مصر تعول على وعي القاصرات لتحصينهن من الأمومة المبكرة

خطط مواجهة تزويج الصغيرات التي ركزت على الأسرة لم تؤت ثمارها.
الأربعاء 2024/06/26
زواج القاصرات يعد جريمة

يؤكد متابعون لملف الزواج المبكر في مصر أن عدم مشاركة الصغيرات في مواجهة الظاهرة سيجعل الأزمة مستمرة، مهما كانت العقوبات القاسية المسلطة على الأسر التي تزوج بناتها مبكرا. ويرى المتابعون أن مشكلة الحكومة تكمن في إغفال مخاطبة ضحايا الأمومة المبكرة أنفسهم، مقابل تركيز الجهود التوعوية على أرباب الأسر، داعين إلى أن يكون الخطاب الرسمي موجها إلى الفتيات بشكل أساسي.

القاهرة - أظهرت محاولات عدة أسر مصرية تزويج فتيات دون بلوغهن السن القانونية قبل أيام أن زواج القاصرات مازال يشكل منغصا للحكومة والهيئات المعنية بالطفولة في القاهرة، لكن الميزة الأهم تكمن في ارتفاع منسوب الوعي لدى الفتيات وجرأتهن في الإبلاغ عن أسرهن، ما قاد إلى إحباط عدد من الزيجات قبل إتمامها، وهو تحرك تعول عليه الحكومة المصرية لمواجهة الظاهرة.

وقامت فتيات بإبلاغ المجلس القومي للأمومة والطفولة هاتفيا باقتراب تزوجيهن دون إرادتهن، وبعد التأكد من صحة الواقعة تحرك المجلس سريعا وقام بإبلاغ وزارة الداخلية التي تعاونت مع مؤسسات اجتماعية يرتبط عملها بمجلس الطفولة بالنزول إلى الأهالي وإحباط الزيجات، وأخذ تعهدات كتابية من أرباب الأسر بعدم إجراء الزواج قبل بلوغ الفتيات 18 عاما.

وأعلن المجلس القومي للطفولة أن وعي الصغيرات ميزة كبيرة تساهم بشكل فعّال في تحجيم الأمومة المبكرة، وسيتم العمل على ذلك في الفترة المقبلة. لكن ذلك لا يعني تجاهل توعية الأسر بمخاطر زواج الأطفال نفسيا وصحيا واجتماعيا، مع التعاون مع أجهزة الشرطة والقضاء لمحاسبة كل ولي أمر يُجبر ابنته على الزواج المبكر.

أحمد مصيلحي: القوانين تُعاقب على الفعل لكن الحل منع الفعل نفسه
أحمد مصيلحي: القوانين تُعاقب على الفعل لكن الحل منع الفعل نفسه

وعكست الواقعة الأخيرة أن خطط الحكومة لمواجهة ظاهرة تزويج القاصرات لم تؤت ثمارها بعد، بدليل بقاء ثقافة الزواج المبكر عند الكثير من الأسر، خاصة في مناطق ريفية وشعبية وقبلية، وأصبحت المواجهة قاصرة تقريبا على وجود وشاية من بعض السكان في المنطقة ضد الأسر التي تعتزم تزويج الابنة في سن صغيرة، أو استغاثة الفتاة نفسها لإنقاذها من الزواج.

وكانت الفتيات اللاتي أبلغن عن الواقعة في سن الرابعة عشرة، ما يوحي بأن وجود خطاب توعوي يستهدف تلك الشريحة وتعريفها كيفية التصرف حال تعرضت لضغوط أسرية لإجبارها على الزواج أصبح ضرورة ملحة، لأن التعويل على وعي العائلات نفسها لم يأتِ بنتائج ملموسة، بقدر الميزة التي ستعود على المجتمع من مخاطبة الضحية.

وتمسكت الفتيات في بلاغاتهن ضد أسرهن باستكمال مراحل التعليم وتحقيق أحلامهن في الالتحاق بالجامعات، فالزواج المبكر دائما ما يأتي على حساب التعليم، ويتم إجبار الطفلة على التسرب من المدرسة لتصبح زوجة وربة منزل، وهو ما لم يعد يروق للكثير من الأجيال الصاعدة التي بات التعليم بالنسبة إليها أكثر أهمية وقيمة من الزواج.

وكشف استطلاع للرأي أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري مؤخرا أن 82 في المئة من البالغين ثمانية عشر عاما فأكثر أبدوا اعتراضهم على زواج الفتيات قبل استكمال تعليمهن وبلوغهن السن القانونية (18 عاما)، واعتبروا التعليم أولوية ترتبط بأهمية أن تكون الأم متعلمة ومثقفة وواعية بقيمتها الأسرية ودورها المحوري في المجتمع.

وأقرت غالبية من شملتهم عينة البحث بأن التعليم حق أساسي للفتاة، ويجلب إلى الأسرة مكاسب عدة في المستقبل، سواء كانت في مرتبة الأم أو الأخت أو الزوجة، لأنها حجر الأساس في التنمية والتحضر والوعي والتثقيف، ما يشير إلى أن النسبة الأكبر من المقبلين على الزواج تدعم تعليم المرأة جيدا قبل تزويجها مبكرا، وهي ثقافة انتقلت تدريجيا إلى شريحة كبيرة من الفتيات.

