مصر تفرمل إعلام الشعوذة والفتاوى العشوائية في برامج البث المباشر

القاهرة- أثار موقف فضائية “إم.بي.سي- مصر” باستضافة العرافة ليلى عبداللطيف للحديث عن توقعاتها للعام الجديد، مساء السبت، موجة غضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط اتهامات لبرنامج “الحكاية” للإعلامي عمرو أديب، بأنه يتعمد إظهار التحدي لقرار حظر ظهور العرافين على القنوات الفضائية، لكن تبين أن الهيئات المعنية بإدارة المشهد لا تملك سلطة محاسبة قناة غير مصرية.
وتحدثت العرافة، التي تتم استضافتها نهاية كل عام للتنبؤ بأحداث السنة الجديدة، عن قضايا سياسية وأمنية شائكة تنتظر مصر، بينها عودة وزراء سابقين إلى الحكومة، ووقوع أحداث على الحدود سيتم التصدي لها بقوة، وأن حركة قناة السويس ستعود إلى ما كانت عليه، فضلا عن تعرض مصر لموقف سياسي كبير في السنة الجديدة.
وجاء موقف العرافة بعد أيام قليلة من قرار أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام بحظر استضافة العرافين والمنجمين والدجالين على جميع قنوات وإذاعات اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو)، على أن يتم استبدال العرافين بعلماء وأكاديميين ومثقفين لاستطلاع مستقبل المنطقة والعالم بالتفكير العلمي.
ويلزم القرار القنوات الرسمية بالابتعاد عن الترويج لخرافات المنجمين والمشعوذين مهما كانت شهرتهم، لأنهم يستهدفون إهانة العقل وتسفيه المعرفة وتأسيس شهرة كاذبة على توقعات لا سند لها، بينما واجب الإعلام مواجهة الجهل وتعظيم العلم والمنطق.
وقالت مصادر إعلامية لـ”العرب” إن قرار حظر ظهور المنجمين على القنوات يسري فقط على المحطات المملوكة للحكومة، ولا يسري على فضائيات غير مصرية، وتلك التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وتخضع للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
وأكدت التحركات المتسارعة من جانب الهيئات المنظمة للمشهد وجود توجه واضح من جانب الحكومة لإنهاء الفوضى التي ضربت الكثير من المنابر الرياضية والدينية والاجتماعية، ويظهر ذلك في سلسلة القرارات الأخيرة التي تستهدف تصويب مسار الخارطة البرامجية وإبعادها عن الإثارة والفتنة وتغييب الوعي.
واتخذ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام جملة قرارات جديدة تستهدف تنظيم البرامج الدينية على القنوات التلفزيونية والإذاعات المختلفة، بعد أيام من ضوابط مماثلة للبرامج الرياضية، حيث تقرر بشكل نهائي منع المداخلات الهاتفية على الهواء مباشرة من الجمهور لأيّ برنامج ديني، للقضاء على فوضى الفتاوى.
وألزم المجلس القنوات المختلفة بأن يتم تجهيز وعرض الآراء والاستفسارات والأسئلة بمعرفة فريق إعداد البرنامج المستضيف أحد المتخصصين بالشأن الديني بالطريقة المناسبة قبل بثها، بما يكفل عدم تضمنها أيّ إخلال بالقوانين والضوابط والمعايير المقررة، مع منع جميع الإعلانات خلال بث البرامج الدينية، للقضاء على فوضى التبرعات والتسول تحت غطاء ديني.
وهذه أول مرة تصدر جهات رسمية مشاركة في تنظيم المشهد الإعلامي تحذيرا بفرض عقوبات على المنبر الذي يشارك في فوضى الفتاوى أو تغييب الوعي بنشر الخرافات، خاصة أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لديه هاجس من قضية الوعي، في ظل ارتفاع معدلات الأمية ما يجعل هناك شريحة تصدق ما يروّج له.
واعتادت منابر إعلامية مؤثرة مناقشة قضية السحر والدجل واستضافة عرافين وتقديمهم للناس على أنهم يمتلكون قدرات خارقة، ما كرّس ثقافة الاستعانة بهؤلاء في كل ما يخص الأمور الحياتية، مع أن دور الإعلام مواجهة الخرافات لا الترويج لها.
وهناك برامج وصحف إلكترونية متخصصة في الترويج لقراءة الطالع، تدعو المشاهدين للحصول على استشارات كبار العرافين لحل المشكلات، وتحدد طريقة الوصول إليهم دون توجيه خطاب مستنير إلى الناس بأنه مهما صدقت توقعات هؤلاء، فهم عاجزون عن قراءة الغيب.
