مصر تفعّل الحوار الوطني لمواجهة التحديات على الحدود الشرقية

الحكومة المصرية تبحث عن مخرج مدعوم سياسيا وشعبيا بشأن التعامل مع تداعيات حرب غزة.
الاثنين 2025/04/07
الجهة الشرقية تثير منغصات أمنية وسياسية

القاهرة - قررت الحكومة المصرية إعادة تفعيل منصة الحوار الوطني مرة أخرى مع تزايد وتيرة التوترات الأمنية على الحدود الشرقية مع قطاع غزة بعد تفاقم الأوضاع في المنطقة المتاخمة لمعبر رفح الحدودي، ومضاعفة الضغط على سكان غزة كجزء من سعي إسرائيل إلى تنفيذ خطة تهجيرهم خارج القطاع.

وتبحث الحكومة المصرية عن مخرج مدعوم سياسيا وشعبيا بشأن التعامل مع تداعيات حرب غزة، ولجأت إلى الحوار الوطني لرسم ملامح هذا المخرج كمظلة تجمع عددا من القوى السياسية، لكن المعضلة في مقاطعة بعض قوى المعارضة لجلسات الحوار.

وطلب رئيس الحكومة مصطفى مدبولي قبل أيام من وزير شؤون المجالس النيابية والتواصل السياسي محمود فوزي (رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني) تفعيل آلية الحوار حول ملف مستقبل المنطقة في ظل الأحداث الحالية.

ودعا مدبولي مجلس أمناء الحوار إلى بحث الخطوات المطلوبة لدرء المخاطر، وتخطي التحديات، وتأمين المصالح الوطنية مع التوترات الراهنة، دون إشارة بشكل صريح إلى أزمة غزة، والتي أصبحت تثير مخاوف متصاعدة في مصر.

عمرو هاشم ربيع: المعضلة الحقيقية في عدم تنفيذ الكثير من توصيات الحوار
عمرو هاشم ربيع: المعضلة الحقيقية في عدم تنفيذ الكثير من توصيات الحوار

وتمهد الخطوة لعودة الزخم السياسي إلى الحوار الوطني بعد فترة توقف، مع تحويل البوصلة من مناقشة قضايا محلية إلى أخرى إقليمية مرتبطة بالأمن القومي المصري.

وكان تطرق الحوار الوطني إلى ملف غزة مقتصرا على بيانات تُظهر الدعم والمساندة للموقف الرسمي في التمسك بإقامة دولة فلسطنية ورفض التهجير وعدم المساس بالأمن القومي المصري، ودعوة الشارع إلى الاصطفاف حول القيادة السياسية لاتخاذ ما يلزم لحماية الحدود الشرقية.

وعبّر هذا النهج عن تغير جذري في إستراتيجية الحوار الوطني، لأنه منذ البداية قرر عدم إدراج موضوعات الأمن القومي ضمن محاوره الرئيسية التي سوف يتطرق إليها، واقتصر الأمر على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما تحفظت عليه المعارضة آنذاك، ورأت أن ذلك ينتقص من جديته.

وتعتقد دوائر سياسية في القاهرة أن الاستعانة بمظلة الحوار لرسم ملامح مواجهة المخاطر التي تواجه الدولة من ناحية الحدود الشرقية المتاخمة لسيناء، تعكس زيادة المخاوف الأمنية من تعقد الأزمة المرتبطة بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ما يستدعي وجود توافق سياسي حول خيارات الحكومة.

وأثار هذا التوجه جدلا حول ترتيبات التصدي للمخاطر التي تهدد الأمن القومي، وتأمين المصالح الوطنية مهمة ومسؤولية مؤسسات الدولة الأمنية والدبلوماسية ولا تضعها القوى السياسية والحزبية، كما أن الحكومة يجب أن تكون لديها عدة خطط وبدائل سيناريوهات لهذه الأزمة.

وبرر رئيس الوزراء المصري الخطوة بأن الحكومة تدرك امتلاك الحوار الوطني نخبة متميزة من أصحاب الخبرات ورجال الفكر والمتخصصين في مختلف القطاعات، ورغم اختلاف رؤاهم وتوجهاتهم السياسية، لكنهم يجتمعون ويتفقون على القضايا والأولويات الوطنية، وتستفيد الحكومة من رؤاهم وأفكارهم.

