مصطفى ربيع يهب البقاء ترانيم تشكيلية

قدّمت صالة “زمالك آرت غاليري” المصرية مؤخرا معرضا لآخر أعمال الفنان التشكيلي المصري مصطفى ربيع تحت عنوان “ترانيم البقاء”. عنوان يشبه الفنان صاحب الابتسامة الدائمة ويشبه منطق عالمه الفني الناجي بأعجوبة مّا من القلق العام الذي يطال العالم.
“ترانيم البقاء” هو عنوان المعرض الجديد للفنان المصري مصطفى ربيع الذي قدّمه في صالة “زمالك آرت” المصرية، وهو عنوان يختصر مفهوم الفنان للحياة ليس على أنها “فرحة قائمة قيامتها”، إذا صحّ التعبير، بل على أنها في أمسّ الحاجة إلى ترانيم تأخذ النظر إلى كل ما هو أقل وطأة. فالحب سعيد، والوحدة دافئة، والوجود مع الآخرين مُفرح، أما الانهماك بالمشاغل مهما كانت واقعية أو خيالية مدعاة للسرور وإن كان فيها جهد ما. الفنان يقدّم لجمهوره ترانيم تشكيلية حتى يكون طرفا في جعلها صالحة للعيش.
وكما هو معروف البقاء مرتبط بخاصية الاستمرار بالحدود الدنيا، أما العيش فهو فن لا يتقن الجميع أصوله أو على الأقل لا تسمح لهم الظروف بأن يختبروه وينظروا إليه على أنه، التفاتة مصيرية تنقذ من العدمية التي تزحزح بنيان الإنسانية ما بعد الثورة الافتراضية.
مونولوغ خاص

أسماك مصطفى ربيع كلمات وإفصاح عن حالات نفسية تابعة لشخوصه ومرتبطة ارتباطا وثيقا برضا العيش المرجوّ
الفنان مصطفى ربيع يبدو رغم صغر سنه قد حسم علاقته مع العديد من الأزمات الوجودية عبر ترانيم أطلقها على قماش لوحاته ليس فقط في هذا المعرض، بل في معارضه السابقة حيث لعبت الموسيقى وفعل العزف دورين أساسيين. من ناحية تجلت الموسيقى في لوحاته السابقة كما الجديدة عبر “ميوعة” شخوصه خفيفة الظل والملونة كالسكاكر بألوانها المشرقة في معارضه السابقة، والعابقة بحلاوة معتدلة المذاق كطعم الفاكهة المجفّفة في معرضه الأخير، إذ خفّت وتيرة الألوان المُشرقة لتحلّ مكانها ألوان تميل إلى الترابية، وألوان البحار الداكنة. ولكنها بقيت جميعها، أي الشخوص، سابقا وحاليا مُتنعّمة بمذاق الفرح الأرضي وغير معنية بالسعادة الأبدية.
شخوص ربيع متصالحة مع ذاتها تنفر من الزوايا ومن الأشكال الهندسية النهائية. وتملك في أكثريتها الساحقة نظرات لا هي حزن ولا فرح بل قناعة و“حسن جوار” مع أي كارثة في حال حدوثها.
ويعود ذلك ربما إلى أنها شخوص من نسيج خيال فنان مسكون بالتفاؤل اعتمد على مشاهداته المباشرة ليصنع ويتبنى أسلوبه الخاص غير المعني بأصول الرسم قدر اهتمامه بالتعبير والغوص في العوالم التي ابتكرها، لعلها تفتح له آفاقا جديدة هي أيضا وحتما من منطق الحلم والخيال البعيد عن الكوابيس.
أسماك محلقة
من ناحية ثانية تجّلت الموسيقى في لوحاته عبر أدواتها لاسيما المزامير والنايات وكل آلات النفخ الهوائية/الأثيرية التي تصدر الصوت عن طريق النفخ فيها.
حالة العزف القائمة دوما وبغض النظر عن وجود جماهير مستمعة داخل أو خارج اللوحة، هي حالة نظمها الفنان المصري الشاب في لوحاته على أنها فعل شخصي جدا شبيه بالمونولوغ غير المعنيّ برأي الآخر، لاسيما إن كان الهدف من العزف، (وهو كذلك على وجه التأكيد،) دافعا “للبقاء” على قيد الحياة على الأقل بالحد الأدنى من الرضا.
وفي معرضه الجديد، يستكمل الفنان مصطفى ربيع ما بدأه، دون أن يتخلى على الأفكار الأساسية التي طرحها في معارضه السابقة وإن كان أضاف إليها عناصر شبه جديدة كالأسماك.
الأسماك في لوحاته هي إما غير اعتيادية في الحجم وفي المنظور التشكيلي وفيما تحمل من معان أرادها الفنان، أو هي كذلك، ولكن وجدت طريقها إلى لوحاته على غفلة منه و”لوحدها” بتلقائية وعفوية أسلوبه الفني.
أسماكه هي كلمات وإفصاح عن حالات نفسية تابعة لشخوصه ومرتبطة ارتباطا وثيقا برضا العيش المرجوّ وكأنه حاصل فعلا أو مُتحقّق سلفا.
ليست ثيمة السمكة جديدة في عالم الفن الشرق أوسطي وشمال أفريقيا وهي ترمز إلى العديد من المعاني أهمها الرزق والوفرة والعطاء والكرم والجمال والسعادة والاكتفاء. كما حوّر معانيها العديد من الفنانين لتصبح ناطقة بالجراح والصراعات النفسية وغيرها.

