مصر تقر اختبارات نفسية قبل الزواج لقياس القدرة على تكوين أسرة سوية

مواجهة مبكرة مع الطلاق السريع بفحوصات سلوكية قبل الارتباط.
الثلاثاء 2024/08/27
المأذون مطالب بالاطلاع على وثيقة الاختبار النفسي

يؤكد مستشارو العلاقات الأسرية في مصر أن الفحص النفسي قبل الزواج يمثل البداية الحقيقية لأيّ علاقة صحية، ويكرّس المصارحة بين الشريكين قبل الزواج ما يجعلهما يقرران الاستمرار في العلاقة أو إنهاءها. وأقرت الحكومة المصرية اختبارات نفسية قبل الزواج لقياس القدرة على تكوين أسرة سوية، وذلك لمواجهة الطلاق السريع الذي بات مزعجا، على الرغم من مبادرات التأهيل.

القاهرة - ذهبت السلطات الصحية في مصر إلى ما هو أبعد من إجراء فحوصات طبية للمقبلين على الزواج للتأكد من خلوهم من الأمراض العضوية والوراثية، وقررت أن تشمل الاختبارات إجراءات نفسية وسلوكية للوقوف على مدى قدرة الرجل والمرأة على تكوين أسرة سوية.

ويستهدف الاتجاه نحو الاختبار النفسي تحديد أوجه الخلل النفسي والذهني عند الشاب والفتاة قبل الزواج، للتعرف على طبيعة المشكلة، إن وجدت، والبحث عن حلول لها، مثل القلق الزائد عن الحد والأرق والخلل الاجتماعي والاكتئاب والتوتر وعدم ضبط النفس وقت الأزمات الطارئة.

وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إلزام المقبلين على الزواج بإجراء فحوصات نفسية، لكن أمام ارتفاع حالات الطلاق في السنوات الأولى من الزواج رأت السلطات الصحية حتمية الوقوف على طبيعة المشكلة من خلال التقييم النفسي للطرفين.

وقد لا يخلو الإجراء الطبي من ارتفاع منسوب العنف الأسري من الرجل تجاه المرأة والعكس، وبلوغه حد الظاهرة الأسرية التي تحتاج إلى حلول عاجلة، لذلك أصبح من الضروري شمولية الفحوصات وتطبيق الكشف النفسي كي يتعرف كل طرف على خصائص وطباع الشريك.

ويأتي تطبيق الاختبار النفسي استجابة لما سبق طرحه في جلسات الحوار الوطني في محور الأسرة، حيث طالبت منظمات نسوية وحقوقية وخبراء في الشؤون العائلية والطب النفسي، قياس استعداد الشباب والفتيات للزواج وقدرتهم على تكوين أسرة متماسكة من عدمه.

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي طالب بإيجاد حلول جذرية لأزمة الطلاق من خلال نشر ثقافة الزواج الصحي، ليكون هناك توافق وتكامل فكري ونفسي وعقلي بين الزوجين

وترغب الحكومة المصرية أن يكون الشاب والفتاة على دراية كاملة بحالة كل طرف قبل الزواج، ويطلع الشريكان على الطباع الصحية والنفسية والسلوكية لبعضهما، كي يكون الارتباط قائما على المصارحة لتجنب العنف والصدامات المستقبلية.

وبات الطلاق المبكر مزعجا للسلطات في مصر، على الرغم من مبادرات تأهيل الشبان والفتيات للزواج، من جانب وزارة الصحة والأزهر والكنيسة ودار الإفتاء وبعض مؤسسات المجتمع المدني، ما جعل لجنة الأسرة في الحوار الوطني تتمسك بتطبيق الاختبارات النفسية.

واقتنعت الحكومة بأنه مهما بلغت عقوبات العنف الأسري لن تنجح في تحجيم الظاهرة، لأن أساس المشكلة لم يُعالج، لاسيما إذا تزوج الرجل وهو يحمل خلل نفسيا ودون أن تعي المرأة هذه الحقيقة، والعكس صحيح، ما يفرض مواجهة استباقية عن طريق فحوصات نفسية مختلفة.

وكثيرا ما يتورط أحد الشريكين في الزواج من شخص يبدو هادئا ويحمل صفات ملائكية في بادئ الأمر، ثم يتحول إلى شخص آخر، طالما أن لديه مشكلة نفسية لم تُعالج قبل الدخول في علاقة محاطة بمسؤوليات وضغوط ومشكلات لم يعتد عليها.

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن العنف الزوجي، من جانب الرجل تجاه المرأة أو العكس، نتاج طبيعي لخلل نفسي لم يُكتشف مبكرا، ومن هنا تأتي أهمية فحوصات ما قبل الزواج، إذ تقود إلى علاج، وليس الوقوف على المشكلة فقط.

