مصر تفرض تأهيل المقبلين على الزواج لمواجهة استسهال الانفصال

فرضت الحكومة المصرية على المقبلين على الزواج الخضوع لدورات تأهيلية تساعد في نشر التوعية بعملية تكوين الأسرة بغاية الحد من نسب الطلاق. وميزة هذه الدورات أنه سيتم تطبيقها من خلال المحاكاة، أي سرد المشكلات التي تواجه أغلب الأسر وشرح طريقة حلها دون تصعيد من الطرفين. وكان المسح الأسري لعام 2021 قد كشف عن أرقام صادمة لارتفاع معدلات الطلاق في مصر.
القاهرة– استقرت الحكومة المصرية على أن يحصل المقبلون على الزواج في الفترة المقبلة على دورات إرشاد أسري إلزامية قبل إبرام العقود الرسمية على أيدي المأذونين للتغلب على أزمة الطلاق المتصاعدة في المجتمع، من خلال نشر التوعية بطريقة تكوين أسرة، ووقف جهل الشبان والفتيات بالحقوق والواجبات لكل طرف.
وقالت نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي إنه سيتم إلزام المقبلين على الزواج بالحصول على دورات “مودة” لإعدادهم للحياة الزوجية، وهو مشروع أطلقته الوزارة بتوجيه من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، كانت المشاركة فيه اختيارية وليست إجبارية، لكن تقرر أن تصبح إلزامية على كل شاب وفتاة.
وأضافت في تصريحات إعلامية أن الحكومة قاربت على الانتهاء من ملامح المشروع وتطبيقه لتكون الدورات المؤهلة للزواج إلزامية كتدريب يحصل عليه الشبان والفتيات من خلال خطوات محددة، ويتم التدريب فيها على بناء أسرة مستقرة وطرق حل المشكلات وكيفية التفاهم وتقريب وجهات النظر بين الطرفين.
الحكومة المصرية قاربت على الانتهاء من ملامح المشروع وتطبيقه لتكون الدورات المؤهلة للزواج إلزامية للشبان والفتيات
وتستهدف الحكومة تأهيل المقبلين على الزواج نفسيا وسلوكيا واجتماعيا وتعريفهم بشكل العلاقة بعد الارتباط الرسمي، ما يخفف من وطأة التغيير الجذري الذي يحدث في حياتهم وتصرفاتهم بعد الانتقال من العزوبية إلى الحياة العائلية ثم مرحلة تكوين أسرة، وهذه فترة تتطلب وعيا بكيفية إدارة العلاقة مع الشريك.
وحظي المشروع بدعم العديد من الأصوات النسوية والأسرية، باعتبار أن انتقال أي شاب وفتاة من مرحلة المراهقة إلى المسؤولية من دون فهم ووعي لما سوف يقابل كليهما من مسؤوليات قد يؤدي إلى الكثير من الأزمات التي ربما يخفق كلاهما في حلها بسهولة، ومن هنا تأتي أهمية التوعية بمتطلبات الحياة الزوجية.
ومن المقرر أن يشارك في الدورات التأهيلية الإلزامية للزواج أعضاء من فروع وتخصصات مختلفة، من بينهم رجال دين وخبراء في القضايا الأسرية والنفسية والاجتماعية والصحة الإنجابية والتربية الصحيحة للنشء لتوعية كل طرف بخطوات الارتباط وتكوين عائلة مستقرة والتعريف بالمفاهيم الصحيحة للزواج والمسؤوليات.
ويأتي القرار الحكومي بإلزامية الدورات المؤهلة للزواج بعد أيام قليلة من إعلان المسح الأسري لعام 2021 عن طريق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (جهة حكومية)، والذي كشف عن أرقام صادمة لارتفاع معدلات الطلاق في مصر بنسبة 15 في المئة، تم تسجيل 255 ألف حالة طلاق في العام الماضي مقابل 222 ألفا في العام الذي سبقه.
وترغب وزارة التضامن الاجتماعي، باعتبارها المشرفة على مشروع “مودة” الأسري، في تشكيل لجان لتأهيل المقبلين على الزواج في كل إقليم مصري، من مهامها التوفيق بين الأزواج وقت الخلافات لمنع وصول المشكلة إلى الطلاق، وتقديم الدورات التأهيلية بطريقة تتناسب مع ثقافة البيئة السكانية لا بشكل منفصل عن الواقع.
ويرى متخصصون في العلاقات الزوجية أن نجاح تجربة التأهيل الإجباري للمقبلين على الزواج في دول مثل السعودية والأردن وماليزيا وما حققته من نتائج إيجابية على مستوى خفض معدلات الطلاق يعني أن استمرار عدم الفهم الصحيح للزواج وقدسية الحفاظ على العائلة سوف يظل خطرا على العلاقات الأسرية، عكس مزايا فرض التأهيل بشكل إلزامي.
