مصر تشدد شروط الأسر البديلة لمنع تحول الدمج إلى انتكاسة للأطفال

تمسك بكفالة الصغار داخل أسر توفر لهم متطلبات الحياة.
الثلاثاء 2024/09/10
مستقبل الطفل داخل الأسرة ينبغي أن يكون مؤمّنا

بدت الحكومة المصرية حازمة في مسألة كفالة الأطفال حيث وضعت شروطا من شأنها أن تضمن مستقبل الطفل حتى لا يتعرض لانتكاسة. ومن بين الشروط أن تتوفر لدى الأسرة مقومات النضج الأخلاقي والاجتماعي مع إقامتها في منطقة تتوافر فيها الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية. ويرى متخصصون أن التمسك بمعايير مشددة للأسر الكافلة مطلوب، لكن العبرة في تقديم تسهيلات تتناسب مع الطبيعة المصرية.

القاهرة - قررت الحكومة المصرية تطبيق معايير صارمة لمنظومة الأسرة البديلة التي تحتضن عددا من الأطفال الذين تؤويهم دور الرعاية الاجتماعية من الأيتام ومجهولي النسب، وأصبحت هناك شروط جديدة مرتبطة بالبيئة العائلية التي يعيش فيها الطفل بعد الخروج من المؤسسة الاجتماعية، وطبيعة الأسرة نفسها ومستوى تعليمها، بحيث لا يتأثر الصغير بشكل سلبي إذا ارتبطت حياته بعائلة حاضنة لا توفر له الإمكانيات اللازمة للعيش بصورة طبيعية ومستقرة.

وظهرت ملامح تلك الصرامة في كثرة التظلمات التي تصل إلى وزارة التضامن الاجتماعي من رفض طلبها الحصول على كفالة طفل من مؤسسة اجتماعية، في ما تتمسك الوزارة بتوفير بيئة آدمية وأسرة مستقرة، وما دون ذلك سيواجه طلب الكفالة بالرفض، ما لم تكن العائلة تتمتع بالقدرة على توفير متطلبات الحياة للطفل الصغير، ورعايته بشكل كامل وتلبية احتياجاته.

وأعلنت اللجنة العليا للأسر البديلة التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي أنها رفضت طلبات عديدة لا تنطبق عليها الشروط، ولا يعني أن هناك رؤية للتوسع في نظام الرعاية البديلة داخل الأسر من حيث التساهل في تسليم الطفل لأيّ عائلة بلا تدقيق في ظروفها العامة، مؤكدة أنها تدرس كل الطلبات والتظلمات بحيادية وشفافية وتراعى فقط المصلحة العليا للأطفال، وتأمين مستقبلهم داخل الأسرة.

المعايير التي قامت الحكومة بتطبيقها تسببت في انخفاض معدلات الأسر الكافلة، حيث لم تتجاوز اثنتي عشرة عائلة

وقررت الحكومة إخضاع جميع الأسر الراغبة في الكفالة لتدريبات تأهيلية تخصصية من خلال متخصصين نفسيين واجتماعيين لضمان الرعاية الجيدة للأطفال، وما لم تجتز الأسرة تلك التدريبات ستُحرم من الكفالة، مع متابعة المكفولين طوال الوقت للتأكد من تلقيهم معاملة حسنة واهتماما مناسبا من جانب العائلة، وإلا أعيد الطفل مرة أخرى إلى المؤسسة الاجتماعية.

وتسببت المعايير الصارمة التي قامت الحكومة بتطبيقها في انخفاض معدلات الأسر الكافلة، فلم تتجاوز اثنتي عشرة عائلة مؤخرا، مقارنة بعشرات الآلاف من الأطفال الذين تعج بهم المؤسسات الاجتماعية، لكن وزارة التضامن تبرّر ذلك بعدم التضحية بالصغار في أسر غير مستقرة، والأفضل لهم الاستمرار داخل دور الرعاية إلى حين توافر العائلة المناسبة التي تستحق الكفالة.

ومن بين الشروط أن تتوفر لدى الأسرة مقومات النضج الأخلاقي والاجتماعي ويكون الزوجان من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة (البكالوريا) على الأقل، مع إقامة الأسرة في منطقة تتوافر فيها الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية، بما لا يحرم الطفل من حقوقه الأساسية.

وأعدّت وزارة التضامن قاعدة بيانات متكاملة يمكن لأيّ عائلة الاطلاع عليها إلكترونيا لمعرفة السن والبيئة التي كان يعيش فيها الطفل قبل دخوله دار الرعاية، وما إذا كان من مجهولي النسب أو الأيتام ولا يجد من يرعاه، بحيث يكون أمامها فرصة لدراسة حالة الطفل، ومدى انطباق الشروط عليها، وقدرتها على رعايته وفق المعايير التي تفرضها الدولة.

