مصر والسودان وإثيوبيا تقدم نصف حل أمام اجتماع التقييم بواشنطن

القاهرة - تستضيف العاصمة واشنطن الاثنين اجتماعا جديدا حول ملف سد النهضة لتقييم ومراجعة مخرجات اللقاءين السابقين بين مصر والسودان وإثيوبيا واللذين حققا نصف انتصار فني وسياسي، يمكن أن يتضاعف حال الالتزام بتوقيتات المفاوضات وتجنب الدوران في حلقة مفرغة تفرض استحقاقات قد تكون صعبة.
ويحضر وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث اللقاء الأميركي بعد مباحثات دارت على مرحلتين، الأولى في أديس أبابا يومي 15 و16 نوفمبر الماضي، والثانية في القاهرة يومي 2 و3 ديسمبر الجاري، وخرجت منهما جميع الأطراف تعلوها ابتسامات عليها بعض الحيرة.
ويؤكد حضور الطاقم السياسي (الخارجية) والطاقم الفني (الري)، الأهمية التي يحملها اجتماع واشنطن لكسر الحلقات الضيقة التي دارت فيها عملية المفاوضات، ومحاولة صب الرؤية العامة في مربع يستطيع تجاوز العراقيل.
وقال المتحدث باسم وزارة الري المصرية محمد السباعي، السبت، إن الاجتماع الأميركي لن يكون بهدف التفاوض للوصول إلى اتفاق عادل يحمي حقوق مصر والسودان المائية، ويحقق التنمية لإثيوبيا، لكنه إجراء دوري مهم لتقييم نتائج الاجتماعين السابقين.
ويحمل اجتماع واشنطن دلالات دقيقة مع دخول الولايات المتحدة والبنك الدولي على خط الأزمة، بعد اجتماع وزراء المياه والري للبلدان الثلاثة مع وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين بواشنطن في 6 نوفمبر الماضي.
وأفضى الاجتماع وقتها إلى تحديد جدول زمني، تضمن أربعة اجتماعات في الدول المعنية، واثنين في واشنطن، بحلول منتصف يناير المقبل، وذلك قبل دخول الطرف الرابع (الوسيط) في المباحثات، حال فشل الدول الثلاث في الوصول إلى اتفاق شامل ونهائي.

وينطلق الاجتماع الثالث في الخرطوم يومي 21 و22 من ديسمبر الجاري، ثم اجتماع رابع وأخير في أديس أبابا في الأول من يناير المقبل، قبل أن تعود الأطراف الثلاثة إلى واشنطن مجددا في منتصف يناير للنظر في المخرجات النهائية للمفاوضات.
وأشار متابعون إلى أن الاجتماع الأول الذي عقد في واشنطن كان سببا مباشرا في قطع المفاوضات مسافة جيدة لم تصلها خلال ثماني سنوات من المحادثات الماراثونية. ويقدم الاجتماع التقييمي الأول في واشنطن نوعا من الأوكسجين السياسي، وقد يصبح أقرب إلى قاطرة الدفع للتفاوض، ويتجاوز الشكل الدبلوماسي المعتاد، مع رغبة إثيوبيا الوصول إلى اتفاق عاجل دون الحاجة إلى تدخل الطرف الرابع، وما يمثله لها من حرج وقتها.
أعربت دوائر إثيوبية رسمية، الخميس الماضي، عن نجاح الدول الثلاث في الوصول إلى توافق حول قضية سد النهضة، ما يعني أن الطريق أصبح مفروشا بقدر أكبر من التفاهمات.
وأوضح مسؤول حكومي، لصحيفة “أديس ريبورت”، المحلية المحسوبة على دوائر رسمية في إثيوبيا، أن وزيري المياه المصري والإثيوبي حاولا إيجاد صيغة وسط خلال اجتماع القاهرة الأخير للطلب الخاص بمد فترة خزان السد لسبع سنوات، ووضع بند يسمح بالوصول إلى تلك المدة، لكن بحسب الوضع الهيدروليكي لمياه النيل الأزرق.
ويفسر مراقبون هذا المعنى، بأنه حل أرادت منه أديس أبابا الاستفادة من بإمكانية تغيير فترات الملء والمياه المخزنة وربطها بغزارة الأمطار وكمية المياه السنوية القادمة من هضبة الحبشة.
