مصر تكرّس الطلاق الشفهي وسط تحفظ أسري

قانون الأسرة يستجيب لرؤية الأزهر بحسم الطلاق دينيا.
الثلاثاء 2025/01/14
الأزهر حسم الجدل

أمام تمسك الأزهر برفض استبدال الطلاق الشفهي بالموثق، أذعنت الحكومة المصرية لذلك، بأن كلفت اللجنة القضائية المعنية بصياغة قانون جديد سيُعرض قريبا على مجلس الوزراء، ويتضمن مقترح القانون الجديد إلزام المأذون الشرعي بإبلاغ الزوجة بالطلاق خلال خمسة عشر يوما، إذا طلقها زوجها غيابيا، على أن يُعاقب الزوج جنائيا إذا لم يوثق الطلاق خلال أسبوعين من وقوعه.

القاهرة - تتجه الحكومة المصرية نحو تكريس الطلاق الشفهي بعد معارك خاضتها مع مؤسسة الأزهر التي رفضت تطبيق الطلاق الموثق، ودعمتها فئات مجتمعية عديدة، حيث أعلنت اللجنة القضائية المعنية بوضع قانون الأحوال الشخصية الجديد للمسلمين أن الطلاق الشفهي لن يتم إلغاؤه، ولن تترتب التزامات على الزوجة إلا من تاريخ علمها به.

وتضمن مقترح القانون الجديد الذي سيُعرض قريبا على مجلس الوزراء، إلزام المأذون الشرعي بابلاغ الزوجة بالطلاق خلال خمسة عشر يوما، إذا طلقها زوجها غيابيا، على أن يُعاقب الزوج جنائيا إذا لم يوثق الطلاق خلال أسبوعين من وقوعه، وغير ذلك يتعرض للحبس مع عدم الاعتداد بالطلاق وآثاره من ناحية النفقة والميراث، وإذا توفي ولم يُعلمها بالطلاق فسوف ترثه.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي صاحب مقترح إلغاء الطلاق الشفهي واستبداله بالموثق لتحجيم ظاهرة الانفصال في البلاد بعد أن وصلت إلى مستويات قياسية، وحاول إقناع الأزهر بشتى السبل أن يكون مرنا في تلك القضية، لكنه تمسك بالرفض لاستبدال الموثق بالشفهي، وأن الشريعة الإسلامية واضحة في هذه المسألة.

وتسعى الحكومة للحفاظ على الكيان الأسري من الانهيار عبر الحد من الطلاق، ولا ترغب في أن يصبح مستقبل العائلة متوقفا على كلمة يطلقها الرجل تجاه المرأة بأن يقول لها “أنتِ طالق”، ثم يذهب كلاهما إلى رجل دين ليحدد ما إذا كانت العلاقة بينهما مستمرة وأن الطلاق لم يقع، أم وجب عليهما الانفصال لأن الطلاق يقع.

الزوجة التي طلقت لفظيا ثم رفض زوجها توثيق الطلاق تصبح مضطرة إلى رفع دعوى في محكمة الأسرة لإثبات الواقعة

وتتلقى دار الإفتاء شهريا نحو أربعة آلاف استفسار عن الطلاق من أزواج نطقوا بعبارة “أنتِ طالق”، ولا تقر سوى بوقوع أربع أو خمس حالات فقط، أي أن الطلاق الشفهي لا يقع في معظم الأحوال، لكن الخوف من استمرار تحديد رجال الدين ما إذا كانت العلاقة الزوجية تستحق الاستمرار أم الانهيار.

وتدعم دار الإفتاء مواجهة استسهال الطلاق عقب وصول الأمر إلى حد إنهاء العلاقة بكلمة ينطقها الرجل دون توثيق، وظلت الأزمة في مؤسسة الأزهر دون اكتراث بأن الاستقرار الأسري وحماية حقوق المرأة يتطلبان قدرا من المرونة، لأن العلاقة الزوجية أكثر قدسية من أن تنتهي بكلمة ينطقها رجل وقت غضبه.

واستقبلت مؤسسات حقوقية معنية بشؤون المرأة الحديث عن تعزيز الطلاق الشفهي بامتعاض، لأن عدم تطبيق الطلاق الموثق سيجعل الزوجات أسيرات لأزواجهن، فهناك من يتم تطليقها شفهيا ولا يتم توثيق ذلك ويصعب عليها إثبات الواقعة ما لم يقم الرجل بالتوثيق، وإذا لم يفعل ذلك فإنها تظل معلقة، لا هي متزوجة ولا مطلقة.

وتنتشر في مصر ظاهرة الهجر الزوجي، حيث يقوم الرجل بتطليق زوجته شفهيا ثم يغيب عنها لفترة طويلة من دون أن تستطيع إثبات ذلك.

ورغم أن مشروع القانون الجديد عالج المسألة بإلزام الرجل بتطليق زوجته خلال أسبوعين وإلا عوقب جنائيا، تظل المعضلة في التحقق من واقعة الطلاق الشفهي، إذ يمكن أن ينكرها بسهولة.