ويعتقد هؤلاء المتخصصون أن الوفاق السلوكي بين الشاب والفتاة عنوان مبكر لأسرة ذات كيان راسخ، والمعضلة أن بعض العائلات تتعامل مع هذه النوعية من الفحوصات بحساسية، باعتبارها قد تتسبب في انهيار العلاقة دون اكتراث بأهميتها لاحقا.

وطالب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بإيجاد حلول جذرية لأزمة الطلاق من خلال نشر ثقافة الزواج الصحي، ليكون هناك توافق وتكامل فكري ونفسي وعقلي بين الزوجين لحمايتهما وأولادهما من الوقوع في ورطة الانفصال، أو العنف.

وتوسّعت الحكومة في إجراء فحوصات شاملة قبل الزواج، لكنها لم تكن تتطرق إلى الشق السلوكي والنفسي، عندما يتم إلزام الشباب والفتيات بالفحوصات الطبية لعقد القران ليكون الرجل والمرأة على علم بكل شيء، وإلى أي درجة سيكونان متوافقين معا.

وينتج الطلاق المبكر أو العنف الزوجي عادة عن خلاف حاد في وجهات النظر بين الشريكين، حيث يفشل الرجل والمرأة في الوصول إلى نقطة تفاهم حول أيّ مشكلة، أو إدارتها بشكل هادئ وأحيانا تكون هناك ندية وتربص يقودان إلى عنف لا يتوقف.

الطلاق المبكر بات مزعجا للسلطات في مصر، على الرغم من مبادرات تأهيل الشبان والفتيات للزواج من جانب وزارة الصحة والأزهر
الطلاق المبكر بات مزعجا للسلطات في مصر، على الرغم من مبادرات تأهيل الشبان والفتيات للزواج من جانب وزارة الصحة والأزهر

وثمة شريحة من المقبلين على الزواج ليس لديهم الحد الأدنى من الوعي لطبيعة الأسرة أو تحمل المسؤوليات، ومع أول مشكلة يحدث الصدام الحاد، وعندما يكون أيّ من الطرفين لديه خلل أو اضطرابات سلوكية تقود لانهيار الأسرة بأسرع وقت ممكن.

قال المختص النفسي والاستشاري الأسري في القاهرة جمال فرويز إن الانهيارات السريعة للعلاقات الزوجية مرتبطة باضطرابات سلوكية كأن يشعر أيّ طرف بالإحباط السريع والهرب من التورط في علاقة أبدية، وهذا مطلوب كشفه مبكرا.

وأضاف لـ”العرب” أن مشكلة الكثير من الزيجات الحديثة في مصر عدم معالجة الخلافات بطريقة بعيدة عن العنف اللفظي أو الجسدي أو النفسي، وجزء من تحصين كيان الأسرة أن يتربى الأبناء داخل عائلة سوية، وتوعيتهم بأهمية العلاقة قبل إصابتهم بخلل متوارث.

ولفت إلى أن المجتمع لديه حواجز نفسية من الفحوصات السلوكية، ويتعامل معها كوصمة عار، بالتالي فالتحدي الحقيقي أمام السلطات الصحية نشر ثقافة مغايرة عن الفحوصات وتوعية الأسر بجدواها وليست عنوانا للفضيحة الأسرية.

ومن المهم قبل إلزام المقبلين على الزواج بالفحوصات النفسية أن يُعاد تحسين صورة الطب السلوكي في نظر الأسرة، للاقتناع بأن الاضطراب في الشخصية ليس تهمة لأحد، لكنه يفيد في العثور على علاج مبكر لكيان أسري قد يتصدع بسهولة.

ويتفق مؤيدون للخطوة على أن الفحص النفسي قبل الزواج يمثل البداية الحقيقية لأيّ علاقة صحية، ويكرّس المصارحة بين الشريكين قبل الدخول في شراكة مستدامة، بحيث يكون كل طرف على علم مسبق بمن سيعيش معه، وهل يستمر أم ينسحب.

وإذا تم إدراج الفحص النفسي ضمن شروط الزواج، من المستبعد أن يتنصل منه أيّ طرف، لأن المأذون (من يعقد الزواج رسميا) سيكون ملزما بعدم إبرام العقد دون أن يقدم الشاب والفتاة ما يثبت خضوعهما لهذا الفحص، بعيدا عن مضمون النتيجة.

وكما هو الحال مع الفحوصات الجسدية، فإن التقرير النفسي إذا أثبت أن الزواج غير صحي سلوكيا، يجب أن يوقّع الشاب والفتاة ما يفيد أنهما يوافقان على استكمال العلاقة ويتحملان تبعاتها، لكن لا يحق للمأذون توثيق العقد إلا بموافقة كتابية من الطرفين.

وتظل العبرة في الاستفادة من هذا الالتزام قبل الزواج أن يفكر الشاب والفتاة بعقلانية في استمرار العلاقة من عدمها، بلا استسلام للعواطف، لأن ذلك قد يقود إلى طلاق مبكر أو عنف لا يتوقف، إذا كان أيّ طرف ليس مستعدا لعلاقة أسرية سوية.

15