وأعلن وزير المياه والري السوداني ياسر عباس، في مؤتمر صحافي الشهر الماضي مع انتهاء اجتماعات الخرطوم، عن الوصول إلى اتفاق حول سنوات تخزين بحيرة سد النهضة، ملمحا إلى أنها سبع سنوات. ورغم الوصول إلى صياغة تبدو تفاهمية ومقبولة لإبرام اتفاق شامل على أزمة سد النهضة، إلا أن الدول الثلاث تدرك أهمية تأجيل الإعلان الرسمي عن أي نتائج محددة حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي يرضي جميع الأطراف، لأن سد النهضة يحمل طابعا حساسا لكل من شعبي مصر وإثيوبيا، وأخذت هذه الحساسية تنسحب أيضا على الشعب السوداني، بعد تزايد الانتقادات الموجهة إلى الحكومة، وتحضها على تبني موقف يراعي مصالح البلاد.
ويكمن الخلاف في حجم تدفق المياه من النيل الأزرق وضمان كمية مياه آمنة، وهي مسألة حيوية نظرا لخطورة انخفاض معدل المياه القادمة إلى مصر والسودان، وتأثير ذلك على الأمن المائي بما فيه مجالات الزراعة والصناعة.
السودان ومصر عليهما العمل معا لاقتناص اعتراف تاريخي من إثيوبيا بحقوقهما المائية بما يجنّبهما شح المياه مستقبلا
وأوضحت مصادر في القاهرة، لـ”العرب”، أن ما وصلت إليه مفاوضات سد النهضة حتى الآن هو “نصف حل” لأنه من دون ضمان للحقوق المائية ستصبح الاتفاقات السابقة بلا قيمة حقيقية، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على ما تم التوصل إليه في تبديد أزمة تتعلق بأمن مصر والسودان المائي.
وأضافت أن المفاوض المصري حريص على عدم الانخراط في الحديث عن انتصارات معنوية زائفة، أو الكلام عن قضايا فرعية تثنيه عن عمله في التحقق من اتفاق يضمن حماية حقوق الدولة في مياه النيل.
ورأت المصادر أن اجتماع واشنطن مهم من زاوية تأكيده على وجود إطار دولي يتابع عملية التشاور حول سد النهضة، ويدفع الدول الثلاث نحو مفاوضات جادة وسريعة للوصول إلى حل نهائي خلال النصف الآخر من الجدول الزمني المتفق عليه. ومع تركيز القضية الآن حول تدفق المياه إلى بلدان المصب، أضحى السودان طرفا أكثر فاعلية مع ملامسة مسألة كمية المياه مع أزماته الداخلية، واعتماده على مياه النيل الأزرق في ري الأراضي الزراعية بمناطق جنوب وشرق البلاد.
وتخلت الخرطوم عن قدر من سياسة الحذر التي التزمت بها في أزمة سد النهضة، وظهر ذلك في الاجتماعات الأخيرة، حيث قدم السودان اقتراحات واضحة في سبيل تحقيق المنفعة العامة.
ولفت أستاذ القانون السوداني، محمد مفرح، إلى أن الحكومة السودانية تدرك أن لسد النهضة فوائد تنموية مثل، إنتاج الكهرباء والحد من الفيضان السنوي، غير أنها استمعت مؤخرا إلى أصوات تحذر من مخاطر السد، ومنها انخفاض مياه الري، فضلا عن تأثيرات بيئية عدة.
وأوضح، لـ”العرب”، أن السودان ومصر عليهما العمل معا لاقتناص اعتراف تاريخي من إثيوبيا بحقوقهما المائية في صورة تحديد كمية المياه السنوية، بما يجنب الدول الثلاث شح المياه في المستقبل.
وتابع “النجاح في ذلك لا يحل أزمة سد النهضة فقط، لكنه يضع قواعد أكثر شمولية لاحقا، في حالة الرغبة في بناء سدود على النيل الأزرق، لأن القانون الدولي حينها سيكون بالمرصاد لأي عبث بكمية المياه المتدفقة لدول المصب”.