مصر ترفع سقف المواجهة مع الزواج المبكر إلى الحد الأقصى

أجمع المشاركون في مناقشات الحوار الوطني على تجريم زواج الأطفال لما له من تأثير بالغ السوء على الأسرة والمجتمع، ودعوا إلى إقرار تشريع صارم يقضي بالتعامل مع الزواج المبكر كجريمة نكراء يعاقب فيها كل من له علاقة بالزواج من قريب أو بعيد، بدءا من الأسرة وحتى المأذون الذي قام بتوثيق عقد الزواج.
القاهرة - أصبحت مصر على مقربة من تصنيف الزواج المبكر جريمةً تستوجب عقوبات مشددة، بعد توافق العديد من القوى المعنية بشؤون الأسرة على حتمية التعامل مع تزويج القاصرات باعتباره جرما وليس فعلا بسيطا، لأنه يحمل اتجارا بالبشر.
وشهدت مناقشات المحور المجتمعي داخل الحوار الوطني بين الحكومة وقوى معارضة توافقا بينهما والمختصين على حتمية تغيير طريقة التعاطي القانوني مع الزواج المبكر ليتم اعتباره جريمة كبرى تتطلب عقوبات تصل إلى الحبس.
وتتعامل الحكومة المصرية مع توصيات الحوار الوطني، في الشق الأسري والمجتمعي، كنافذة توصياتها قابلة للتطبيق، طالما تتوافق مع توجهاتها، ما يمهد الطريق لإقرار تشريع جديد يستهدف محاربة تزويج الصغيرات.
ولجأت الحكومة إلى سلاح الترهيب لوقف ظاهرة الأمومة المبكرة، لكن عقوباتها كانت محددة بسقف لا يزيد عن الحبس عدة أشهر، ما جعل المجتمع يتعامل مع العقوبة البسيطة باستخفاف، واستمرت معدلات الزواج المبكر قائمة وإن شهدت تراجعا طفيفا.
واتفق مشاركون في مناقشات الحوار الوطني على أن زواج الأطفال جريمة في حقهم، وظاهرة لها تأثير بالغ السوء على المجتمع، على مستوى الإضرار بالضحية وأسرتها، لأن العلاقة تحدث دون اكتمال النمو الصحي لتحمل تبعات الزواج فينتهي بالطلاق.
وجرى الاتفاق على رفع توصية بالإجماع إلى رئيس الجمهورية بإقرار تشريع صارم يقضي بالتعامل مع الزواج المبكر كجريمة نكراء، ولا تسقط التهمة فيها بالتقادم، على أن تشمل العناصر المتهمة بارتكاب الجُرم كلّ من لهم علاقة بالزواج، بدءا من الأسرة ووصولا إلى المأذون الذي قام بتوثيق عقد الزواج.
وظلت المواجهة الرسمية مع تزويج الصغيرات مقتصرة على تحديد سن لزواج الشاب والفتاة ببلوغهما 18 سنة، دون أن تكون هناك أداة عقابية للأسرتين أو خضوع المأذون للمساءلة حتى وصلت نسبة زواج الأطفال إلى قرابة 15 في المئة سنويا.
ووافقت الحكومة منذ عامين على رفع عقوبات الزواج المبكر إلى سبع سنوات، لكن ظل تطبيق القانون معطلا أمام غياب الدعم المجتمعي وبطء تعامل مجلس النواب مع الظاهرة، ووجود ثغرات في التفعيل، مع تصالح المتورطين في الزيجات السرية.
ويؤكد بعض المختصين أن العقوبات مطلوبة كنوع من الترهيب إذا تم تحويل التهمة من جنحة عادية إلى جريمة تطال المتورطين، غير أن التعويل عليها وحدها لن يحقق المواجهة قبل إقرار خطة متكاملة تستهدف مواجهة متشعبة مع الزواج المبكر.
وتعاني الحكومة من معضلة كبرى ترتبط بعدم وجود قاعدة بيانات بأكثر المناطق التي تتبنى عائلاتها زواج الأطفال للنزول إليها ومحاورة الأسر فيها بشكل مباشر، وتوعيتها بالمخاطر؛ فهذه الأسر لا تعرف شيئا عن العقوبات وعواقب تصرفاتها.
كما أن المتطرفين مازالوا ينشرون بين الناس فكرة أن زواج الطفلة لا يتعارض مع الإسلام الذي دعا إلى ستر الفتاة وتزويجها مبكرا، خوفا عليها من الفتنة، على الرغم من أن المؤسسات الدينية في مصر لها موقف واضح يقرّ بتحريم زواج القاصرات.
يقول خبراء في شؤون الأسرة إنه مهما كانت هناك عقوبات صارمة تجرم زواج القاصرات بلا إدراج رجال الدين المحرضين على ارتكاب الجريمة سوف تكون المواجهة منقوصة، لأن البسطاء لا يتأثرون بالقانون بقدر تأثرهم برجال الدين. وأوضح رئيس شبكة الدفاع عن أطفال مصر أحمد مصيلحي أن سلاح التخويف مهم ومحوري في مواجهة الزواج المبكر، لكن من الصعب مواجهة الظاهرة بتشريعات تحاسب على الفعل في غياب غطاء توعوي يمنع وقوعه ويضع حلولا استباقية واقعية.