وهناك حالات كثيرة لزوجات مصريات يعانين من إثبات الطلاق الشفهي، فالزوجة التي طلقت لفظيا ثم رفض زوجها توثيق الطلاق أو لم يعترف بما قاله، تصبح مضطرة إلى رفع دعوى في محكمة الأسرة لإثبات الواقعة، وربما تذهب إلى دار الإفتاء فتحصل على فتوى رسمية تفيد وقوع الطلاق شرعا، بينما تظل زوجة لطليقها أمام القانون.

وأكدت هالة حماد، استشارية العلاقات الأسرية في القاهرة، أن احتكار رجل دين تحديد وقوع الطلاق من عدمه لن يحقق الاستقرار الأسري بالشكل المأمول، ولا يجب أن يكون الانفصال عبر الحكم على ما إذا كان الرجل في وعيه أم لا، لأن ذلك يخضع لوجهة نظر شخصية، والمفترض الوصول إلى نقطة توافق تحسم الطلاق بالتوثيق.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن ظهور أشكال جديدة من الطلاق يستدعي تحديث الفصل في الانفصال، فهناك طلاق من خلال رسائل إلكترونية، أو أن يكتب الرجل خطابا لزوجته يبلغها فيه بأنها طالق، ما يتطلب مشاركة كل الأطراف الدينية والفكرية والثقافية والقضائية لحسم تلك المسائل، بعيدا عن الحكم من وجهة نظر دينية فقط.

هناك أصوات ترى ضرورة أن يكون الحل بعيدا عن القانون برمته، بحيث يتم استحداث بنود جديدة في عقود الزواج، تتضمن شروطا محددة بين الطرفين حول طريقة إنهاء العلاقة

وترى أصوات مناهضة لاستمرارية الطلاق الشفهي ضرورة أن يكون الحل بعيدا عن القانون برمته، بحيث يتم استحداث بنود جديدة في عقود الزواج نفسها، تتضمن شروطا محددة بين الطرفين حول طريقة إنهاء العلاقة، بحيث يتفقان معا على أن يكون الانفصال بالتوثيق وليس الطلاق الشفهي، وهي رؤية سبق أن دعمها بعض رجال الدين.

وطرحت من قبل فكرة استحداث عقود تفصل في الخلافات الزوجية، طالما ارتضى بها الطرفان، وقالت مؤسسة الفتوى إنها لا تخالف الشرع، بحيث يتم تدوين شروط الرجل والمرأة في عقد ملحق لعقد الزواج الشرعي، يدوّن فيه كل طرف ما يحتاجه، ثم يوقعان عليه في حضور الأسرتين والمأذون، ولا يحق لأيّ منهما الإخلال به.

ولم تقتنع الحكومة أو الأزهر بأن هناك في المجتمع حالة تمرد تسود شريحة ليست قليلة من الأزواج الجدد ترفض الاستسلام للتقاليد الدينية في مسائل الزواج، وهي إن كانت ظاهرة إيجابية لكنها خطيرة وتتسبب في اتساع دائرة الشقاق الأسري والعصيان والخروج على الأعراف للهروب من السطوة الدينية، بدليل وجود عقود زواج تنص على عدم وقوع الطلاق الشفهي.

ومن الصعب تعميم فكرة عقود الزواج المشروطة بعدم وقوع الطلاق الشفهي، لخوف كثيرين من أنها قد تكون فيها شبهة تحريم، لكن لا يجب أن يكون ذلك بديلا عن أسلمة نصوص الأحوال الشخصية واستسلام الحكومة أمام ضغوط الأزهر، وعدم المضي قدما في إقرار تشريع يشترط توثيق الطلاق لحماية الكيان الأسري.

ونجح الأزهر في قيادة حملة ضد قانون الأسرة الجديد، وحاول إحراج الحكومة بتقديم مقترح تشريعي إلى مجلس النواب بديل عن القانون الذي تعده لجنة قضائية حكومية. ولأن الظروف السياسية لا تسمح بالصدام بين الطرفين اضطرت الحكومة إلى مسايرة رؤية المؤسسة الدينية خشية انقلاب الشارع عليها.

ولفتت هالة حماد لـ”العرب” إلى أن الطلاق الموثق في صالح استقرار الأسرة بكل عناصرها، ولا يجعل حياتها مع شريكها مرتبطة بكلمة، ويجب عدم إغفال توعية الشباب المقبلين على الزواج بأهمية احترام العلاقة الزوجية، والطلاق لا يجب أن يكون الحل الوحيد للمشكلات، وهذا دور الأسرة والمؤسسات التوعوية.

ويعني الإبقاء على الطلاق الشفهي أن قانون الأسرة الجديد يزيد اقتحام الفقهاء ورجال الفتوى في القضايا الأسرية، ويتم اللجوء إليهم لحسم ملفات خلافية محل نزاع زوجي وعائلي، وستظل المحاكم الأسرية تعتمد على آرائهم في الفصل في المسائل الأسرية، خاصة باستطلاع رأي رجال الفتوى في مشروعية وقوع الطلاق لكل حالة.

15