مصر تُقيّد تراخيص مؤسسات رعاية الأطفال لصالح الأسر البديلة

تستهدف الحكومة المصرية تعميم كفالة الأطفال بدل دور الرعاية وذلك لما توفره الأسر البديلة من بيئة عائلية هادئة ومستقرة للأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية. كما تستمر في تطبيق قرار فرض الغرامات المالية على العائلة التي تعيد الطفل المكفول إلى دار الرعاية، باعتبار أن الطفل إذا عاش حياة طبيعية داخل أسرة ثم عاد مجددا إلى مؤسسة الرعاية فإنه يتعرض لانتكاسة نفسية.
القاهرة– أكدت قرارات اتخذتها الحكومة المصرية أخيرا أنها ماضية في إلغاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية للأطفال واستبدالها بنظام الأسر البديلة، وظهر ذلك في استمرار قرار وقف منح تراخيص لمؤسسات رعاية جديدة مع بقاء الغرامات المفروضة على عائلات تحتضن طفلا ثم تقوم بإعادته لدار الرعاية بعد فترة احتضان.
وتقرر مد إيقاف منح التراخيص لدور الإيواء، والمعروفة بدور الأيتام، لمدة عام إضافي، وقالت وزارة التضامن إن الخطوة تأتي ضمن إستراتيجية الحكومة للانتقال من الرعاية المؤسسية إلى البديلة التي تقوم على توفير بيئة عائلية هادئة ومستقرة للأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية ويعيشون في مؤسسات اجتماعية.
وأعلنت وزارة التضامن استمرار تطبيق قرار فرض الغرامات المالية على العائلة التي تعيد الطفل المكفول إلى دار الرعاية كإجراء لتنظيم العلاقة بين الأسر الكافلة والأطفال المكفولين إلى حين الانتهاء من إعداد قانون الرعاية البديلة المنتظر صدوره قريبا، ويحظى بدعم حكومي غير محدود لتكريس تعميم الأسر البديلة.
الطفل إذا عاش حياة طبيعية لفترة داخل أسرة ثم عاد مجددا إلى مؤسسة الرعاية فإن ذلك قد يعرضه لانتكاسة نفسية
يهدف القانون الجديد، الذي أوشكت الحكومة على الانتهاء منه وتقديمه إلى مجلس النواب، إلى وضع إطار متكامل ينظم مختلف الجوانب المتعلقة بكفالة الأطفال، ويضمن حقوقهم داخل بيئة أسرية مستقرة وآمنة، ضمن خطة عامة للدولة تستهدف غلق مؤسسات دور رعاية الأطفال بنهاية العام الجاري واستبدالها بأسر.
وتسبب قرار فرض غرامات مالية على أسر كافلة حال قررت إعادة الطفل إلى المؤسسة الاجتماعية، في جدل واسع على الفضاء الإلكتروني، ما برره مسؤولون في وزارة التضامن بأن الطفل إذا عاش لفترة داخل أسرة وعاش حياة طبيعية ثم عاد مجددا إلى مؤسسة الرعاية فإن ذلك قد يعرضه لانتكاسة نفسية تستمر معه لسنوات.
ولدى مصر 482 مؤسسة رعاية اجتماعية للأطفال، بعد أن كان العدد قبل عشر سنوات 580 مؤسسة، وارتفع عدد الأطفال المكفولين داخل الأُسر البديلة من 7 آلاف عام 2014 إلى نحو 12 ألفا بنهاية العام الماضي، ما يعكس نية الحكومة تقليص الاعتماد على دور الرعاية التقليدية وتعزيز بدائل الرعاية الأسرية.
ولجأت الحكومة إلى زيادة الامتيازات الممنوحة للأسر الكافلة لتسريع إدماج الأطفال في جو عائلي بعيدا عن المؤسسات الاجتماعية، فيما تخطط وزارة التضامن الاجتماعي لتعزيز تلك المزايا، بحيث لا تجد صعوبة في تقليص عدد دور الرعاية وربما غلقها كليا، وتكون كل أسرة كافلة مستعدة لتحمل عبء الطفل.
وناقش مجلس النواب المصري قانونا للضمان الاجتماعي، حدد الفئات التي ستحصل على إعانات شهرية من الحكومة، واستثنى الأسر الكافلة، ليكون لها تشريع خاص بمزايا خاصة، باعتبار أن تلك الفئة تقوم بعمل إنساني عظيم وتعيد إحياء طفل وتنشئته بشكل صحي بما يجعل منه شخصا طبيعيا.
غلق مؤسسات الرعاية الاجتماعية واستبدالها بأسر بديلة ليسا مهمة صعبة على الحكومة، المهم أن تتبنى إستراتيجية توعوية متشعبة، لأن الكثير من العائلات تجهل التفاصيل التي تخص منظومة الرعاية البديلة
وتخطط الحكومة لحصول الأسر الكافلة على مساعدات مالية مجزية بشكل دوري، مع معاملة الزوجة الحاضنة كأم طبيعية لها نفس الحقوق في إجازة رعاية الطفل وصرف مكافآت وظيفية لها، ومنح الأسر حق الوصاية الكاملة على الأطفال المكفولين، بحيث تتعامل معهم في كل شيء، كما الأبناء الطبيعيين.
