مصر تفرض ضوابط صارمة على الاعتكاف في المساجد خشية استغلالها سياسيا

لجان تفتيش تضيق الخناق على الإسلاميين.
السبت 2025/03/22
تحت أعين الدولة

تمثل المساجد أهم المراكز لإعادة تشكيل الرأي العام في مصر، وهو ما تعمل التيارات الإسلامية على استثماره لاسيما خلال شهر رمضان، الأمر الذي يدفع الحكومة إلى تكثيف الرقابة لسد الثغرات أمام تلك التيارات ومنعها من نشر أفكارها التي تتعارض مع خطاب الدولة.

القاهرة - قررت وزارة الأوقاف المعنية بإدارة المشهد الدعوي في مصر تضييق الخناق إلى الحد الأقصى على الإسلاميين خلال العشرة أيام الأخيرة من شهر رمضان، بوضع شروط ومعايير صارمة للتهجد والاعتكاف داخل المساجد خشية استغلالها سياسيا، والعبث بعقول بعض الناس وبث ما يحض على التطرف والتشدد.

وتشمل الخطة تكثيف المتابعة الميدانية بلجان تفتيش مفاجئة على الخطب والدروس اليومية والندوات للتأكد من هوية من يقدمونها في الأيام الأخيرة من رمضان، وعدم السماح لأي شخص غير معتمد من وزارة الأوقاف بالصعود إلى المنبر أو إلقاء الدروس أو الفتوى لضمان تقديم خطاب دينى بالأئمة المؤهلين فقط.

وأعلن وزير الأوقاف أسامة الأزهري أن لجان التفتيش مهمتها رصد أي مخالفات أو تجاوزات واتخاذ الإجراءات القانونية الحاسمة تجاه أي محاولة للخروج على معايير التهجد والاعتكاف بالمساجد، مع الحظر الكلي لتقديم أي دروس أو خواطر دعوية بالمسجد سوى من الإمام الرسمي، منعا للاستغلال السلبي من البعض لتلك الفترة.

وتقرر منع توزيع أي كتب أو منشورات أو مطويات داخل أماكن الاعتكاف، والتأكيد على أن الاطلاع على الكتب الدينية داخل مكتبة المسجد فقط، مع مراجعة مسبقة لمحتواها، للتيقن من وسطيتها وخلوها من أي نصوص أو دروس أو قصص تحمل قدرا من التطرف أو تتناقض مع سماحة الإسلام، بحيث تظل فترة الاعتكاف بالمساجد مخصصة للعبادة.

منير أديب: تتطلب الرقابة على المساجد لمنع تسلل المتطرفين متابعة يومية
منير أديب: تتطلب الرقابة على المساجد لمنع تسلل المتطرفين متابعة يومية

وتهدف الخطة إلى منع تسلل الدخلاء والتيارات المتشددة داخل بيئة الاعتكاف، خاصة أن تلك الفترة من كل عام تكون مناسبة مثالية لبعض التيارات، مثل الإخوان
والسلفيين، لنشر أفكارهم المتشددة، مستغلين الإقبال الكبير على دور العبادة في الأيام الأخيرة من شهر الصيام، والإقامة في المساجد لفترة طويلة دون خروج منها.

وسمحت وزارة الأوقاف سابقا أن يكون الاعتكاف والتهجد داخل المساجد بلا سقف زمني أو غلق مساجد بعينها، والسماح بأخرى أن تكون ساحة للاعتكاف، لكنها قررت أن تتيح تلك العبادة أمام الجميع في كل المساجد دون استثناء، المهم أن يكون ذلك تحت متابعة من لجان تفتيش يومية، ورقابة لحظية من الأئمة والوعاظ التابعين لها.

ويرى مؤيدون لنهج الحكومة أن الضوابط المحددة للاعتكاف كافية إلى حد بعيد لقطع الطريق على السلفيين للتحكم في الاعتكاف وطقوسه، وهم من اعتادوا تجميع الناس حولهم خلال تلك الفترة وقيادة جلساتهم وصلواتهم ودروسهم في المساجد، لأن الإمام الشرعي لا يتواجد طوال الوقت، ويحضر أثناء الصلاة فقط ويترك الفرصة للسلفيين.

وروّج مناصرون للإخوان والسلفيين أن الضوابط التي حددتها الأوقاف ترمي للمزيد من التضييق على المساجد، لكن الوزارة لم ترد أو تخفف من المعايير، لأنها السبيل الوحيد لقطع الطريق على المتشددين فكريا ومنع توظيفهم أيام الاعتكاف والتهجد لمآرب سياسية، ولم يكن أمامها سوى انتزاع ورقة مهمة منهم بالتفتيش المفاجئ عليهم.

