مصر تنهي القطيعة بين الأمهات والوصاية على الأبناء

تعديل ترتيب الأم في الوصاية على أولادها بعد وفاة الأب بإزاحة الجد والعم.
السبت 2023/08/26
التغيرات الحاصلة في المجتمع المصري تفرض إعادة الترتيب

بات تعديل القانون الخاص بأحكام الولاية على المال لتصبح الأم في المرتبة الثانية بعد الأب على بعد خطوات من التطبيق لينهي معاناة طويلة واجهت عددا كبيرا من الأرامل والمعيلات مع أسر أزواجهن بعد وفاتهم. ويرى استشاريو العلاقات الأسرية أن الكثير من التشريعات المصرية لا تعير اهتماما للمرأة ودورها داخل الأسرة أثناء الحياة الزوجية أو بعد الطلاق أو عقب وفاة الزوج.

القاهرة - قاربت مصر على إنهاء القطيعة بين الأمهات والوصاية على الأبناء عند وفاة الزوج بعد أن رفع الحوار الوطني توصية بالإجماع إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي تطالب بجعل وصاية الأم على أولادها في المرتبة الثانية مباشرة بعد الأب، حيث كانت في تصنيف متأخر للغاية من قبل.

واتفقت القوى المجتمعية المختلفة على تعديل القانون رقم 119 لعام 1952 الخاص بأحكام الولاية على المال لتصبح الأم في المرتبة التالية للوصاية على أموال القاصر، متقدمة على الجد، نظرا للتغيرات الواضحة التي طرأت على المجتمع المصري وعدم إرهاق الأم في رعاية مصالح أبنائها وتركيز جهدها على حسن تربيتهم.

ومن المتوقع أن يحظى التعديل التشريعي بأغلبية برلمانية عقب تحويله من الرئيس السيسي إلى مجلس النواب، ويتوافر له تأييد واسع من المنظمات الحقوقية والنسوية وأعضاء البرلمان والأحزاب، أي أنه بات على بعد خطوات من التطبيق لينهي معاناة طويلة واجهت عددا كبيرا من الأرامل والمعيلات مع أسر أزواجهن بعد وفاتهم.

ونوقشت قضية الولاية في مسلسل تلفزيوني باسم “تحت الوصاية” في رمضان الماضي، وأثار العمل ضجّة كبرى بسبب ملف الوصاية على الأطفال بعد وفاة الأب، والصراعات التي تعيشها الأم مع أسرة زوجها، وتفاعلت معه وزارة العدل بعدم ممانعتها إجراء تعديل تشريعي لوقف معاناة النساء بعد وفاة أزواجهن.

الكثيرات من الأرامل في مصر يعانين من صعوبات بالغة التعقيد، حال قررن السحب من الميراث المالي الذي تركه الزوج

ودارت أحداث المسلسل، الذي لعبت دور البطولة فيه الفنانة منى زكي، حول ربة منزل وأم لرضيعة وطفل آخر توفى زوجها وبدأت في مواجهة المشاكل مع عائلته التي انتقلت إليها وصاية الطفلين (للجد تحديدا)، وعندما حاولت الأم نقل ابنها من مدرسة قريبة للمنزل والسحب من ميراثه الذي تركه الأب لم تستطع، بزعم أنها ليست وصيّة عليه.

وتعاني الكثيرات من الأرامل في مصر من صعوبات بالغة التعقيد، حال قررن السحب من الميراث المالي الذي تركه الزوج، طالما أن لديهن أبناء صغار، وعليهن أولا أن يتقدمن بطلب إلى المجلس الحسبي في البلاد بعد موافقة جد الأبناء من الأب، وإذا لم يحصلن على موافقته، فطلبهن يكون مصيره الرفض أو أن تتعاطف معهن المحكمة المختصة بصرف الأموال.

ويشير نظام المجلس الحسبي في مصر إلى قانون الولاية على أموال القُصّر (أي الأطفال)، وينص على أن الأم الأرملة ليس لها حق الوصاية أو التصرف المباشر في أموال أبنائها ممن لم يبلغوا سن الـ21 عاما، لأن الوصاية المالية تؤول بعد وفاة الأب بالتبعية إلى الجد ثم العم، والأم ليست ضمن دائرة الوصاية لا المالية أو التعليمية.

وتحدث الرئيس السيسي كثيرا عن التشريعات القديمة التي صارت ظالمة ومجحفة بحق الأم المصرية، بينها قانون حرمانها من الوصاية، وطالب بتعديلات جذرية عليها لتكون مناسبة للعصر، ودعا أرباب الأسر للتفكير وإعمال العقل بوعي ومنطق، بحيث تتحرك الحكومة في تحديث قوانين الأحوال الشخصية بشكل عام، والمقيدة للأم على وجه الخصوص.

