مصر تواجه الزيادة السكانية بهيئة جديدة لتنظيم الأسرة

غياب الحلول الواقعية يعرقل جهود الحكومة للتصدي لاستسهال الإنجاب.
الجمعة 2022/04/15
فوضى الإنجاب تؤرق الحكومة المصرية

أدى عدم تجاوب الأسر مع الخطط التي وضعتها الحكومة المصرية للحد من الإنجاب وروّجت لها عبر المجلس القومي للسكان إلى استبداله بالهيئة القومية للسكان وتنمية الأسرة، وتقرر أن تكون الهيئة المذكورة تابعة لرئاسة الجمهورية بغاية تسهيل تنفيذ سياساتها وقراراتها سريعا، وحتى لا تواجه صعوبات وعراقيل تؤدي بها إلى نفس مصير المجلس القومي للسكان.

القاهرة – عكس اتجاه الحكومة المصرية إلى إنشاء هيئة جديدة مختصة بالسكان وتنمية الأسرة ومواجهة فوضى الإنجاب غياب الحلول الواقعية بشأن ظاهرة الانفجار السكاني المتعاظمة، وعدم تعاطي الأسر مع الخطط التي وضعتها وروجت لها عبر المجلس القومي للسكان الذي تقرر بعد سنوات طويلة من عمله استبداله بهيئة جديدة.

تقرر أن تكون الهيئة القومية للسكان وتنمية الأسرة تابعة لرئاسة الجمهورية بهدف إضفاء جدية على عملها وتسهيل تنفيذ سياساتها وقراراتها سريعا وتجنب مواجهتها معوقات تعطل تنفيذ خطتها الرامية لخفض معدلات الإنجاب في مصر، وهي الإشكالية التي لم تجد لها الحكومة حلا جذريا على مدار عقود.

وترغب الحكومة من تبعية الهيئة الجديدة للرئاسة المصرية أن تكون تحت إشراف مباشر من رأس السلطة بدلا من سياسة الجزر المنعزلة التي عانى منها المجلس القومي للسكان وتداخله مع وزارات مختلفة، ما تسبب في تعثر تحركاته وبطء تنفيذ السياسات الخاصة بمواجهة الزيادة السكانية المطردة وتبعاتها السلبية.

ويزيد سكان مصر نحو مليون طفل في أقل من تسعة أشهر، وهو ما تراه الحكومة خطرا داهما يهدد معدلات التنمية التي تبحث الدولة عن تحقيقها.

وتعكس الأرقام المتصاعدة في أعداد السكان مشكلة أن الأسر نفسها ليست مهتمة بتنظيم النسل ولا ضبط الإنجاب مهما ساءت النتائج.

عمرو حسن: تبعية الهيئة القومية للسكان وتنمية الأسرة للرئاسة خطوة إيجابية

ولم تترك الحكومة بابا إلا طرقته لإقناع الأسر بحتمية الكف عن الإسراف في الإنجاب ولجأت إلى العديد من الوسائل، منها الترهيب والترغيب، حيث أقرت فرض عقوبات على كثرة الإنجاب بشكل غير مباشر باقتصار الدعم المقدم من الدولة على طفلين فقط ولوّحت بتقديم مزايا للملتزمين بتنظيم النسل، لكن الناس لم يكترثوا بذلك.

واستعانت بالفتاوى الدينية لتنظيم النسل وخرج الأزهر ودار الإفتاء لإباحة ذلك وتحريم كثرة الإنجاب إذا كانت الأسرة غير مقتدرة ماديا وظروفها الاجتماعية سيئة، ولجأت للحملات الإعلانية لضرب ثقافة المواليد المعروفة باسم “العزوة” وسنت تشريعات لمنع الزواج المبكر لتأخير الإنجاب، لكنها لم تحقق النجاح المطلوب.

ويرى متابعون لأزمة الانفجار السكاني في مصر أن الحكومة مهما أقرت من خطط وسياسات وتشريعات أو غيرت مسميات لمواجهة كثرة الإنجاب، فإن نتائجها لن تكون ملموسة طالما أنها لا تناسب العقلية المستهدفة، فالخطاب الرسمي حول مخاطر كثرة الإنجاب لا يزال يستهدف شريحة محدودة من الأسر.

وتبدو سياسات الحكومة المرتبطة بتنظيم النسل بعيدة عن الأسر في المناطق الريفية والقبلية والشعبية، وفي هذه الأماكن يتم التعامل مع كثرة عدد الأبناء باعتبارهم سندا اقتصاديا ودلالة على القوة المجتمعية، أما تحديد النسل وتنظيمه أو التدخل فيه بأي شكل فهو يخالف في نظرهم الشرع مهما أباحته الفتاوى.

ومن المحظورات في المناطق الريفية أن تذهب الزوجة إلى مركز تنظيم الأسرة، أو تتدخل لتحديد الإنجاب دون موافقة زوجها والعائلة بكامل أفرادها، بل إن الأم تظل تُنجب متى طُلب منها ذلك ولا تتوقف إلا عندما لا تصبح قادرة جسديا على تكرار الإنجاب، أو تتقدم في السن.