ولم تغفل الأوقاف فرض المزيد من السيطرة على أماكن تحفيظ القرآن داخل المساجد خلال فترة الاعتكاف، وقررت أن تكون تلك المهمة تحت أعينها من خلال اقتصار التحفيظ على المقرئين التابعين لها، أو أئمة وخطباء المساجد، بحيث لا تكون دروس القرآن بابا خلفيا لاستقطاب الشباب من فئات مجتمعية متباينة، أغنياء وفقراء.

وتزدحم المساجد المصرية في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان بالمصلين من شرائح عمرية مختلفة، ويعتمد كل شيخ سلفي على أسلوبه وخبرته في استمالة البعض من المعتكفين ليكونوا تحت رعايته في تلك الفترة، ولأنهم مخضرمون في دغدغة المشاعر يسيطرون على بعض مرتادي المساجد في الإمامة والدروس والوعظ.

وجزء من مشكلة الأئمة والوعاظ والخطباء المكلفين برقابة الاعتكاف أن بعضهم لا يمتلك مهارات السلفي في استقطاب الناس، كما أن الكثير منهم، وإن لم يكن جميعهم، محاصرون بقائمة محظورات لا يجوز الاقتراب منها، والالتزام فقط برؤية وزارة الأوقاف بشأن القضايا الدينية المطلوب التطرق إليها داخل دور العبادة.

وحسب منير أديب، الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، فإن وضع ضوابط مشددة على الاعتكاف والتهجد انتكاسة للإسلاميين، لأن المساجد خلال تلك الفترة ساحة للتعبد من مختلف الفئات المجتمعية، وتظل العبرة في متابعة تطبيق الضوابط، وعدم خوف أي إمام أو خطيب من تفعيلها خشية الصدام مع متشددين.

وزير الأوقاف أسامة الأزهري يعلن أن لجان التفتيش مهمتها رصد أي مخالفات أو تجاوزات واتخاذ الإجراءات القانونية الحاسمة تجاه أي محاولة للخروج على معايير التهجد والاعتكاف بالمساجد

وأضاف أديب في تصريح لـ”العرب” أن الرقابة على المساجد لمنع تسلل المتطرفين إليها وتوجيه الناس لأفكار بعينها، تتطلب متابعة يومية على ما يدور ويثار داخل جلسات الاعتكاف، وهذا لا يتعارض مع الدعوة الوسطية بقدر ما يستهدف عدم توظيف المساجد لتحقيق أهداف معينة، لاسيما وأن السلفيين يجاهدون لترميم شعبيتهم عبر رواد المساجد.

والتحدي الكبير أمام وزارة الأوقاف خلال تلك الفترة أنها لا تمتلك خطة واقعية للسيطرة على المساجد التي تعاني عجزا في الأئمة والخطباء ولا تزال بعيدة عن الرقابة والمتابعة، وسوف تظل بالنسبة للإخوان والسلفيين بديلا مثاليا للمساجد التي لا يوجد بها نقص في العمالة، كنوع من التمرد على محاصرتهم في المساجد الكبيرة.

وتعاني بعض المساجد في مصر من نقص في الأئمة والدعاة والوعاظ لأنها أنشئت دون تخطيط ولم يتم ضمها إلى الأوقاف، وهذه ثغرة يستثمرها سلفيون للقيام بمهام الإمام الرسمي، والمعضلة عندما يكون فيها اعتكاف وتهجد طوال اليوم لأن الناس لن تجد أمامها بديلا عن الشيوخ لتلقي الدروس والخطب والتفسيرات وحفظ القرآن.

ويبلغ عدد المساجد في مصر نحو 180 ألفا، ورغم ذلك لا يتخطى عدد العاملين أكثر من 56 ألفا، مقسمين بين الأئمة والخطباء والعمال، في حين أنه إذا تم احتساب كل مسجد بأنه يحتاج إلى ثلاثة موظفين، فإن العدد المفترض لا يقل عن 480 ألف شخص، ما يعكس حجم العجز المرتبط بقطاع شؤون الدعوة.

والمشكلة أن شيوخ السلفية ومعهم شخصيات تدين بالولاء لجماعة الإخوان يداومون على مناكفة الحكومة عبر تلك المساجد غير الرسمية، فلا يلتزمون بضوابط الاعتكاف والتهجد، أو محتوى الخطبة المكتوبة أيام الجمعة، ويعقدون جلسات دورية داخل المساجد ويديرونها بالطريقة التي تخدم أهدافهم، ويقدمون خدمة الفتوى طوال الوقت.

ومهما كانت ضوابط وزارة الأوقاف صارمة في التهجد والاعتكاف، فإنها لن تسلم من وجود ثغرات بسبب التقصير في توفير الدعاة بالمساجد الصغيرة، في المدن والمناطق الشعبية والريفية، وكلما استمرت تلك الأزمة ستكون حلول مكافحة التطرف منقوصة، خاصة أن المسجد من أهم أدوات تشكيل الرأي العام في مصر.

2