وتُدرك الهيئات الرسمية المعنية بملف الأطفال اليتامى ومجهولي النسب وغيرهم من المقيمين في دور الرعاية أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية قد لا تسمح للكثير من الأسر بتحمل عبء طفل، ثم إن هناك قيودا على التحكم في مصير هذا الصغير، تعليميا وصحيا، وهو ما تسعى الحكومة إلى علاجه في تشريع خاص.
وترغب الحكومة من خلال الامتيازات الجديدة للأسر الكافلة في رفع العبء عنها بشكل كامل، من حيث الإنفاق الشهري والإجراءات الإدارية المعقدة بما يسهل دمج الصغار، وكي لا توجد ممانعات شعبية لفكرة غلق مؤسسات الرعاية الاجتماعية، لأن البديل سوف يصبح متوفرا في صورة أسرة طبيعية من أب وأم، وربما إخوة.
ومع منح حق الولاية التعليمية للأب الكافل أو الأم الكافلة، يتعزز الدمج المجتمعي للطفل المكفول، وهذه كانت إشكالية تثير مخاوف الكثير من الأسر التي ترغب في الحضانة، حيث تصطدم بتعقيدات بيروقراطية تؤثر سلبا على المستقبل التعليمي للطفل عند التقديم والتحويل من المدارس وإليها.
ومن بين الحقوق المالية والعينية التي تحصل عليها العائلة الكافلة، عوضا عن غلق مؤسسات الرعاية الاجتماعية، أن الطفل سوف يحمل بطاقة دعم تمويني للحصول على السلع الأساسية بأسعار رمزية، مع تعليمه مجانا طوال فترة حياته، في المدرسة أو عند التحاقه بالجامعة، وحتى لا يشكل التعليم عبئا على الأسرة.
وتتحمل الحكومة كلفة استقلال الطفل أو المراهق المكفول جميع وسائل النقل العمومية، مثل الأتوبيسات ومترو الأنفاق وقطارات السكة الحديد، ومنحه اشتراكا مجانيا في النوادي والمتاحف والمتنزهات والقصور الثقافية والمراكز الرياضية والشبابية، كما يتمتع بخدمات التأمين الصحي الشامل دون مقابل.
الحكومة تخطط لحصول الأسر الكافلة على مساعدات مالية مجزية بشكل دوري، مع معاملة الزوجة الحاضنة كأم طبيعية لها نفس الحقوق في إجازة رعاية الطفل وصرف مكافآت وظيفية لها
ويرى متخصصون في شؤون الطفل أن غلق مؤسسات الرعاية الاجتماعية واستبدالها بأسر بديلة ليسا مهمة صعبة على الحكومة، المهم أن تتبنى إستراتيجية توعوية متشعبة، إعلاميا وثقافيا ودينيا، لأن الكثير من العائلات في مصر تجهل التفاصيل التي تخص منظومة الرعاية البديلة ولا تعرف كيفية الاستفادة منها.
وأكدت استشارية العلاقات الأسرية في القاهرة عنان حجازي أن تقليص مؤسسات الرعاية واستبدالها بأسر بديلة يتطلبان خطابا توعويا مكثفا ومستداما، ويكون هناك مشروع قومي يستهدف تحويل تلك المنظومة إلى ثقافة مجتمعية بامتياز، والأمر لا يقتصر على توفير امتيازات ومساعدات للطفل وأسرته فقط.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن مؤسسات الرعاية لا يمكن أن تُنشئ الطفل بشكل سليم مهما بلغت إمكانياتها، وما تخطط له الحكومة من استبدال دور الرعاية بأسر بديلة هو توجه إنساني تأخر تنفيذه، وقد نصل إلى مرحلة أن المجتمع نفسه يدعم هذا التوجه ويدافع عنه، ويقتنع بأن الكفالة حل إنساني للكافل والمكفول.
ويظل عدم تثقيف المجتمع بنظام الأسر البديلة عائقا أمام توسيع قاعدة الكفالة، إذا لم تتصد الحكومة بصرامة لتشدد بعض رجال الدين الذين يُحرمون الكفالة، ما يؤكد أن الجدية في غلق دور الرعاية تستدعي موقفا حاسما لزيادة الجرعة التوعوية بالقيم النبيلة لمنظومة الأسر البديلة.
وثمة لغط في مصر حول ملف الكفالة، وترى الكثير من الأسر أنها نسخة من التبني المحرم في الإسلام، وتلك معضلة لم تتعامل معها الحكومة بحكمة أو تستعين بخطاب ديني معتدل يقنع الشارع بأن الكفالة أبعد ما تكون عن التبني، والطفل فقط يحمل لقب العائلة دون أن يُكتب باسم الأب.
وتلك مشكلة تمثل عائقا أمام تعميم منظومة الأسر البديلة، ومع أن المؤسسة الدينية أباحت الكفالة، لم تنتصر على رؤى متشددة زرعت في أذهان كثيرين أن احتضان المرأة لطفل غريب حرام شرعا بزعم أنه سيطلع على جسدها، والرجل لا يحق له حضانة طفلة مباح له الزواج منها، وهي نظرة جنسية تتجاهل الأبعاد الإنسانية للكفالة.