ويوحي القبول المجتمعي بنقل الوصاية للأم من دون منغصات أو ممانعات تثير مخاوف الحكومة بأن غالبية الأسر لا تمانع تحديث وعصرنة التشريعات التي تحكم إطار العائلة، وتتعلق بالأحوال الشخصية، مثل الزواج والطلاق ووصاية الأم على أولادها، فالمهم أن يكون ذلك عبر حوار عقلاني مع إقناع الأغلبية بفرض الأمر الواقع.

وظل النقاش حول نقل الوصاية من الجد والعم إلى الأم بعد وفاة الزوج من المسائل الأسرية شديدة الحساسية، لأنها لا تزال جزءا من الإرث الفكري والثقافي المرتبط بالعادات والتقاليد والأعراف، لكن مع ظهور نماذج لنساء تعرضن للقهر والإذلال والابتزاز من جانب عائلات أزواجهن، صار هناك قبول نسبي لحل المشكلة بطريقة تضمن حقوق الأبناء.

ويمكن اختزال الأزمة الراهنة في الواقعة المريبة التي تعرضت لها ليلى علوان، وهي أم لطفل توفّي والده في سن صغيرة، وعند ذهابها لتقديم أوراقه إلى مدرسة خاصة، رفض العم (كون الجد متوفيا) بدعوى أن هذه المدرسة مصروفاتها مبالغ فيها، وقام بابتزاز الأم، إما أن تلحق طفلها بمدرسة حكومية عادية برسوم رمزية أو لا يتم التقديم له في أيّ مؤسسة تعليمية.

وحاولت الأم مرارا مع المدرسة الخاصة بأن تقبل أوراق طفلها، باعتبارها المسؤولة عن مستقبله التعليمي، لكن الإدارة تمسّكت بحضور الوصيّ بنفسه لدرجة أنها أقدمت على كتابة تعهد بأن تتولّى بنفسها الإنفاق على طفلها دون الحاجة إلى أموال من المجلس الحسبي أو ميراث الزوج، لكن عمّ الطفل رفض ذلك، باعتباره الوصيّ على أموال وتعليم أبناء شقيقه.

نقل الوصاية إلى الأم بعد وفاة الزوج من المسائل الأسرية المهمة
نقل الوصاية إلى الأم بعد وفاة الزوج من المسائل الأسرية المهمة

وقالت ليلى لـ”العرب” إنه من الظلم والقهر لكل أرملة مصرية أن تكون أمينة على تربية ورعاية أولادها، ولا يتيح لها القانون أن تكون حامية لأموالهم وتعليمهم، وطوال الوقت تكون في حاجة إلى وصيّ عليها وعلى أولادها، لكن للأسف هناك عقول ذكورية تتعامل مع المرأة بمنطق أنها فاقدة للأهلية، وقد تكون سببا في إفساد أولادها.

وأكد محمد هاني استشاري العلاقات الأسرية بالقاهرة أن المعضلة الأكبر لا ترتبط بعودة الوصاية إلى الأم بعد وفاة الزوج، وهذا منطقي وإنساني، لكن المشكلة الحقيقية ترتبط بنظرة الكثير من التشريعات المصرية إلى المرأة ودورها داخل الأسرة أثناء الحياة الزوجية أو بعد الطلاق أو عقب وفاة الزوج، حيث لا تزال بعض التشريعات لا تساوي الأب بالأم.

وأضاف لـ”العرب” المفترض أن تكون الولاية على المال والأبناء مشتركة بين الزوجين، طالما يعيشان معا تحت سقف واحد، وإذا توفى أحدهما تؤول الولاية إلى الطرف الآخر، وإذا حدث ذلك قد تنتهي غالبية المشكلات الأسرية، لكن أن يكون هناك طرف أعلى من الآخر في الصلاحيات والحقوق فهذا يكرس الخلل الموجود في تركيبة الأسرة المصرية التي يفترض أن تقوم على الشراكة.

وأوضح أنه من الظلم والقهر لأيّ امرأة أن تكون هي التي تتحمل كل المسؤوليات على عاتقها، ماديا ومعنويا وإنسانيا وصحيا، ولا تستطيع أن تكون لديها صلاحية مرتبطة بأولادها، وما فعله الحوار الوطني قمة العدل والمساواة، لأنه أعاد المشاركة النسوية والذكورية إلى مسارها الصحيح، فالحياة الأسرية لا تقوم على أفضلية طرف على الآخر، بل بالمساواة في كل شيء.

وتعاني أمهات مصريات توفي أزواجهن وتركوا لهن أبناء وميراث، حيث تتسول بعضهن أهل الزوج للحصول على جزء من المال لتنفق على أولادها، بل إن هناك أمهات لا يستطعن السفر برفقة الأبناء، لأن الجد أو العم يرفضان، بالتالي ليس لديهن الحد الأدنى من صلاحيات الأب في الأمور الخاصة بالتعليم والأموال والسكن والسفر.

15