مصر ترفع عبء أطفال دور الرعاية عن الأسر الكافلة لدمجهم عائليا

تلبية احتياجات الأطفال المكفولين يوسع قواعد الأسر البديلة.
الجمعة 2022/11/18
كفالة الأطفال حل إنساني للطرفين

تسعى الحكومة المصرية لتقليص دور الفضاءات الحكومية الراعية للأطفال مقابل توسيع مهام الأسر الكافلة لهم لزيادة دمجهم عائليا، وذلك برفع عبء المسؤولية المادية عنها بحيث لا تمثل كفالة الطفل أعباء إضافية على الأسرة الكافلة. وأصبحت الكفالة تتم عبر تقديم طلب إلكتروني لتحفيز الأسر على حضانة الأطفال بعيدا عن الإجراءات الروتينية، بما يوفر جوا أسريا هادئا لهؤلاء الصغار.

القاهرة - قرّرت الحكومة المصرية التقدم بمشروع قانون إلى مجلس النواب لتوسيع قواعد الأسر البديلة ضمن إستراتيجية متكاملة تقضي بتخفيف الضغط العددي عن كاهل مؤسسات دور رعاية الأطفال اليتامى ومجهولي النسب وتوفير حياة كريمة لهم، وتحجيم نفوذ الجمعيات التي تستغلهم أو تتاجر بقضيتهم.

وسوف تكون هناك مزايا مالية وعينية للأطفال الذين سيتم دمجهم عائليا من خلال الكفالة في الأسر البديلة، على رأسها توفير بطاقات دعم تمويني للطفل، والإعفاء الكامل من رسوم ومصروفات التعليم قبل الجامعي والجامعي في جميع الكليات والمعاهد الوطنية، وتخصيص أماكن الإقامة في المدن الجامعية لإقامتهم مجانا.

وتشمل المزايا تخصيص نسبة لا تقل عن 1 في المئة من الوحدات السكنية التي تنشئها الدولة للأبناء الذين يتم دمجهم في الأسر البديلة، مع إتاحة ركوب مجاني لمواصلات هيئة النقل العام، مثل مترو الأنفاق وقطارات السكة الحديد والأتوبيسات، ما يتيح لهم التحرك والتنقل دون دفع كلفة المواصلات.

ومن المقرر إعفاء الأبناء المكفولين في أسر بديلة من اشتراكات ورسوم النوادي والمتاحف والمتنزهات والقصور الثقافية، وتمكينهم من الاشتراك المجاني فـي عضوية المراكز الرياضية والشبابية، ومعاملة الابن المكفول أسوة بالابن العادي في حق التمتع بعضوية أسرته الكافلة له في النوادي والنقابات وخدمات التأمين الصحي.

وتستهدف الحكومة رفع عبء مسؤولية أطفال دور الرعاية عن الأسر الكافلة لزيادة دمجهم عائليا بحيث لا تمثل كفالة الطفل أعباء مالية على الأسرة، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها عائلات كثيرة، ما من شأنه أن يخفّض عدد المودعين في مؤسسات الرعاية الاجتماعية.

أحمد مصيلحي: التربية السليمة للصغار تكون داخل أسرة لا في إحدى دور الرعاية
أحمد مصيلحي: التربية السليمة للصغار تكون داخل أسرة لا في إحدى دور الرعاية

وتريد وزارة التضامن الاجتماعي في مصر غلق جميع دور رعاية الطفل في غضون ثلاثة أعوام على أن تحل مكانها بعض الأسر التي تقوم بكفالة الصغار وتربيتهم وتعليمهم والتعامل معهم كما لو كانوا أبناء حقيقيين، حيث سبقت هذه الخطوة الموافقة على منح كل أسرة حق انتساب الطفل لها بتسميته باسم عائلتها.

وواجه دمج أبناء دور الرعاية في أسر بديلة بعض المعوقات، من بينها إحساس العائلة بأن الطفل قد يشكل عبئا ماديا ونفسيا عليها، ما دفع العديد من المنظمات الحقوقية العاملة في مجال الطفولة إلى مطالبة الحكومة بتحمل مسؤولية الإنفاق المادي على الطفل لتركز الأسرة الكافلة على رعايته معنويا دون إرهاقها في تدبير موارد مالية للكفالة.

وقررت الحكومة المصرية منح العائلة الراغبة في حضانة طفل تسهيلات كبيرة؛ فقد أصبح بإمكان الأبوين أن يعربا عن رغبتهما في رعاية طفل بكتابة مواصفاته من خلال نموذج يرسل بالهاتف المحمول إلى وزارة التضامن الاجتماعي لتسريع الإجراءات ومنع التعقيدات الإدارية.

وأصبحت الكفالة تتم عبر تقديم طلب إلكتروني لتحفيز الأسر على حضانة الأطفال بعيدا عن الإجراءات الروتينية، بما يوفر جوا أسريا هادئا لهؤلاء الصغار، لأن إقامة الطفل وسط أسرة بديلة أفضل له اجتماعيا وصحيا ونفسيا وسلوكيا.