ويمثل ارتفاع نسبة الأمية بالمجتمع تحديا بالغ الصعوبة أمام الحكومة لإقناع أغلب الأسر بخطابها التوعوي بشأن حتمية تنظيم النسل، حيث أن هناك 40 في المئة من السكان لا يجيدون القراءة والكتابة وينظرون لكثرة الإنجاب باعتبارها سندا اقتصاديا من خلال توظيف أولادهم في حرف ووظائف تُدر دخلا على الأسرة يوميا.

انفجار سكاني متعاظمة

ويرى متخصصون في شؤون الأسرة أن العبرة ليست في كثرة الهيئات المنوط بها مواجهة الأزمة السكانية بقدر ما ترتبط الحلول بكيفية إدارة الملف مع الناس القاطنين في المناطق المصنفة بأنها الأعلى من حيث معدلات الإنجاب وسبل إقناعهم بشكل عقلاني سلس بسيط بمزايا تنظيم النسل لأهداف إنسانية واجتماعية واقتصادية.

وقال عمرو حسن الرئيس السابق للمجلس القومي للسكان الذي تقرر إلغاؤه واستبداله بهيئة جديدة إن تبعية هيئة السكان للرئاسة خطوة إيجابية لمنح الملف والقضية اهتماما مضاعفا، لكن تشدد الأسر لفكرة الإنجاب يحتاج إلى استراتيجية متكاملة تركز على الأجيال الجديدة ومخاطبتها بلغة خطاب تناسب عقلياتها وثقافاتها وتلمس احتياجاتها، لاستقطابها بعيدا عن أسرها التي كرست بداخلها كثرة الإنجاب.

وتخلو المناهج الدراسية في المدارس والجامعات من المحتوى الذي يوسع مدارك الطلاب حول تنظيم الأسرة وينسف من عقولهم فكرة العزوة واستسهال الإنجاب إلى حين وصول الابن الذكر، ويصحح المعتقد الديني لديهم الذي يربط زينة الدنيا بكثرة الأبناء، وهي التفسيرات التي يروج لها رجال فقه منتمون للأزهر وشيوخ التيار السلفي.

وأضاف حسن لـ”العرب” أن التركيز على الآباء والأجداد لن يكون مفيدا بنفس القدر إذا تم الاهتمام بتوعية أولادهم، ذكورا وإناثا، لأن هؤلاء أرباب الأسر في المستقبل القريب والبعيد، فأغلبهم يرث من عائلته نفس الفكر والمعتقد الديني والاجتماعي بشأن الإنجاب، ولذلك من الضروري توعيتهم بخطاب مقتنع يناسب العصر.

الأرقام المتصاعدة في أعداد السكان مشكلة تعكس عدم اهتمام الأسر بتنظيم النسل ولا ضبط الإنجاب مهما ساءت النتائج

ثمة معضلة أخرى، ترتبط بأن خطط الحكومة قائمة على تغيير قناعة المرأة ودفعها لتنظيم الأسرة وإغرائها بمنحها وسائل مجانية تساعدها على تحقيق ذلك، في حين أغفلت أغلب السياسات والتوصيات والرؤى أن قرار الإنجاب في مجتمع شرقي يقدس العادات والتقاليد، يكون بيد الرجل، أما الزوجة فهي منزوعة القرار.

ويرى متخصصون أن التعويل على الإجراءات العقابية الموجهة للأسر المسرفة في الإنجاب لن يحقق الغرض، لأنه قد يواجه بتمرد عائلي، وهو ما يتطلب من أي جهة جديدة يتم تكليفها بالمهمة، سواء هيئة مستقلة تابعة للرئاسة أو غيرها، أن تسلك مسارا مغايرا لا يدفع الناس للتحدي وما يتمخض عن ذلك من مشكلات معقدة.

ويؤيد حسن فكرة تقديم حوافز للأسر التي تنظر إلى الإنجاب كسند اقتصادي، لأن هناك عائلات لا يعنيها دعم الحكومة، فعدد الأبناء بالنسبة إليها قد يعوض أي نقص مادي كانت الدولة تقدمه لها، في ظل الظروف المعيشية الصعبة، ولذلك من المهم النظر إلى الحوافز الإيجابية باعتبارها حلا سحريا سيغري الكثيرين.

وتدعم هذا الرأي الدراسة التي أعلنها مركز البحوث الاقتصادية بالقاهرة، وقالت إن الجنيه المصري الذي ستنفقه الحكومة على تنظيم الأسرة سيوفر لها 150 جنيها، وهذا يتطلب أن يتم التعامل مع خفض معدلات الإنجاب كمشروع استثماري قومي، لا تقل أهميته عن المشروعات القومية الكبرى التي تطلقها الحكومة باستمرار.

وبغض النظر عن تغيير خطط الحكومة عبر الهيئة الجديدة للسكان من عدمه، فهناك أسس يتطلب التركيز عليها إذا أرادت الحكومة تحقيق تقدم ملموس في مواجهة الأزمة السكانية التي أخفقت معها كل الحلول الرسمية ولم يعد هناك بديل عن الاهتمام بتوعية الأجيال الصاعدة كأرباب أسر في المستقبل والتعاطي بواقعية مع معتقدات الأسر المسرفة في الإنجاب وخلخلة أفكارها، سواء أكانت دينية أو اقتصادية أو اجتماعية، لأن استمرار الخطاب التقليدي لن يحقق أيا من رؤى الحكومة.

17