ويعتقد متخصصون في العلاقات الاجتماعية بالقاهرة أن ارتفاع منسوب الوعي لدى الأجيال الصاعدة، ذكورا أو إناثا، ولو كانت أعمارهم أقل، لم يتم استثماره بعد من جانب المؤسسات المعنية بملف زواج القاصرات، لأنه مهما كانت هناك عقوبات قاسية على الأسر التي تزوج بناتها مبكرا دون مشاركة الصغيرات في مواجهة الظاهرة، ستظل الأزمة مستمرة.

والميزة التي يمكن البناء عليها هي أن الصغيرات اللائي أبلغن عن أسرهن لإنقاذهن من الزيجات المبكرة يعشن في مجتمع الصعيد (جنوب مصر) الذي تحكمه عادات وتقاليد وأعراف صارمة، ومن النادر أن تتمرد فيه الفتاة على الأسرة، الأمر الذي يعكس حجم التغير الذي طرأ على الأجيال الجديدة، وهو ما يفرض على المجلس القومي للطفولة استثماره في مواجهة الظاهرة وتحجيمها.

وبدت هناك جرأة غير معهودة لدى الكثير من الفتيات في الاحتجاج ضد قرار الأسرة والضغوط الواقعة عليهن لإجبارهن على حياة زوجية لا يقبلنها أو الزواج بأشخاص لم يخترنهم، وهي إشكالية لا تستوعبها شريحة معتبرة من العائلات ولا تكترث بزيادة منسوب الانفتاح والوعي لدى بناتها، ولو كن في سن صغيرة، وهو ما ظهر أخيرا في إبلاغ فتيات ريفيات عن آبائهن لتأمين مستقبلهن.

الميزة التي يمكن البناء عليها هي أن الصغيرات اللائي أبلغن عن أسرهن لإنقاذهن من الزيجات المبكرة يعشن في الصعيد
الميزة التي يمكن البناء عليها هي أن الصغيرات اللائي أبلغن عن أسرهن لإنقاذهن من الزيجات المبكرة يعشن في الصعيد

ويؤكد متابعون لملف الزواج المبكر أن مشكلة الحكومة تكمن في إغفال مخاطبة ضحايا الأمومة المبكرة أنفسهم، مقابل تركيز الجهود التوعوية على أرباب الأسر، وطالما أن لديها أدوات على الأرض تمكّنها من وقف أي زيجة مبكرة عند الإبلاغ عنها فمن المفترض أن يكون الخطاب الرسمي موجها إلى الفتاة بشكل أكبر من خلال الإعلام والمؤسسات التعليمية والطرق الرقمية.

وقال رئيس شبكة الدفاع عن أطفال مصر أحمد مصيلحي إن السبيل إلى مواجهة ظاهرة الزواج المبكر مواجهةً مثلى هو استقطاب الفتيات بخطاب يتناسب مع أعمارهن،

وتعريفهن كيفية الاستغاثة ضد أي تصرف يجبرهن على أوضاع حياتية مرفوضة، ولو كانت من عائلاتهن، وتوعية الصغيرات أهم بكثير من وجود قوانين وعقوبات موجهة إلى الأسر التي تصر على الزواج المبكر.

وأضاف لـ”العرب” أن القوانين تُعاقب على الفعل، لكن الحل الواقعي منع الفعل نفسه، وهذا يحدث عندما يرتفع منسوب الوعي عند الصغيرات ليتم وقف الزيجات بحل استباقي، ويمكن نشر ثقافة الاستغاثة من الزواج المبكر بطرق كثيرة، أهمها المناهج التعليمية والأفلام القصيرة الموجهة إلى الفتيات والإعلانات التلفزيونية والرقمية التي تعرفهن كيفية إنقاذ أنفسهن.

وتزداد قيمة توعية الفتيات أنفسهن عندما تكون معدلات الأمومة المبكرة مرتفعة في مناطق ريفية وشعبية، أغلب أرباب الأسر فيها أميون، ولا يستوعبون خطاب التوعية، والترهيب بالعقوبات. وهنا تكون الميزة في فهم ووعي الأنثى بحقوقها كاملة، وقدرتها على الوصول إلى الجهات المختصة للإبلاغ عن تعرضها لضغوط أسرية، كالزواج المبكر.

ومن المهم، وفق مصيلحي، زيادة الأعمال الفنية التي تناقش زواج القاصرات بشكل متعمق، على أن تكون موجهة بشكل أكبر إلى الضحية، لتكون أكثر إدراكا وفهما للمشكلة وأبعادها، ومنحها الحلول الواقعية لإنقاذ نفسها إذا تعرضت لضغوط، والأهم تعريفها بأن جسدها ملك لها ويحق لها الدفاع عنه ضد أي انتهاك، ولو من أفراد أسرتها.

كما أن هناك فتيات أنقذن أنفسهن من الزيجات المبكرة بمجرد التواصل مع الجهات والمؤسسات التي يتيح لها القانون التدخل لإنقاذ ضحية الزواج المبكر، فإن خطاب التوعية الموجه إلى الفتيات ليس صعبا، ويكفي أن تُجري الفتاة مكالمة هاتفية للجهة المختصة، لتوقف الزيجة، لكن هذا التصرف يتطلب وعيا وشجاعة استثنائية من الفتاة نفسها.

لكن ذلك لا يعني تجاهل التوعية الأسرية لحساب التركيز على الفتيات، بل من الضروري السير في المسارين معا، لمحاصرة أسباب المشكلة، بحيث يكون هناك خطاب للقاصرات وآخر للآباء والأمهات بعيدا عن اختصار المواجهة في طرف واحد، لأن هناك مستجدات على الأرض تفرض على الحكومة تغيير الخطة، إذا أرادت تحقيق نتائج إيجابية.

16