تونس اليوم يتصدّر ملعبها نفس اللاعبين بالخيارات الاقتصادية والاجتماعية نفسها وبحركتين سياسيتين حاكمتين متعاديتين تفتقران إلى الحدّ الأدنى من التضامن والمسؤولية.

الخطأ الأكبر في اختيار شخص الحبيب الصيد لرئاسة حكومة الائتلاف الرباعي في تونس أنه لم يشارك في الانتخابات بأي صورة كانت. ومعلوم أن الانتخابات آلية مجعولة لانتخاب الحاكم ومده بالشرعية الدستورية.

الهوامش المحيطة باتفاق قرطاج تجعل النوايا غير كافية لجعل الاتفاق تاريخيا كما وصفه رئيس الجمهورية، بقدر ما يبدو مساهمة في الالتفاف على الحقيقة وإجارة المعتدي واحتضان الفاشل.

النداء والنهضة يتعاملان مع الفوز الانتخابي تعاملا ميتافيزيقيا، بمعنى أن ثقة الناخبين ليست تفويضا على أساس برنامج حكم، وإنما هي تفويض غيبي يلغي إرادة الشعب ويصادرها طيلة فترة نيابية كاملة مهما كانت الأزمات.

لم تنجح حكومات ما بعد الثورة في تمرير إملاءات الصناديق المالية الدولية إلى اليوم. فكيف ستتصرف حكومة الوحدة الوطنية المزمع تشكيلها حيال هذا الملف.

من أسباب الفشل الذريع للتحالف الاستراتيجي بين حركة نداء تونس وحركة النهضة أنه تحالف قائم على غير رؤية ولا برنامج، إذ لم تكن هناك نية للتدقيق في ديون تونس. ولم توجد خطة دبلوماسية لاستعادة الأموال المنهوبة.

السبسي احترم الدستور شكليا، لكنه احتفظ بكل الأوراق بين يديه خاصة بعد أن اختار رئيس حكومة بلا سند حزبي، فإذا نجح فذلك بفضل بصيرة اللاعب الأول.

من المخاطر الكبرى التي تهدد بنسف الديمقراطية التشاركية في تونس، ما تعلق بالجمعيات أو بجانب مهم من المجتمع المدني الذي أغرقته حركة النهضة وتوابعها بالجمعيات الخيرية وبالجمعيات القرآنية وما دار في فلكها.

لم يبق من مؤتمر النهضة إلا عرض كرنفالي مثقل بالألوان والصور بكثير من قلة الذوق الفني والكثير من الطمع والتطميع السياسي والقليل من التغير في الأصل والجوهر.

لا بد من تحميل المسؤولية لكل الحكومات التونسية التي حكمت بعد الثورة لأنها خالفت الدستور ورخصت للنهضة وغيرها من الأحزاب العقدية ممارسة النشاط السياسي وهي ليست مدنية وترفع شعارات دينية.

الاتحاد الأوروبي يريد من تونس والمغرب فلاحتهما. ويريد من الجزائر مخزوناتها الغازية. ويريد من ليبيا ثرواتها النفطية العائمة. بينما تعجز دول الاتحاد المغاربي على تلبية حاجيات بعضها البعض.

دعوة حركة النهضة للمصالحة الوطنية، ولقاء الغنوشي بأمين عام التجمع المنحل لا يخرج عن الدلالة على تكتيك سياسي مفاده محاولة شغل الرأي العام عن الصراع الاجتماعي الملتهب في تونس.

ما يفعله التحالف الندائي النهضوي هو السطو على الدولة وزرع الفرقة بين أبناء الشعب والتمييز على أساس الانتماء، وهذا ينذر بالخطر ويهدد الدولة بالتناحر بسبب قصر نظر السلطة القائمة وسوء إدارتها للشأن العام.

الدولة ورؤوس السلطة التنفيذية يحرمون المواطنين من حقوقهم ويمنعونهم من حق المطالبة بهذه الحقوق والدفاع عنها. والملاحظ أن هناك نية واضحة لتجريم الحراك الاجتماعي في تونس.

المطلوب هو تطبيع رئيس الجمهورية وأهوائه مع منطوق الدستور ومقتضياته لا سيما أنه مؤتمن عليه، وليس تطويع الدستور وتعديله تلافيا لسوء الفهم المتعمد.

السبسي بدا مطمئنا بشكل كامل لحركة النهضة حليفته في الحكم ومبعث استقراره واستقرار الحكومة التي يوجهها، ولكن لا الرئيس ولا المحاورون تعرضوا لمناقشة الأطروحات السياسية لحركة النهضة التي تتردد مؤخرا.

الجبهة الشعبية تعاملت مع المخطط الإخواني السلفي تعاملا تاريخيا ووجوديا يعي أن إفشال مخطط الإسلام السياسي هو مسألة وجود، لأن نجاحه يعني القضاء على كل نفس تقدمي وتحرري وديمقراطي في تونس.

خيارات مقاومة الإرهاب في تونس مازالت تكتفي بالجانب الحربي، ولم تمر إلى الجانب الاستراتيجي المتمثل في التنمية وإنتاج الثروة داخليا.