الفنان قللّ من وتيرة ألوانه المُشرقة في لوحاته الجديدة، لكن شخوصه بقيت على حالها مُتنعّمة بمذاق الفرح الأرضي
ولعل أهم تجربة في هذا المجال إلى الآن، هو ما تقدّمه الفنانة الإيرانية أفارين ساجدي، إلاّ أن السمكة أو مجموعة الأسماك في لوحة الفنان المصري مصطفى ربيع هي “وجوديا” في لوحاته مثلها مثل الآلات الموسيقية في لوحات أخرى: مدعاة للفرح ووسيلة للطيران مثل العصافير، أو التحليق والثبات في الفراغ.
وهي أيضا في بعض اللوحات دروع تحتمي بها الشخوص من كل ما هو خارج عالم الفنان الخيالي، وهي للزينة أيضا، لأنها تبدو في بعض لوحاته لباسا بديعا لشخوصه. وليس من الغلوّ القول إنها شخوص في حد ذاتها.
والجديد أيضا في لوحاته الأخيرة هو تطوّر ملامح الشخوص من الأسلوب الفطري إلى تشكيل أكثر غنى لم يزل يناسب جدا أجسادها.
ومصطفى ربيع فنان عصامي، حاصل على بكالوريوس نظم معلومات إدارية، له العديد من المعارض خاصة منها معرض بعنوان “الأمل في السفر” بكندا في أبريل 2018. ومعرض “فرح × مرح” بقاعة الزمالك للفن خلال يناير 2018، ومعرض “أوقات” أيضا في قاعة الزمالك للفن خلال يناير 2019.
كما شارك في العديد من المعارض الجماعية في تونس وصالون الشباب الثالث والعشرون 2012، وصالون الشباب الخامس والعشرون 2014، ومعرض “مصر وثورة يناير” بقصر الأمير طاز 2015، وصالون فناني إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد بقصر ثقافة الجيزة 2015.
وشارك أيضا في صالون الشباب السابع والعشرين في يناير 2016، وفي معرض الفنون التشكيلية المعاصرة والتراث في بيت السناري بالسيدة زينب في مارس 2017، وفي معرض بعنوان “نوافذ الإبداع” للسادة المتفرّغين الحاصلين على منح التفرّغ لعام 2016/2017 بقاعتي “نهضة مصر” و”إيزيس” بمركز محمود مختار الثقافي في أبريل 2017.