الاستعانة بمظلة الحوار لرسم ملامح مواجهة المخاطر التي تواجه الدولة من الحدود الشرقية تعكس زيادة المخاوف الأمنية من تعقد الأزمة المرتبطة بتهجير الفلسطينيين

وأوحى تأكيد مدبولي على تمسك الحكومة بمخرجات الحوار في أزمة غزة وجود اختلاف في وجهات النظر بين بعض الجهات حول آلية التعامل مع الموقف الراهن وما قد يترتب عليه من منغصات أمنية وسياسية، وثمة رغبة في الاستفادة من أصحاب الخبرات داخل الحوار بما يتماشى مع الرؤية العامة للدولة.

والواضح أن هناك رغبة من النظام المصري في أن تكون قضايا الأمن القومي حاضرة في النقاشات بين القوى السياسية، مع أنها محل توافق كبير من المصريين عموما، لكن الهدف يرمي إلى التأكيد على وجود رؤية موحدة بين الدولة والقوى الوطنية المختلفة تجاه التعامل مع التهديدات المتصاعدة بوتيرة سريعة.

ويرى مراقبون أن مخرجات الحوار الوطني في ما يتعلق بقضية الحرب على غزة لن تكون مفيدة لإحداث المزيد من الحشد الشعبي والسياسي، لأن هناك التفافا من مختلف الفئات حول النظام لإدارة الأزمة وفق متطلبات الأمن القومي، دون الحاجة إلى مظلة حوارية تحشد الشارع خلف السلطة.

قال نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع إن مناقشة قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي لها خصوصية شديدة، وتختلف عن الملفات الداخلية من حيث متابعة الرأي العام لها، وغير محدد حتى الآن ما سيقدمه الحوار الوطني من رؤى مرتبطة بأزمة غزة.

مخرجات الحوار الوطني في ما يتعلق بقضية الحرب على غزة لن تكون مفيدة لإحداث المزيد من الحشد الشعبي والسياسي

وأضاف هاشم ربيع في تصريح لـ”العرب” أن المعضلة الحقيقية في عدم تنفيذ الكثير من توصيات الحوار، وسبق أن وُجهت الدعوة إلى وزير الخارجية المصري للمشاركة في جلسات الحوار المرتبطة بقضايا السياسة الخارجية وملفات الأمن القومي المرتبطة بالدولة ولم يحدث ذلك، ومطلوب من الحكومة إظهار الجدية في التعامل مع مقترحات الحوار.

وتراجع رهان المعارضة على الحوار لإحداث تغيير ملموس في الحياة العامة، لأنه في نظر الحركة المدنية أقرب إلى جلسات فضفضة والكثير من توصياته مجمدة، رغم إحالتها إلى الحكومة والبرلمان، ولم ينجح بعد في تحقيق منفعة للسلطة بإظهارها أنها منفتحة وتشارك الشارع في تصوراتها.

وتأمل الحكومة أن تحظى جلسات الحوار الوطني حول ملف أزمة غزة بمشاركة من الشخصيات والأحزاب المعارضة، لتكون هناك مصداقية في ما سيخرج من توصيات ومقترحات، بحيث يتم تقديمها للرأي العام على أنها معبرة عن توافق عام.

ومن غير المتوقع أن تستمر مقاطعة الحركة المدنية المعارضة لجلسات الحوار المرتبطة بقضية تلامس الأمن القومي للدولة المصرية، لأن هذا الملف كان أحد أهم مطالب المعارضة بأن تتاح للحوار مناقشة القضايا القومية والإقليمية، كما أنها تريد تغيير الصورة الذهنية عنها بأنها تبحث عن مصالح شخصية فقط.

وأعلنت المعارضة تأييدها الكامل للقيادة السياسية في اتخاذ ما يلزم لحماية الأمن القومي، لكن بعض مطالبها لا تتوافق مع التوجهات العامة للدولة، مثل الانسحاب من اتفاقية السلام مع إسرائيل وإغلاق سفارتها في القاهرة، والسماح بمظاهرات مستمرة.

وترفض الحكومة أن تكون التوصيات المرتبطة بقضايا الأمن القومي أقرب إلى اجتهاد من قوى قريبة منها أو محسوبة عليها، بما يثير شكوكا بأن تلك الرؤى جرى إعدادها مسبقا وأمليت على المشاركين في الحوار لإعادة إعلانها كتوصيات، لذلك تسعى الحكومة لإشراك المعارضة في مناقشة آلية التعامل مع تداعيات الحرب على غزة.

2