مصر تضع حدا لابتزاز الأمهات بمنحهن حق تسمية أطفالهن

يسمح القانون الجديد للأم المصرية بإصدار شهادة ميلاد ابنها دون شرط حضور الأب طالما بإمكانها الاستظهار بعقد الزواج الرسمي، ما ينهي حقبة من الاستغلال كانت تتعرض لها الأمهات حال رفض الآباء تسمية أطفالهم حديثي الولادة ما يحرمهم من بعض الحقوق. وهناك أمهات اضطررن للاستجابة لمساومات الآباء وشروطهم لينقذن أولادهن من المصير المجهول دون اللجوء إلى القضاء.
القاهرة - رسّخت تعديلات تشريعية صادق عليها مجلس النواب المصري بشأن قانون الطفل أحقية الأمهات في تسمية أبنائهن، وأرست مزيدا من الحقوق لصالح المرأة بعد أن وضع القانون الجديد حدا لإذلال كان يتعامل به بعض الآباء مع أمهات حال رفض منحهن حق تسمية الطفل.
وبات بإمكان الأم المصرية بموجب التعديلات الجديدة إصدار شهادة ميلاد ابنها دون شرط حضور الأب طالما بإمكانها الاستظهار بعقد الزواج الرسمي، وهي ميزة حُرمت منها على مدار عقود، حيث كان حق تسمية الأبناء حكرا على الرجال (الآباء) فقط.
وبرر أعضاء مجلس النواب موقفهم من إدخال الأم طرفا في تسمية ولدها بأنه ليس من العدل أن يظل استخراج شهادة ميلاد الطفل قاصرا على والده، ويجب أن تشاركه الأم شريطة إثبات العلاقة الزوجية، ولا يصح إهانة الزوجة أو مساومتها لحصول ابنها على الحد الأدنى من حقوقه، بأن يكون له اسم يميزه وأوراق ثبوتية تحفظ له مكانته.
وتحرك البرلمان في هذا المسار بعد أن صدرت إحصائيات رسمية عن محاكم الأسرة تفيد بأن هناك ما يقرب من 20 ألف حالة إثبات نسب يتم النظر فيها أقامتها أمهات طالبن باستخراج شهادات ميلاد لأولادهن ورفض الآباء حقهن في تسميتهم أو تسجيلهم.
وتتعلق القضايا المنظورة أمام محاكم الأسرة لإثبات نسب الأبناء بأن الأمهات أنجبن أولادهن وقت الخلافات الزوجية ورفض أزواجهن الذهاب إلى الجهات الصحية المسؤولة عن وثائق الميلاد لتسمية الأبناء كنوع من الضغط عليهن للتنازل عن المستحقات مقابل حفظ حقوق الصغار في التسجيل بالسجلات الرسمية للدولة، ما دفع الحكومة والبرلمان لوضع حد لهذه الثغرة إنصافا للأم وحفاظا على مستقبل الأبناء.
ومن هؤلاء، هالة سعد التي تزوجت قبل عامين ثم نشبت خلافات حادة مع زوجها، كونه يرفض تحمل المسؤولية ويجبرها على طلب مساعدات مالية من أسرتها، ووصلت العلاقة بينهما حد القطيعة وذهبت للإقامة بمنزل عائلتها، وأنجبت طفلها الأول.
ورغم إبلاغ الأب بأنه استقبل طفلا، لكنه رفض ترميم العلاقة الزوجية أو تطليقها، وأصبح الصغير معلقا دون أن يتم تسجيله بشكل رسمي، ولم يستجب الأب للضغوط التي مورست عليه من جانب الأم وأسرتها للحفاظ على حق الطفل، لكنه تمسك بموقفه ورفض أن يسجل الابن، تأديبا للأم.
وقالت هالة لـ”العرب” إنها حاولت أكثر من مرة تسجيل طفلها في مكاتب الصحة الرسمية لكن تم رفض طلبها بدعوى أن الأب وحده أو جد الطفل من الأب هما المسؤولان عن ذلك، خشية أن يأتي الأب بعد ذلك ويُنكر نسب الطفل إليه، ما تسبب في أن يعيش الصغير أسابيع بلا اسم قبل أن يستجيب الأب لضغوط من الأقارب والأصدقاء ويذهب لتسجيل ابنه، ويقرر عدم العودة إلى الأم وتركها معقلة.
وانتهت مشكلة الزوجة، لكنها عكست إلى أيّ درجة ظل احتكار الرجل لتسمية الطفل وسيلة لابتزاز الأمهات وقت الخلافات الزوجية أو في المرحلة التي تسبق إجراءات الطلاق، وربما بعد الانفصال الرسمي دون أن يكون لدى الأم ما يثبت أنها تتمتع بالولاية بناء على حكم قضائي نهائي يتيح لها التعامل مع المؤسسات الرسمية في تسجيل الابن أو التصرف في شؤونه التعليمية والصحية وغيرها.
