مصر تفرض عقوبة على الأسر المتخاذلة عن إدراج المواليد بالسجلات الرسمية

يؤدي التأخير في إدراج المواليد في السجلات الرسمية إلى ضياع حقهم في التعليم وتمتعهم بالخدمات الصحية والطبية، وفي بعض الحالات قد يؤدي هذا التصرف إلى التحاقهم بأطفال الشوارع وبقائهم دون هوية، ما جعل السلطات المصرية تمنح فرصة أسبوعين فقط للأب لإبلاغ المؤسسات المعنية بأن له مولودا جديدا قبل أن يتعرض بعدها للمساءلة.
القاهرة – لجأت الحكومة المصرية إلى إشهار سلاح الترهيب بالعقوبات ضد الأسر المتخاذلة عن إدراج المواليد في السجلات الرسمية للدولة، وقدمت تعديلا تشريعيا إلى مجلس النواب يقضي بمحاسبة الأب إذا رفض أو تراخى عن إبلاغ المؤسسات المعنية بأن له مولودا جديدا ومنحته فرصة أسبوعين فقط قبل أن يتعرض بعدها للمساءلة.
واكتشفت الحكومة أن هناك الآلاف من الأطفال لا يتم تسجيلهم سواء بتسميتهم أو تحديد مواعيد ميلادهم أو استخراج الأوراق الثبوتية لهم، لأسباب خاصة بالأب أو انتقاما من الأم كنوع من الابتزاز المادي أو النفسي لإجبارها على الرضوخ إليه، خاصة لو كانت بينهما مشكلات أو اقتربا من الوصول إلى مرحلة الانفصال.
وفق إحصائيات رسمية صادرة عن محاكم الأسرة هناك ما يقرب من 17 ألف طفل متنازع على نسبهم أمام المحاكم، وهؤلاء يرفض الآباء استخراج أوراق ثبوتية لهم لوجود خلافات مع الزوجة، فلم يتم الانتهاء من إجراءات تسجيلهم بالدولة، بالتالي لا تعترف بهم أي مؤسسة رسمية فيها.

أحمد مصيلحي: فترة الأزمات الزوجية هي المرحلة الأخطر على الطفل
وقد تنجب الزوجة وقت خلافاتها مع الزوج ويلجأ إلى حيلة رفض تسجيل الابن لدى المؤسسات المعتمدة ليصبح الطفل مجهول الهوية، فلا هو يستفيد من خدمات الحكومة، ولا يحق له دخول المدرسة في المواعيد المحددة ولا يحصل على الخدمات الطبية المجانية بشكل دوري، ولا يكون بالطبع منتسبا لأب أو أم حتى يتم تصحيح الخطأ.
يلجأ بعض الأزواج إلى هذا السلوك لأجل لي ذراع الزوجة وإجبارها على الطلاق بعد التنازل عن بعض أو كل حقوقها أو إعادتها إلى منزلها مرة أخرى أو الاستجابة لمطالب الزوج حتى لو كانت مبالغا فيها، وغالبا ما تقبل الزوجة ذلك حفاظا على حقوق طفلها.
وتواجه بعض الأمهات أزمات معقدة، فمن غير المسموح لهن التعامل مع الجهات الحكومية في شأن نسب الطفل لأبيه أو استخراج الأوراق الثبوتية له طالما لا تمتلك حكما قضائيا يمكنها من ذلك إذا كانت غير مطلقة، أو لا تملك ما يثبت حقها في الولاية إذا كانت مطلقة، وهي في الحالتين بحاجة إلى حكم قضائي نهائي لتتحرك.
وتأخذ إجراءات التقاضي الخاصة بمحاكم الأسرة وقتا في مصر قد يصل إلى عامين لزيادة عدد القضايا المرتبطة بالخلافات العائلية، ووسط كل ذلك قد تضيع حقوق الطفل، وهو ما دفع الحكومة إلى التحرك نحو سن عقوبات على الأب الذي يتلاعب بمصير ابنه ولا يسجله خلال أسبوعين من موعد ولادته أو يتنصل من هذه المهمة.
وإذا كان الأب موجودا والطلاق لم يحدث رسميا أو شكليا، فالأم تكون بحاجة إلى اصطحاب أحد أقاربه من الدرجة الأولى، مثل جد الطفل أو عمه، لتوافق الجهة الرسمية على استخراج أوراق الطفل لها، ولو كان بحوزتها عقد زواج رسمي، لكن قد ترفض أسرة الزوج مساعدة الزوجة في الحفاظ على حقوق طفلها.
