطريقة الثانية بما تسميه إنفاذ القانون، أي كسر إغلاق حقول النفط بالقوة وهو ما أثار رد فعل في تطاوين بمطالبة الحكومة الإيفاء بتعهداتها وإلا فإن الوضع سيظلّ على حاله، ومن هنا فإن المواجهة تكاد تكون محتومة”.
ويعتبر متابعون أن تنفيذ الحكومة لتهديداتها تجاه معتصمي الكامور رهين تضافر جهود مختلف مؤسسات الدولة بعد أن فشلت في معالجة الوضع بشيء من الرصانة والهدوء، في منطقة حدودية لها خصوصية ويعاني شبابها من التهميش والبطالة بنسبة مرتفعة.
وقال الجامعي والباحث في العلوم السياسية، محمد الصحبي الخلفاوي، “إذا تمت الوحدة بين مختلف القوى السياسية المتمثلة في السلطة من رئيس جمهورية ورئيس حكومة والأحزاب والأمن، واتفقت على التدخل بالقوة مع تقديم ضمانات للمؤسسة الأمنية بعدم تركها لوحدها في المواجهة مع المحتجين، فسيعود الإنتاج بالقوة”.
وأضاف الخلفاوي في تصريح لـ”العرب” أن “ما نعيشه اليوم هو نتاج لـ10 سنوات سابقة، ونحن نتحدث عن منطقة (تطاوين) التي لم تحتج على السلطة المركزية سابقا، وهي منطقة مهمشة والاحتجاج أصبح أمرا ضروريا، فضلا عن أن الدولة تتبنى اتفاقات غير قادرة على تنفيذها”.
وتابع “هناك ملامح لضعف الدولة أفضى إلى وجود احتجاجات ورفع سقف المطالب، وإذا تم الرضوخ لمطالب الكامور ستصبح هناك عدوى للمناطق المجاورة على غرار، قرقنة وقفصة وقابس، وإذا لم تحل هذه الأزمة بكيفية تحفظ مطالب الناس وتحفظ ماء الوجه بالنسبة للدولة يصبح اللاحل أفضل من الحل”.
وسبق أن لجأت الحكومة التونسية للمعالجة الأمنية لإنهاء اعتصام ينفذه شباب بمنطقة “الكامور” الغنية بالنفط، أواخر شهر يونيو الماضي، وذلك للضغط على السلطات لتفعيل اتفاق معهم كان قد تم قبل ثلاث سنوات، ما فاقم حالة الغضب والاحتقان في المنطقة.
وينص اتفاق الكامور، الذي يطالب المحتجون بتنفيذه، على رصد 80 مليون دينار (27 مليون دولار) للاستثمار، وتقليص البطالة، من خلال انتداب 1500 عاطل في الشركات البترولية و500 شخص في شركة البيئة والغراسات والبستنة. ووفق أرقام رسمية، تساهم حقول تطاوين بـ40 في المئة من إنتاج تونس من النفط، وبـ20 في المئة من إنتاج الغاز.