وكان يتم استغلال حق الزوج في تسمية المولود بإملاء الشروط على الأم خلال فترة الخلافات الزوجية التي تقود إلى الطلاق عبر مساومتها للتنازل عن كامل مستحقاتها، من النفقة والحضانة وسكن الزوجية، مقابل تسمية ابنها وضمان حقه في أن تكون له شهادة ميلاد رسمية موثقة تستطيع الأم أن تتعامل بها مع المؤسسات الحكومية، خاصة عند التقديم للطفل في المدرسة.
ويسقط قيد الطفل في السجلات الرسمية للحكومة قانونا بعد مرور أربعة عشر يوما من تاريخ ولادته، وإن لم يتدارك الأب هذا التأخير ويرفض تسميته تكون الأم مضطرة لرفع دعوى إثبات نسب أمام القضاء، والمعضلة أن صدور مثل هذه الأحكام يأخذ وقتا طويلا، بما يحرم الطفل من تلقي اللقاحات المطلوبة خلال الأشهر الأولى من ولادته ويسقط حقه في أن تكون له أوراق ثبوتية.
وعالجت التعديلات التشريعية الأخيرة هذه الثغرة بإضافة عقوبة خاصة بالتأخير عن تسمية الطفل، تصل إلى الحبس لمدة عام مع غرامة مالية، لكل من تعمّد عدم إصدار شهادة ميلاد للصغير أو تراخى في تسجيله، وهي عقوبة موجهة للأب بشكل أكبر، باعتباره الولي الشرعي للطفل خلال فترة العلاقة الزوجية، وهي ميزة أخرى للأم إذا ما تنصل الأب من مسؤولياته تجاه المولود.
ويرى مؤيدون لوقف احتكار الأب حق تسمية الأبناء وإثباتهم في السجلات الرسمية للحكومة أن أكبر ورقة كان يستغلها بعض الأزواج للضغط على الزوجات، سقطت ولم تعد لها قيمة، حيث كانت هناك أمهات يصبحن مضطرات للاستجابة لمساومات الآباء وشروطهم لتنجو بولدها من المصير المجهول دون أن تضطر إلى اللجوء للقضاء، وتقتصر الطريق بالتنازل عن بعض حقوقها مقابل تأمين مستقبل طفلها.
◙ قيد الطفل في السجلات الرسمية للحكومة يسقط قانونا بعد مرور أربعة عشر يوما من تاريخ ولادته، ما يحرمه من بعض الحقوق
وأكدت عنان حجازي الباحثة في القضايا الأسرية وشؤون المرأة بالقاهرة أن منح الأم حق تسمية مولودها يقضي على سنوات طويلة من التمييز ضدها، ومحاولة ابتزازها في أعز ما لديها بأن يكون لأولادها حق استخراج شهادات موثقة، إضافة إلى إثبات نسب الصغار، وهذا بداية للمساواة بين الأب والأم في التعامل مع المؤسسات الرسمية.
وأضافت لـ“العرب” أن التعديلات التشريعية الأخيرة ضمانة لحماية حقوق الأطفال، وإبعادهم عن صراعات الأزواج وقت الخلافات الأسرية، بحيث لا يظلون حلقة ضعيفة يمكن أن يتم استغلالها من الأب لابتزاز الأم أو إملاء الشروط عليها لتقبل بوضعية قهرية لا تتناسب مع مكانتها وكرامتها، وبذلك فالتعديلات إيجابية للغاية.
ولفتت حجازي إلى أن هناك آباء يرفضون تسمية الطفل بدعوى إنكار النسب في محاولة لتشويه صورة الأم لأطول فترة، بحيث تجاهد لتثبت صحة موقفها، ومثل هذه المواقف المسيئة للمرأة كانت تنغّص على الأم حياتها وتجعلها تقبل بالإملاءات والشروط ليقوم الأب بتسمية المولود، ما جعل التعديلات مهمة للأم والطفل معا.
ومع أن التعديلات واجبة النفاذ، لكن تظل هناك مخاوف مرتبطة بإمكانية استمرار تعنت بعض الجهات المسؤولة عن استخراج شهادات الميلاد بدعوى أن الأب وحده له حق تسمية المولود، كما أن منسوب الوعي لدى السيدات في المناطق الشعبية قليل، وقد لا يدركن أن لهنّ أحقية مثل الرجل في التعامل مع المؤسسات الرسمية.
ويتطلب الأمر قدرا من الوعي والتسويق للتعديلات الجديدة لوقف تحجج مسؤولي السجلات الرسمية بأن حرمان الأم من حق تسمية الابن له مبرراته، فقد يكون الطفل من أب آخر وجاء بعلاقة غير شرعية ويتم إلصاقه بالزوج المكتوب اسمه بعقد الزواج، وهو اتهام مسبق بتعميم الخيانة على كل الأمهات، ما يتطلب وقفة توعوية.