ورأى أحمد مصيلحي رئيس شبكة الدفاع عن حقوق الطفل المصري أن وضع عقوبات خاصة بعدم تسمية الابن تنهي مشكلات أسرية متجذرة في المجتمع، فهناك حالات كثيرة لآباء يرفضون استخراج أوراق ثبوتية لأولادهم تهربا من المسؤولية أو كعقوبة للأم على أنها تنجب البنات فقط أو حتى مساومتها على جزء من حقوقها.
وقال لـ”العرب” إن فترة الأزمات الزوجية هي المرحلة الأخطر على الطفل، إذ يكون وسيلة للابتزاز بين الأب والأم، وفي بعض المناطق العشوائية لا يتم الاهتمام باستخراج أوراق الطفل فيتحول بعض هؤلاء إلى مشردين في الشوارع.
ويشارك المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للأمومة والطفولة بمصر في دعم مشروع القانون أمام الحكومة للتسريع من وتيرة إنجازه، لما يسببه كل تأخير من أزمات للطفل، والأم فهي وإن أنجبت من رجل وفق زواج شرعي ففي النهاية تحمل طفلا بلا هوية وتكون مضطرة للجوء إلى القضاء لمنحه حقوقه الطبيعية.
وفق قانون الطفل يسقط قيد الطفل في السجلات الرسمية بعد مرور أسبوعين فقط من ولادته، وغالبا ما تكون الأم أكثر حرصا على سرعة التسجيل خشية تنصل الأب منه لأي سبب أو الإيحاء بأنه من رجل آخر لإدخال الزوجة في متاهة إثبات النسب، والمعضلة أن نفس الفكر أصبح ثقافة لدى موظفي مكاتب الصحة ويتحججون برفض التعامل مع الأم في استخراج أوراق الطفل خشية أن يكون نتاج علاقة غير شرعية.
هناك ما يقرب من 17 ألف طفل متنازع على نسبهم أمام المحاكم، وهؤلاء يرفض الآباء استخراج أوراق ثبوتية لهم
ويعتقد متابعون لهذا الملف أن سن عقوبات على التأخير في استخراج أوراق الثبوتية للطفل موجه بالأساس للأب المتنازع مع الأم، يستهدف الحدّ من ظاهرة وجود أبناء لزواج الأطفال (القاصرات) الذين يتم التهرب من تسجيلهم خوفا من اكتشاف الحكومة لواقعة الزواج ويتم توقيع عقوبات تصل إلى الحبس على المتورطين في هذه الزيجات.
وأكد أحمد مصيلحي أن أطفال الزواج العرفي أو القاصرات يدفعون ثمن أخطاء الأسرة بأكملها، وكثيرا ما تضيع حقوقهم القانونية بسبب عدم الاعتراف الرسمي بهم لعدم التسجيل، لافتا إلى أن الترهيب بالعقوبات يتطلب أن تتبعه حملة توعية واسعة عند الأهالي بخطورة ذلك على أولادهم والعائلة.
ولا يتم تسجيل أبناء القاصرات في مصر إلا بعد وصول الفتاة إلى السن القانونية، أي 18 عاما، في حين أنها قد تتزوج قبل ذلك، حتى لا يتم اكتشاف الأمر، وتتم معاقبة والدها، أو المسؤول عن تزويجها، ويظل الطفل دون تسجيل رسمي في الحكومة إلى حين بلوغ الأم السن القانونية.
وبعد بلوغها يتم تسجيل الطفل على أنه كان ساقطا من القيد، أيّ لم يتم تسجيله سهوا، ثم يقوم طبيب الوحدة الصحية التابعة لمحل السكن بمنحه سنا جزافيا، غالبا ما يكون أقل من عمره الحقيقي فيضيع حق الصغير في عدم التحاقه بالتعليم في الموعد المناسب، ولا يحصل على حقوقه الطبية وقت طفولته.
ويعيش أبناء زواج القاصرات طول فترة عدم بلوغ الأم السن القانونية مجهولي النسب والهوية، ولا تعترف بهم أي جهة ولو تم خطفه أو اختفى فجأة أو تعرض لأذى يصعب العثور عليه لأنه ليس منسوبا لأب أو أم، وفي نظر الحكومة مثل أطفال الشوارع.
وجدت الحكومة أن إجراء تعديل تشريعي يعاقب الأب أو المسؤول عن ولاية الطفل، يمكن أن يكشف حالات الزواج غير القانونية بسهولة، لأن استخراج أوراق الثبوتية يتطلب عقد زواج رسمي لتيم تسجيل اسم الأبوين، وحال اكتشاف أن الأم قاصرة تكون هناك مساءلة جنائية لمن قام بتزويجها، قد تصل العقوبة إلى السجن المشدد.