ويعتقد هؤلاء المتخصصون أنه لم يعد هناك بديل عن تغيير مفاهيم الزواج لدى الشباب، وأن العلاقة الزوجية ليست مجرد وسيلة لإشباع غريزة أو عاطفة، وبمجرد تحقيق الغرض من ذلك يمكن بسهولة أن تنهار العلاقة وتصل إلى مرحلة الانفصال، لأن جزءا من المشكلات الأسرية المعقدة يكمن في استمرار المفاهيم المغلوطة عن مؤسسة الزواج.
وقالت عنان حجازي استشارية العلاقات الأسرية وتقويم السلوك بالقاهرة إن التأهيل المبكر للزواج يرفع من مستوى الوعي بمنظومة الحقوق والواجبات الزوجية قبل الانتقال من مرحلة المراهقة إلى المسؤولية من دون فهم ووعي وخبرة، لأن ذلك يقود لتتحول العلاقة بين الطرفين إلى سجن وتصبح ملغمة بالصراعات.
وأضافت لـ”العرب” أن الزواج دون حصول كل طرف على معرفة كبيرة بالعلاقة مع الآخر وإدارة الحياة معه يجعل أي خلاف يهدد العلاقة برمتها حتى لو نتج عنها أطفال، وهذا ما يفسر ارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الأولى من الزواج إلى درجة أن بعض حديثي الارتباط ينفصلون بعد شهور لأسباب واهية ويصعب تصديقها.
وصحيح أن مؤسسة الأزهر تقدم دورات تأهيلية للمقبلين على الزواج، وهناك أيضا الكنيسة وبعض المؤسسات الحقوقية المدنية، لكن الفكرة في كون المشاركة في هذه الدورات لا تزال اختيارية، ثم إن أغلب المشاركين في تقديمها رجال دين أو من المتخصصين في نواح غير أسرية، أي أنها منقوصة ولا تتطرق إلى المفاهيم الصحيحة للزواج، وهو ما يفسر استمرار معدلات الطلاق المرتفعة.
ربط توثيق عقود الزواج بخوض الدورات التأهيلية هو حل لا غنى عنه أمام رفض الكثير من الرجال خوض تجارب توعوية قبل الزواج بذريعة أنها تمثل حرجا لهم وقد تقلل من رجولتهم
ويشير البعض من الخبراء إلى أن الأزمات المجتمعية وموجات الغلاء وصعوبات المعيشة تنعكس بشكل سلبي على مزاج الأزواج وأفراد الأسرة الواحدة، وبالتالي من الضروري معالجة الحالة النفسية للوصول إلى علاقة زوجية راسخة، لأن كل شريك بحاجة إلى من يتحدث معه ويسعى إلى الحصول على مساعدته لحل مشكلته بطريقة سهلة بعيدا عن الوصول إلى مرحلة الطلاق.
وأكدت عنان حجازي لـ”العرب” أن الكثير من الراغبين في الانفصال، لاسيما من المتزوجين حديثا، يرفضون من داخلهم قرار الطلاق وإنهاء العلاقة لكنهم يصلون إلى مرحلة العجز عن حل المشكلة بعد الشعور باليأس والإحباط، ومن هنا تأتي أهمية الدورات المؤهلة للزواج، حيث تنير بصيرة الشبان والفتيات بشكل نفسي واجتماعي وتكشف لهم التصرفات الصحيحة وقت الغضب أو الأزمات.
وميزة الدورات التأهيلية أنها سيتم تطبيقها من خلال المحاكاة، أي سرد مشكلات تواجه أغلب الأسر وشرح طريقة حلها دون تصعيد أو عناد من الطرفين، ولن تتحول الدورات إلى جلسات روتينية عقيمة، لكنها ستناقش واقع الأزمات التي يعاني منها الأزواج أنفسهم وتقدم الحلول اللازمة لها وطرقا للتعامل بصورة مختلفة معها.
ويعتقد البعض من المؤيدين لإلزامية الدورات التأهيلية أن فكرة الإجبار مطلوبة في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد، في المقابل هناك من يرون في مثل هذه الدورات مدعاة للتحرر من الأفكار والقيود الأسرية، ما يمهد لتصبح المشاركة الإلزامية للمقبلين على الزواج بداية لاختراق ثقافة متحجرة حول العلاقة الزوجية واختزالها في الجنس.
كما أن ربط توثيق عقود الزواج بخوض الدورات التأهيلية هو حل لا غنى عنه أمام رفض الكثير من الرجال خوض تجارب توعوية قبل الزواج بذريعة أنها تمثل حرجا لهم وقد تقلل من رجولتهم، فيخوضون العلاقة الزوجية وهم جهلاء بالحد الأدنى من المعارف حول طبيعة تكوين أسرة مستقرة ليصبح الطلاق نتيجة منطقية لتعنت هؤلاء.