معدلات الطلاق المبكر في مصر تثير صدمة أسرية

برامج تأهيل المقبلين على الزواج لم تحقق الغرض.
السبت 2024/08/17
برامج التأهيل تبقى منقوصة

يجمع الخبراء ومستشارو العلاقات الأسرية في مصر على أن شريحة معتبرة من الأجيال الجديدة تخوض تجربة الزواج دون أي خبرة، ما يعجل بالطلاق وهدم كيان الأسرة. وكشفت تقارير مصرية عن ارتفاع نسب الطلاق المبكر، ما يوحي بأن العائلات الموسعة لم تعد تُمسك بزمام الأمور المرتبطة بالعلاقات الزوجية للأبناء، على عكس ما كان يقع في الماضي القريب حيث كانت تتدخل لمنع وقوع الطلاق وتضغط لاستمرار العلاقة.

القاهرة - أثارت الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي في مصر حول معدلات الطلاق في سن مبكرة صدمة مجتمعية، بعد أن كشفت عن استحواذ الفتيات المتزوجات حديثا على نسبة 37 في المئة من شهادات الطلاق في عام واحد.

وحسب الإحصائية الصادرة عن الحكومة مؤخرا بشأن معدلات الطلاق بين الشباب مقارنة بالعام الماضي، فإن شهادات الطلاق التي صدرت للذكور في الفئة العمرية المتراوحة بين 18 و29 سنة بلغت 17.6 في المئة، مقابل 37 في المئة للإناث ضمن الفئة العمرية نفسها.

ولم تقدم الحكومة تفسيرا واضحا لتلك المعدلات، لكن الأرقام عكست عمق الأزمة المرتبطة بالطلاق المبكر، واستسهال المتزوجين حديثا هدم العلاقات الأسرية، رغم البرامج الحكومية المتعددة لتأهيل المقبلين على الزواج وتوعيتهم بمخاطر الطلاق.

وكانت تلك النسب منخفضة بشكل ملحوظ عن الأعوام السابقة، حيث ارتفعت خلال أربع سنوات نحو 6 في المئة بين الذكور و10 في المئة بين الإناث، عن الإحصائيات التي صدرت عام 2020، بما يعني أن الأزمة تزداد تعقيدا بين المتزوجين حديثا.

ويوحي الطلاق السريع ضمن الفئة العمرية من 18 إلى 29 سنة بأن العائلات نفسها لم تعد تُمسك بزمام الأمور المرتبطة بالعلاقات الزوجية للأبناء، على عكس ما كان يقع في الماضي القريب حيث كان أرباب الأسر يتدخلون لمنع وقوع الطلاق ويضغطون لاستمرار العلاقة.

وتحدثت تقارير رسمية في مصر كثيرا عن صعوبة السنوات الأولى من الحياة الزوجية على الشريكين، وكيف أنها تمثل اختبارا حقيقيا للتفاهم والتشارك بين الطرفين، لكن يبدو أن الكثير من الشباب والفتيات يدخلون علاقات زوجية دون وعي.

محمد هاني: الطلاق المبكر انعكاس طبيعي لغياب الوعي بمتطلبات الحياة الزوجية
محمد هاني: الطلاق المبكر انعكاس طبيعي لغياب الوعي بمتطلبات الحياة الزوجية

ويفترض أن الحكومة المصرية تحركت قبل ثلاث سنوات للحد من الطلاق المبكر عبر برامج تأهيلية تستهدف الشباب والفتيات، لعدم دخولهم في علاقات رسمية قد تنتهي سريعا، ما يوحي بأن تلك البرامج لم تؤت ثمارها ولم تحقق الغرض المطلوب.

وتشير الأرقام الصادرة عن جهاز الإحصاء إلى أن الطلاق المبكر لم يعد مجرد وقائع فردية، بقدر ما أصبح ظاهرة تستدعي الوقوف أمامها لتحديد الأسباب وسبل العلاج، لأن العائلات نفسها يبدو أنها غير قادرة على وقف التفكك بين الأزواج الجدد.

وسبق أن وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نداء إلى الشباب والفتيات وأرباب الأسر بعدم خوض تجربة الزواج قبل الاستعداد الكامل لها نفسيا واقتصاديا وذهنيا، قبل أن يشعر أي طرف بأنه تورط في علاقة ويبحث عن هدمها في أسرع وقت.

وتستسهل الكثير من الأسر تزويج أبنائها في سن مبكرة، وربما قبل استكمال المراحل التعليمية من دون أن يكون لديهم الحد الأدنى من الوعي والفهم لمتطلبات الحياة الزوجية، والمسؤوليات الجسام التي ستقع عليهم مع بدء تكوين أسرة صغيرة.

ويتفق متخصصون في العلاقات الزوجية على أن المرحلة الأولى من الزواج تظل المحطة الأصعب بين الشريكين، وهناك تصرفات قد تكون صادمة لأحد الشريكين من الطرف الآخر، وما إن يفشل كلاهما في تجاوزها والتأقلم معها حتى يحدث الطلاق سريعا.