وعلى مستوى فوضى الفتاوى في البرامج الدينية كانت المعضلة الأكبر أن رجل الدين يُفتي على طول الخط ويُصدر الرأي الشرعي في نفس توقيت طلب الفتوى، دون أن يقرأ أكثر من تفسير ديني للواقعة المطلوب حسم الرأي حولها.
ويكتشف المتابع لطريقة تقديم الفتاوى في بعض البرامج الدينية أن ردود المفتين تكون سريعة ودون تفكير أو فحص أو بحث، فلا يقول للسائل سيبحث في المشكلة أو القضية ويرد لاحقا، ما تسبب في إصدار فتاوى مثيرة للجدل في قضايا معقدة.
وضاعفت ظاهرة “فتاوى الهواء” من تهافت الناس على طلب الرأي الديني في كل ما يخص شؤون حياتهم، لأن الموضوع سهل وكل ما في الأمر أن يكتب المستفتي تعليقا على صفحة البرنامج، أو يُجري مكالمة هاتفية ليتحاور مباشرة مع المذيع ورجل الدين لحسم المشكلة محل الاستفسار.
ويرى خبراء في مجال الإعلام أن وقف برامج الدجل والفتاوى العشوائية في المنابر الدينية خطوة تأخرت كثيرا، لكن العبرة في آلية تطبيق تلك القرارات، لأن هناك برامج تابعة لقنوات غير مصرية تستضيف عرافين ورجال دين يقدمون الفتاوى.
وقال عضو لجنة تطوير التلفزيون المصري سابقا ورئيس جمعية حماية المشاهدين في مصر حسن علي إن مشكلة بعض وسائل الإعلام أن لديها فهما خاطئا لمتطلبات الجمهور، وأيّ منبر يساير القضايا المثيرة يصعب أن يكون مهنيا، ومصر لم تعد تتحمل استمرار البرامج التي تغيّب الوعي أمام تراكم التحديات.
تغييب البرامج التي تعتمد على الدجل والفتاوى العشوائية للوصول إلى إعلام جاد ومؤثر تضع الكثير من المنابر في ورطة حقيقية، لأنها اعتادت التعويل على موضوعات مثيرة لاستقطاب الجمهور
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن وقف برامج الدجل وتصويب مسار نظيرتها الدينية خطوة إيجابية، لكن المهم عدم الالتفاف من أيّ منبر إعلامي طالما يُبث داخل مصر، لأن مشكلة الإعلام ليست في عدد القرارات التنظيمية، بل آلية تطبيقها بصرامة.
وتوحي بعض الشواهد بأن حالة الصراع الخفي بين الهيئات الإعلامية قاربت على الانتهاء، وأصبحت هناك رؤية متطابقة بين الجهات المختلفة لضبط المشهد، ولن يُسمح بتجاوز الأعراف المهنية ولو من برامج تبث من قنوات تابعة للشركة المتحدة، المملوكة لدوائر حكومية.
وظهر ذلك في اللقاء الذي عقد مؤخرا بين خالد عبدالعزيز رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وطارق نور رئيس مجلس إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي تمتلك أغلب القنوات والصحف والمواقع الإخبارية، حيث أعلن الطرفان تمسكهما بضبط المضمون السياسي والرياضي والديني والفني وغيرها من المضامين دون انتقائية.
وتوافق الطرفان على ضرورة اختيار الشخصيات القادرة على إيصال الرسالة الإعلامية وشرح التحديات التي تواجه الدولة بحقائق وشفافية، والاعتماد على الكفاءات التي لها مصداقية وقدرة على استعراض المشكلات وطرح الحلول.
وحمل اللقاء اعترافا غير مباشر بأن بعض الوجوه الإعلامية لم تعد تصلح للبقاء في الصف الأول، وهناك حاجة لتصعيد كفاءات أمام تهاوي صورة الإعلام، حتى أصبح المواطن نفسه يشعر أن الدولة لا تمتلك منابر مؤثرة طالما أن صورة الوسيط مشوهة.
كما أن تغييب البرامج التي تعتمد على الدجل والفتاوى العشوائية للوصول إلى إعلام جاد ومؤثر تضع الكثير من المنابر في ورطة حقيقية، لأنها اعتادت التعويل على موضوعات مثيرة لاستقطاب الجمهور، حتى أصبحت مطالبة بمناقشة قضايا جادة.
وبينما كانت بعض الأصوات تبرر إصرار بعض القنوات على مناقشة كل ما هو شاذ، لأنها مغلوبة على أمرها ومحاصرة بقيود لا تسمح لها بحرية التوغل في المحتوى الجاد، ترفض الأغلبية تلك الحجج، لأنه لا يمكن تبرير الإثارة والدجل بتراجع حرية الرأي أو تصوير المجتمع على أنه مغيّب ويدمن الخرافات.