ويتاح للأسرة الآن تحديد مواصفات الطفل الذي تريد كفالته، ووضعت وزارة التضامن قاعدة بيانات متكاملة يمكن لأي راغب أو راغبة في كفالة طفل الاطلاع عليها إلكترونيا لمعرفة السن والبيئة التي كان يعيش فيها الطفل قبل دخوله دار الرعاية، وما إذا كان من مجهولي النسب أو ينتمي إلى أم محكوم عليها بالسجن ولا يجد من يرعاه.

وتستهدف الأسر البديلة شرائح عديدة من الأطفال المودعين في مؤسسات الرعاية الاجتماعية كمجهولي النسب وغير الشرعيين الذين يتخلى عنهم ذووهم، ومن لا يستطيعون معرفة ذويهم، ومن تستحيل رعايتهم في أسرهم الأصلية كأبناء السجينات ونزلاء مستشفيات الأمراض العقلية ومن أصبحوا بلا عائل.

وأدركت الحكومة خطورة استمرار دور رعاية الأطفال دون التوسع في الاعتماد على الأسر البديلة بعدما أصبحت بعض المؤسسات تتاجر باسم الصغار للحصول على تبرعات، وما تشهده من انتهاكات بدنية ونفسية تصل إلى حد التحرش الجنسي والتعذيب.

وقال أحمد مصيلحي رئيس شبكة الدفاع عن الطفل المصري إن "التربية السليمة للصغار تكون داخل أسرة لا في إحدى دور الرعاية، لأن هذه المؤسسات مهما فعلت لن تستطيع تنشئة الطفل تنشئة صحيحة بما يمكنه مستقبلا من الانسجام مع المجتمع، في حين أن وجوده داخل أسرة مهما كان غريبا عنها أو حاضنة له، يجعل منه شخصا سويا لا يعيش الحرمان ولا يميل إلى العدوانية".

وأكد لـ"العرب" أن "عدم تثقيف المجتمع بنظام الأسر البديلة يحول دون توسيع قاعدة العائلات الكافلة، والمعضلة أن هناك موقفا سلبيا من بعض رجال الدين تجاه الكفالة الأسرية، ما تسبب في اقتناع البعض بأنها من المحرمات، والمطلوب زيادة التوعوية وتِبْيان أن كفالة الطفل من القيم النبيلة التي لا تتعارض مع الدين".

◙ وزارة التضامن الاجتماعي في مصر تسعى لغلق دور الرعاية على أن تحل مكانها بعض الأسر التي تقوم بكفالة الصغار

ويرى رجال دين أن احتضان الأسرة لطفل غريب وتربيته "حرام شرعا" بحجة أنه سيطلع على جسد شخص يحل له الزواج منه، وهي نظرة جنسية تتجاهل الأبعاد الإنسانية والاجتماعية للصغار، ما يتطلب حملات توعوية لتتحلل الأسر من الخطاب التحريضي وتصبح قادرة على اتخاذ قرار الكفالة .

وأوضح محمد هاني، الاستشاري النفسي المتخصص في العلاقات الأسرية بالقاهرة، أن رفع الحكومة العبء المادي عن الأسر الكافلة من شأنه زيادة معدلات الإقبال على الكفالة، ما يترتب عليه توفير أجواء أسرية أكثر أمانا من دور الرعاية، لأن هناك عائلات ترغب في الحضانة وتعاني من الظروف الاقتصادية الصعبة، وبالتالي فإن الحكومة وضعت يديها على أصل المشكلة ويمكن أن تعالجها.

ولفت في حديثه مع "العرب" إلى أن "كفالة الأطفال حل إنساني للطرفين، الأسرة والصغير، وثمة أزواج حرموا من الإنجاب لكن بعد الكفالة شعروا بأنه أصبح لديهم ابن -أو ابنة- يعيش وكأن لديه أبوين، وهو ما يوقف إحساس الطفل بالحرمان الأسري ويجعله مندمجا في المجتمع بشكل أكبر، لكن المطلوب نشر هذه الثقافة بعيدا عن الموروثات القديمة".

ولا تزال هناك معضلات تغفل عنها الحكومة في سبيل التوسع بنظام الكفالة على حساب دور المؤسسات الاجتماعية، وتتمثل في أن الأطفال مجهولي النسب عندما يتم استخراج شهادات ميلاد لهم يمنحون أوراقا مختلفة عن أوراق نظرائهم العاديين، ما يثير ضدهم التمييز وقد يجعلهم موصومين طوال الوقت.

كما أن بعض الأسر المحافظة، خاصة في المناطق الريفية والشعبية، تتخوف من كفالة الفتيات بسبب تعرض منازل العائلات للتفتيش والإزعاج المستمرين من قبل وزارة التضامن الاجتماعي، ما يفرض على الحكومة المصرية التعامل بشكل عقلاني مع تلك الإشكالية إذا أرادت القضاء على مؤسسات الرعاية كليا لصالح الأسر البديلة.

17