مصر تواجه الزواج العرفي بالترهيب الديني

دار الإفتاء تحرّم الزيجات السرية وتطالب بإلغائها لتعدد مفاسدها.
الثلاثاء 2023/09/26
التوعية ضرورية

دعت المؤسسات الدينية في مصر إلى الامتناع عن الزواج العرفي حتى لو كان مستوفيا للشروط الشرعية وذلك لحجم الفساد المترتب عليه. وقد قوبلت هذه الدعوة برفض من قبل العديد من الأزواج المرتبطين في السر وبعض الشباب الذين يجدون في الزواج العرفي ملاذا لهم أمام ارتفاع تكاليف الزواج المدني. ويرى استشاريو العلاقات الأسرية أن أسلوب الترهيب لن يقنع العديد من الأسر.

القاهرة - أعادت دار الإفتاء المصرية الجدل الأسري حول الزواج العرفي، بعد أن صعّدت نبرة الترهيب ضد من يُقبلون على هذه العلاقة بتأكيدها أن الزواج العرفي حرام شرعا، بغض النظر عن أسبابه ومبرراته، لأن مفاسده أكثر من محاسنه.

وقال شوقي علام مفتي مصر إنه “لا بديل عن إلغاء الزواج العرفي لمفاسده، وعلى المرء أن يمتنع عنه بغض النظر عن كونه يستوفي الشروط الشرعية من عدمه”.

ويمثل رأي أعلى هيئة إفتاء مصرية نقطة تحول في نظرة المؤسسة الدينية إلى الزيجات السرية، لأنها لم تصعّد نبرة الترهيب إلى هذا الحد من قبل، وكانت هناك رؤى فقهية كثيرة تقر بمشروعية الزواج العرفي، طالما توافرت فيه شروط الإشهار والشهود.

يعني حديث الإفتاء أن الزيجات العرفية مشكوك فيها دينيا، وفي كل ما يترتب عليها، وهو ما تحول إلى صدمة للكثير من الأسر التي لجأت إلى هذا النوع من الزواج، لمبررات عديدة لا تسمح لها بإشهار هذا الزواج على نطاق واسع.

شوقي علام: لا بديل عن إلغاء الزواج العرفي وعلى المرء أن يمتنع عنه
شوقي علام: لا بديل عن إلغاء الزواج العرفي وعلى المرء أن يمتنع عنه

وترى أصوات معارضة لتعميم التحريم على الزواج العرفي أن الأمر يحمل تحريضا ضد المتزوجين بشكل سري، ما يدفع عائلات محافظة إلى اتخاذ الفتوى ذريعة للانتقام.

ورفض كثيرون أن تكون مواجهة ظاهرة الزواج العرفي قاصرة على التحريم من خلال خطاب يعتمد على الترهيب، مقابل إهمال المعالجات الأخرى، لأن استسهال الحل بالفتاوى يزيد الأزمة تعقيدا.

ويبني هؤلاء رؤيتهم على أن التعامل مع الزواج السري بطريقة الترهيب الديني ليس ذا قيمة أمام تصاعد وتيرة التحرر من القيود والأعراف والعادات والتقاليد والرؤى الأسرية الضيقة.

ومهما بلغت نبرة التحريم للزواج العرفي لن تصل بالقضية إلى نقطة يمكن أن تلتقي عندها كل الآراء وتصبح مقنعة للشبان والفتيات باعتبارهم أكثر الفئات إقبالا على الارتباط السري، مع انفراط عقد الكثير من الأسر في احتواء أبنائها، أو شعور الفتاة بالإهمال وغياب العاطفة الأسرية ما يجعلها تبحث عن البديل خارج المنزل.

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن استسهال التحريم الديني للزواج العرفي يعفي الأسر من تحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، مع أن أي علاقة سوية يفترض أن تقوم على الثقة بين الآباء والأبناء، وتهيئة بيئة مناسبة توفر للفتاة العاطفة والاحتواء والأمان قبل أن تكون صيدا سهلا خارج المنزل لأي شاب يغرر بها.

وقالت هالة حماد، استشارية العلاقات الأسرية وتقويم السلوك في القاهرة، “إن مشكلة الكثير من الأسر تكمن في عدم اقتناعها بأن خطاب الترهيب لن يلقى آذانا صاغية من شبان وفتيات يعتبرون أنفسهم ضحايا عادات خاطئة، وينظرون إلى هذا الفعل على أنه وسيلة للهروب من الضغوط الأسرية، ويرون أن من حولهم متهمون وهم فقط الأبرياء”.

موقف دار الإفتاء المصرية يعكس عمق الأزمة التي تعاني منها بعض المجتمعات العربية في تعاملها مع الزواج العرفي

وأضافت حماد لـ”العرب” أن “الفكر السائد عند شريحة كبيرة من الشباب هو التمرد ضد كل ما يتعلق بالقيود ويتعارض مع الانفتاح والحرية في اتخاذ القرارات وتحديد المصير، لذلك يجب التعامل مع هذه الشريحة بحكمة بعيدا عن تقديس الفتوى والتعاطي معها بانفعال، لأن التحريم المطلق للزواج العرفي قد يتسبب في المزيد من سريته”.