وكثيرا ما روجت دوائر حكومية أن الطلاق المبكر ينتج عن زواج مبكر، في محاولة لترهيب الأسر من التحايل على القانون وتزويج أولادها في سن صغيرة، لكن الإحصائيات الأخيرة كشفت عن شمول الطلاق فئات في مراحل شبابية أخرى.

وتشير تلك الوقائع إلى أن افتقاد الخبرة الحياتية التي تحصن العلاقات الزوجية بين الشباب والفتيات يظل السبب الأول في ارتفاع معدلات الطلاق، لأن هذه الفئة من الأزواج لم تعد لديها الحكمة والعقلانية لإدارة خلافاتها من أجل استمرارية العلاقة.

وتجهل غالبية العائلات الأسس التي يمكن من خلالها تأهيل أبنائها لتحمل المسؤوليات التي يصطدمون بها في الفترة الأولى من الزواج، ولا يُمانعون في الإنجاب السريع، مع أن الحكمة تقتضي التريث إلى حين التوافق الفكري والنفسي بين الشريكين.

صحيح أن الإنجاب المبكر قد يساعد الشاب والفتاة حديثي الزواج على التقرب من بعضهما البعض، طالما أن بينهما قاسما مشتركا، لكن أمام الظروف الاقتصادية الصعبة تزداد الضغوط على الطرفين وتتضاعف المسؤوليات ويصبح كيان الأسرة في خطر.

ويرى متابعون للظاهرة أن الطلاق المبكر بمعدلات مرتفعة قد يتسبب في صدمة نفسية لمن لم يُقدموا على الزواج بعد، طالما أن الحياة الزوجية صارت معقدة وليس فيها إيجابيات ومن السهل أن تنهار، ما يوسع قاعدة المتمردين على الزواج.

ويخشى هؤلاء أن يقود ارتفاع معدلات الطلاق خلال السنوات الأولى إلى تكريس شعور الأجيال الصاعدة بأن مؤسسة الزواج أصبحت مرهقة، والابتعاد عنها يحمل متعة خاصة، انطلاقا من الإحساس بعدم القدرة على تأسيس أسرة مستقرة وسعيدة.

وتتحمل العائلات المسؤولية الأكبر عن انهيار العلاقات الزوجية للأبناء في البدايات، لأنه من النادر قيام الأبوين بتثقيف الشاب أو الفتاة بأبجديات العلاقة وكيفية مواجهة الصعوبات وتحمل المسؤوليات، وكل طرف يدخل الزواج دون وعي بمبادئه.

◙ الطلاق السريع ضمن الفئة العمرية من 18 إلى 29 سنة يوحي بأن العائلات الموسعة،نفسها، لم تعد تُمسك بزمام الأمور

وهناك جزء آخر تتحمله الحكومة لكونها جعلت الدورات التأهيلية للمقبلين على الزواج اختيارية دون أن تُلزم كل الشبان والفتيات بالحصول عليها كشرط أساسي لعقد القران، كما تفعل مع الفحوصات الطبية التي تُجريها لمن يرغب في الزواج.

وثمة معضلة أخرى ترتبط بتدخل بعض الأسر في اختيار الشريك، خاصة إذا كان من الأقارب، حيث يتم إكراه الابن أو الابنة على الزواج من شخص بعينه، ليحدث الطلاق السريع، وهي إشكالية حاولت المؤسسة الدينية علاجها بالتحريم، لكن بلا جدوى.

وقال محمد هاني، استشاري العلاقات الأسرية وتقويم السلوك في القاهرة، إن "الطلاق المبكر انعكاس طبيعي لغياب وعي الشبان والفتيات عن الحد الأدنى من متطلبات الحياة الزوجية، والكثير منهم يبني أسرة اعتقادا بأن الزواج مجرد رفاهية لا أكثر".

وأضاف لـ”العرب” أن “النسبة الأكبر من حالات الطلاق بعد الزواج مباشرة يكون سببها الإخفاق في إدارة العلاقة وتحمل المسؤوليات والشعور بالورطة، وهذا دور أساسي للأسرة بأن تربي أولادها مبكرا على الإحساس بالمسؤولية وقدسية الحياة الزوجية”.

ويصعب فصل الطلاق المبكر عن الضغوط النفسية المتصاعدة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة، وما ترتب عليه ذلك من صدمات للشبان والفتيات في بدايات الزواج، ما يجعل أحد الشريكين أو كليهما يشعر بالتورط في حياة يجب الخلاص منها.

وبغض النظر عن خبايا الأزمة، هناك شبه اتفاق بين المتخصصين على أن شريحة معتبرة من الأجيال الجديدة تخوض تجربة الزواج دون أي خبرة، إلا لغرض إشباع غريزة أو عاطفة أو تنفيذا لتقليد أسري، وبمجرد أن يتحقق المراد يحدث الطلاق.

15