مطالب متجددة بوضع حد لمخاطر الأخطبوط الجمعياتي في تونس

شبهة التلاعب بمساعدات لجمعية "قطر الخيرية" تلاحق مسؤولا في الرئاسة.
الجمعة 2021/12/10
من يوقف نشاط الجمعيات المشبوهة؟

لا يزال ملف الجمعيات يثير جدلا سياسيا وشعبيا واسعا في تونس، وسط تساؤلات حول مصادر تمويل تلك الجمعيات وارتباطها الوثيق بنشاط الأحزاب السياسية، فضلا عن احتمال ارتباط نشاطها بأجندات أجنبية أو علاقاتها المُحتملة بالجماعات والمنظمات الإرهابية.

تونس - لا تتوقف دعوات التونسيين إلى تفكيك الأخطبوط الجمعياتي والسياسي الذي كوّنته منظومة ما بعد 2011 التي قادها حزب حركة النهضة، على غرار الجمعيات الخيرية التي تهدف إلى تحقيق مآرب سياسية، حيث طالبت أطراف سياسية الحكومة بوضع حد لمخاطر ذلك الأخطبوط الرامي إلى بناء نمط مجتمعي يتعارض مع مقومات الدولة المدنية عبر التمويلات الخارجية المشبوهة.

وأصدرت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية تونس 2، بطاقات إيداع بالسجن في حق عدّة أشخاص، في مقدمتهم مسؤول سابق في رئاسة الجمهورية وشخصان آخران.

وقررت النيابة إحالة هؤلاء على أنظار المجلس الجناحي لمحاكمتهم بخصوص ملف شبهة التلاعب بمساعدات قدمتها جمعية “قطر الخيرية”.

يذكر أنّ هؤلاء المشتبه بهم تلاعبوا بتوزيع مساعدات مالية وعينية قدمتها جمعية “قطر الخيرية” سنة 2019، بجهتَيْ الملاسين وحي الزهور.

وعيّنت المحكمة في الثلاثين من ديسمبر الجاري جلسة للمحاكمة أمام المجلس الجناحي للمحكمة الابتدائية تونس 2.

ويبلغ عدد الجمعيات الناشطة في تونس 23676 جمعية، حسب إحصائيات نشرها مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات التابع لرئاسة الحكومة على موقعه الإلكتروني، فيما بلغ عدد الجمعيات الأجنبية الناشطة في تونس 200 جمعية، منها 155 جمعية مقرها في ولاية (محافظة) تونس و14 جمعية في ولاية أريانة، فيما تتوزع بقية الجمعيات الأجنبية على ولايات أخرى.

المنذر ثابت: لا بدّ من تصنيف الجمعيات وتحديد مصادر تمويلها

وترى أوساط سياسية أن خطر الجمعيات ذات الصبغة السياسية يكمن في الخطاب الدعوي الذي تبثه والتمويل السياسي الفاسد، فضلا عن كونها تتعارض مع أسس الدولة المدنية ومقومات المجتمع التونسي.

وأفاد ناجي جلول رئيس الائتلاف الوطني التونسي بأن “أغلب الجمعيات هي مجرد واجهات للأحزاب السياسية، وكنت قد طالبت شخصيا منذ 2012 بغلق مقر جمعية قطر الخيرية لأنها متورطة في شبهات فساد مالي”، لافتا “هي جمعيات غيرت نمط المجتمع التونسي”.

وقال، لـ”العرب”، “لا تخفى على أحد مصادر التمويل الأجنبي للأحزاب، وهذه الجمعيات كانت تمول نشاط الإرهاب في وقت ما، ولذلك لا بدّ من منع التمويل الخارجي للجمعيات عبرّ سنّ قوانين وتشريعات جديدة”.

واقترح ناجي جلول أن “تمر التمويلات عبر المؤسسات الوطنية للدولة التونسية أو عبر الجمعيات المعروفة على غرار جمعية الهلال الأحمر التونسي”.