ولدى العديد من المتزوجين عرفيا مبررات لا تقتنع بها الكثير من فئات المجتمع، فهناك من يقدم على الخطوة أمام الأعباء المالية المرتبطة بالغلاء حتى صار الشباب عاجزين عن تدبير متطلبات الزواج الرسمي الرئيسية، إضافة إلى فرض الأسر طلبات خيالية على المتقدم لخطبة الفتاة، ما يدفعه إلى الزواج السري لوضع أسرتها أمام الأمر الواقع.

وهناك سيدات يُقْدمن على الزواج العرفي خوفا من فقدان حضانة أبنائهن بعد الطلاق أو أن يخسرن المعاش الحكومي الذي يتحصلن عليه بعد وفاة أزواجهن أو آبائهن، كما ينص القانون المصري، علاوة على قبول سيدات بالزواج السري بعد الطلاق هربا من نظرة المجتمع، كأن المطلقة يجب أن تعيش راهبة في محراب أولادها.

من هؤلاء النساء دينا رجب، وهي أم في العقد الثالث من العمر ولديها طفلان وانفصلت عن زوجها وقررت أن تتزوج عرفيا خشية أن يحكم القضاء بإسقاط الحضانة عنها، قالت لـ”العرب”: “لا أفعل شيئا محرما، فالزواج تم بحضور شهود من الأصدقاء، لكن لم يتم توثيقه رسميا، وأسرتي تعلم ذلك جيدا، ولا أعترف بالفتوى التي تحرم زواجي وتتهمني بأنني أعيش مع شريكي في الحرام”.

وأوضحت لـ“العرب” أن “تعميم فتوى تحريم الزواج العرفي دون دراسة كل حالة على حدة هو ظلم، لأن هناك سيدات مجبرات على أن يتزوجن بشكل سري”، معقبة “قطعا أرفض الزواج بغرض المتعة أو قضاء وقت معين بزعم أن تكون العلاقة رسمية، لكن لا يجب ترهيب المتزوجين عرفيا بالتحريم، فهناك توافق بين الشريكين وربما العائلتين”.

أصوات معارضة لتعميم التحريم على الزواج العرفي ترى أن الأمر يحمل تحريضا ضد المتزوجين بشكل سري، ما يدفع عائلات محافظة إلى اتخاذ الفتوى ذريعة للانتقام

ويقود ذلك إلى أن أي محاولة لحل أزمة الزواج العرفي لن يكتب لها النجاح إذا استسهلت الفتوى، ولا بديل عن استحداث خطاب أسري توعوي يتناسب مع الشباب المؤمنين بشرعية هذا الزواج، فيصعب الحديث بلغة الحلال والحرام مع جيل متحرر.

وقد لا يدرك الكثير من المؤيدين لتحجيم الزواج العرفي بالترهيب الديني أن أغلب الذين خاضوا التجربة أو يفكرون فيها مستقبلا لا يعنيهم رأي الدين أو نظرة المجتمع، ولو كانت التهمة المنسوبة إليهم “ارتكاب فعل محرم”، فالفتاة التي تتمرد على عائلتها لأجل شاب لن تفكر في فتوى تبيح الفعل أو تحرمه.وإذا كان الشاب والفتاة يهمهما الرأي الديني حول الزواج العرفي ويريدان بدء حياتهما دون ارتكاب فعل محرم فإنهما سيجدان آراء دينية من شخصيات موثوق بها تدعم الزواج السري، طالما توافرت فيه المعايير الشرعية، أيّ أن استسهال الحل الديني فيه ثغرات ويصعب أن يصبح حلا لأن المجتمع محافظ وتتحكم الفتاوى في علاقاته.

ويعكس موقف دار الإفتاء المصرية عمق الأزمة التي تعاني منها بعض المجتمعات العربية في تعاملها مع الزواج العرفي، فالجميع يلقي باللوم والمسؤولية على الشبان والفتيات دون دراسة أسباب ومبررات ودوافع الزواج بهذه الطريقة ومعالجتها بدلا من إصدار أحكام تحريضية تعمق الكراهية الأسرية تجاه المتزوجين سريّا.

وتتفق الآراء المعارضة لهذا النوع من الارتباط على أن المواجهة تبدأ باعتراف الأسر بأنها شريك أساسي في الخلل الذي أصاب تفكير وأخلاق الشباب ودفعهم إلى التمرد على الزواج الرسمي، بوضع الحواجز والعراقيل أمام عواطفهم المكبوتة، وفرض نمط حياة مرفوض بالنسبة إليهم، بشكل يدفعهم إلى التمرد على كل شيء، ولو كانت فتوى رسمية تشكك في مشروعية الزواج.

15