ولدى الحكومة المصرية خطة تعمل على تطبيقها تستهدف غلق جميع دور رعاية الطفل، مقابل أن تحل الأسر البديلة مكانها في احتضان الأطفال وتربيتهم وتعليمهم، والتعامل معهم كما لو كانوا أبناء حقيقيين لهم، ويحملون لقب العائلة الكافلة، بعيدا عن التبني كونه محرّما في الشريعة الإسلامية، لكنها تتحرك بخطوات محسوبة.

تت

وعلى الرغم من الانتقادات التي تعرضت لها اللجنة المختصة بمنظومة الرعاية البديلة بسبب التشدد في قبول طلبات الكفالة، لكن ثمة تسهيلات أخرى تقدمها الحكومة طالما أن الأسرة تنطبق عليها المعايير، كأن تمنح مساعدات بصورة مختلفة، بما يرفع عبء المسؤولية المالية عن العائلة، ولا تشعر في أيّ مرحلة بأنها تورطت في كفالة طفل من مؤسسة اجتماعية.

وتشمل المزايا، معاملة الأسرة الكافلة ضمن الفئات المستحقة لبرامج الحماية الاجتماعية التي تقدمها الدولة، بحيث تحصل على مساعدات مالية شهرية كمنحة مقدمة للأسرة من بوابة الطفل، مع منح الأم الكافلة إجازة احتضان بأجر كامل لمدة ثلاثة أشهر عندما تكفل صغيرا، ومنح الأسر حق الوصاية الكاملة على المكفولين.

وما يعزز مخاوف الحكومة من إطلاق العنان لأيّ أسرة تطلب الكفالة، أنها تتمتع بحق الولاية التعليمية للطفل، بغرض الحفاظ على المستقبل التعليمي للطفل عند التقديم والتحويل من المدارس وإليها، أي أن الدولة تُعامل الأسرة الكافلة بنفس معاملة نظيرتها الطبيعية في كل ما يرتبط برسم مسار الطفل في المؤسسات التعليمية.

لدى الحكومة المصرية خطة تعمل على تطبيقها تستهدف غلق جميع دور رعاية الطفل، مقابل أن تحل الأسر البديلة مكانها في احتضان الأطفال وتربيتهم وتعليمهم

ويرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية بالقاهرة أن التمسك بمعايير مشددة للأسر الكافلة مطلوب، لكن العبرة في تقديم تسهيلات تتناسب مع الطبيعة المصرية التي تندر فيها الكماليات المجتمعية والأسرية إلا في أماكن بعينها، واختيار أجواء عائلة مثالية للأطفال مهمّ، لكن من الخطأ وجود تعقيدات روتينية تعرقل التوسع في الرعاية البديلة.

وذهبت الكثير من الدراسات الاجتماعية التي أقرتها وزارة التضامن المصرية إلى أن أسلوب التعامل في دور الرعاية مهما كان مقبولا، من شأنه أن يبقي الطفل معقدا وكارها للمجتمع ومعاديا له، طالما لم ينشأ داخل أسرة، وهو ما يفرض على الحكومة أن تتعاطى مع الملف بقدر من المرونة إذا أرادت تحقيق مرادها بغلق دور الرعاية ودمج كل أطفالها داخل الأسر البديلة.

وقال رئيس شبكة الدفاع عن الطفل في مصر أحمد مصيلحي إنه لا بديل عن إضافة تسهيلات على نظام الأسر البديلة لتسريع وتيرة دمج الأطفال مجتمعيا، لأن ذلك يحقق ميزة مشتركة للكافل والمكفول، ولكن هذا لا يعني التساهل في نظام الرعاية البديلة، والمهم وجود مرونة ومتابعة دقيقة للطفل طوال فترة إقامته مع الأسرة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الرقابة المستمرة على العائلة يمكن أن تعوض صرامة المعايير، حيث يمكن عقد لقاءات متكررة مع الطفل نفسه للتأكد من حسن المعاملة والرعاية والاهتمام، لافتا إلى أن فكرة وجود تدريبات مؤهلة للكفالة خطوة لا غنى عنها لأن انتقال الطفل من دار رعاية إلى أسرة بديلة يحتاج معاملة استثنائية وإلا تعرض لانتكاسة.

ويظل عدم تثقيف المجتمع نفسه بشكل مكثف بنظام الأسر البديلة عائقا أمام نجاح الحكومة في توسيع قاعدة العائلات الكافلة، لأن هناك غياب الوعي بالفكرة وأهدافها، إضافة إلى مواقف بعض رجال الدين المتشددين ضد منظومة الكفالة بحجة أنها من المحرمات، ما يفرض على الحكومة تأهيل المجتمع للفكرة قبل زيادة شروط الكفالة.

15