وتنشط هذه الجمعيات تحت يافطة العمل الخيري، وتعمل على اختراق النسيج الاجتماعي وتقديم نفسها سندا للمواطنين، وتعتبر أداة من أدوات أخونة المجتمع وغطاء لكل التحويلات المالية المشبوهة.

وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأن “النسيج الجمعياتي ورقة ضغط مدعومة وممولة من مؤسسات غربية”.

وأضاف، لـ”العرب”، “هناك جمعيات تمثل المجتمع المدني وتقدم نشاطا واضحا، وهناك صنف ثان يمثل واجهة لتمويل الأحزاب أو أطراف وشخصيات سياسية، والأحزاب تحتاج إلى غطاء الجمعية التي يمكن أن توفر معطيات عن أدق ما يجري في تونس”.

وتابع ثابت “يجب على السلطات أن تصنّف الجمعيات ثم تحدد مصادر تمويلها، لأنها تمثل منفذا مثاليا بالنسبة إلى نشاط الجوسسة، والمطروح الآن هو أن نتمكن من معرفة مجالات وأصناف الجمعيات ثم نضع إطارا تشريعيا واضحا”.

وأشار المحلل السياسي إلى أنه “في العشرية الأخيرة اقترن تواجد الجمعيات بالحركات الإسلامية، وأساسا بحزب حركة النهضة، كما تبيّن أن هناك جمعيات تشتغل من أجل تنفيذ أجندات أجنبية حتى قبل سنة 2011”.

 وبالموازاة مع ذلك أعلن الحزب الدستوري الحر الأربعاء أنه “راسل رئيسة الحكومة لتذكيرها بضرورة النظر في الملفات المعروضة عليها وتجديد مطالبتها بوضعها على طاولة اجتماع مجلس الوزراء القادم وموافاة الحزب بجوابها على ما تضمنت”.

وأكد الحزب في بلاغ صادر عنه نشره في صفحته على موقع فيسبوك أن مراسلته تأتي “نظرا لتجاهل رئيسة الحكومة المراسلات الموجهة إليها بتاريخ السابع والعشرين من أكتوبر الماضي، لمطالبتها باتخاذ التدابير اللازمة لتطبيق القانون ووضع حد لمخاطر الأخطبوط الجمعياتي الإخواني الذي تغلغل في كامل ربوع البلاد باستعمال المال الأجنبي لخدمة تنظيم الإخوان فرع تونس انتخابيا ولدمغجة المجتمع”.

وأشار إلى أن تنظيم ما يسمى “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوجد على رأس هذه الشبكة المدمرة والذي تمدد مؤخرا في مقره الكائن بالعاصمة ليشمل تنظيمات أخرى مماثلة في إطار مخطط توسع الإسلام السياسي بمختلف مذاهبه، فضلا عن ضرورة التصدي للتداخل بين العمل الجمعياتي والسياسي وردع التحيل على المواطنين الرامي إلى إعادة إنتاج تجربة الأحزاب التي تكونت من رحم الجمعيات الممولة من الخارج”.

وسبق أن عبّر المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة عن استغرابه من شروع “اتحاد علماء المسلمين” في التسجيل لمجموعة من الدورات التدريبية، في وقت كانت فيه الدعوات تطالب بغلق مقر هذه المنظمة.

وأثار تقرير محكمة المحاسبات حول نتائج تمويل الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019 ومراقبة مالية الأحزاب جدلا واسعا، حيث أشار إلى محدودية آليات الرقابة على الحملات الانتخابية، مقرا بوجود آليات جديدة للدعاية والتمويل المقنّع من قبل الجمعيات التي يسمح لها القانون بتلقي هبات وتبرعات وتمويلات أجنبية معلومة المصدر، في حين يمنع القانون حصول الأحزاب على تمويلات أجنبية.

وشهد تأسيس الجمعيات في تونس طفرة منذ ثورة 2011، عقب إلغاء نظام الترخيص والاعتماد على نظام الإعلام لدى مصالح رئاسة الحكومة وفقا للمرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات والذي يضمن فصله الأول حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها.

4