الحكومة وافقت منذ عامين على رفع عقوبة الزواج المبكر إلى سبع سنوات، لكن غياب الدعم المجتمعي عطل تطبيق القانون
وأضاف لـ“العرب” أن “وضع مخاطر زواج القاصرات والأمومة المبكرة في المناهج الدراسية ليس رفاهية، وهذا ما تم التوافق عليه داخل الحوار الوطني وأيده متخصصون في شؤون الأسرة، فمن الضروري مخاطبة الضحية نفسها وتوعيتها بكيفية المواجهة”.
وعدّد مصيلحي مزايا التوعية مع سلاح الترهيب بتأكيده أن إدراج مخاطر الزواج المبكر في المناهج يجعل المؤسسات التعليمية تستقطب الصغار بعيدا عن عقليات أسرهم الجامدة، وتصبح كل طفلة مؤهلة للدفاع عن حقوقها بتعريفها كيفية الاستغاثة.
وتخلو المناهج التعليمية في مصر من محتوى جيد يعرّف كل طفلة بأن جسدها ملكها، وعليها مقاومة الجميع للحفاظ عليه وعدم المتاجرة به أو انتهاكه تحت مزاعم السترة والعفة، لذلك تعاني الحكومة من هزيمة القوانين أمام الأعراف والتقاليد.
واقترحت بعض الأصوات أن تكون التوعية ضد مخاطر الزواج المبكر موجهة إلى الفتاة نفسها وتعلمها توابع الرضوخ لقرار الأسرة، على أن يكون ذلك بنشر قصص واقعية لفتيات واجهن حياة تعيسة ومصيرا مجهولا عندما وافقن على الزواج المبكر.
وباتت الأمومة المبكرة منتشرة في قرى ونجوع عديدة في ريف مصر إلى درجة وجود مناطق بعينها معروف عنها تزويج الطفلة بعد وصولها إلى سن الثالثة عشرة، وقد يكون العريس مراهقا أو رجلا كبيرا، ومن دون توثيق الزواج في سجلات الحكومة. ويعتقد متابعون للظاهرة أن أي قانون يصنف زواج القاصرات جريمةً، مهما كانت عقوباته، يظل بلا قيمة أمام استمرار إجراءات التحايل على التشريعات؛ فالأمومة المبكرة تتشعب ثغراتها ولا تعرف الحكومة شيئا عن الجناة الحقيقيين.
المناهج التعليمية في مصر تخلو من محتوى جيد يعرّف كل طفلة بأن جسدها ملكها، وعليها مقاومة الجميع للحفاظ عليه وعدم المتاجرة به
ومن بين الثغرات أن يقوم العريس وولي أمره بالتوقيع على شيك بنكي بمبلغ مالي يسلم إلى والد الفتاة القاصر كضمانة لعدم هروب الزوج وتنصله من العلاقة مستقبلا، أو عدم اعترافه وأسرته بالأبناء لاحقا، لأن الزواج في النهاية عرفي وليس رسميا.
وإذا لم يحدث الطلاق قبل بلوغ الطفلة السن القانونية يتم توثيق الزواج من خلال المأذون الشرعي الذي قام بعقد الزواج دون توثيقه رسميا، مع تحديد موعد إبرامه ليبدو حديثا ويترك المأذون مكان التاريخ ويدونه عندما تصل الطفلة إلى السن القانونية.
وأكدت استشارية العلاقات الأسرية بالقاهرة عنان حجازي أن أخطر ما في الزواج المبكر اقتناع الأسرة بأن تزويج الطفلة يخلص العائلة من أعبائها على وقع الظروف المعيشية الصعبة، لذلك هناك علاقة وثيقة بين الفقر والأمومة المبكرة.
وأوضحت لـ“العرب” أن “تغليظ العقوبة وتحويل زواج القاصرات إلى جريمة ضرورة، لكن لا يجب التعويل على ذلك لتطهير المجتمع من الظاهرة السلبية بلا وعي وتثقيف حقيقيين، وينبغي وضع خطة مواجهة لغرض إنساني، وليس للحد من الانفجار السكاني”.
وقالت “قد تكون العقوبة المشددة كفيلة بجعل البعض يعزف عن تزويج القاصرات، لكن يجب التركيز على توجيه خطاب يحذّر من ضياع حقوق كل فتاة تتزوج في سن صغيرة وإمكانية تنصل زوجها منها طالما أن عقد الزواج غير موثق رسميا”.
والزوجة القاصر ليس لها حقوق إذا جرى تطليقها قبل بلوغها السن القانونية، وترفض المحاكم قبول دعواها ولا تحصل على قيمة نفقة المتعة ولا يكون لها نصيب في مسكن الزوجية، ما يتطلب التركيز على التثقيف بخطاب الترهيب بدلا من العقوبات فقط.