مصر تدرس خيار رفع سن الزواج للحد من النمو السكاني

تبحث الحكومة المصرية خيار رفع سن الزواج إلى أكثر من 18 سنة كحل للسيطرة على الزيادة السكانية. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى ارتفاع نسب الطلاق في صفوف الفتيات القاصرات اللواتي لم يبلغن السن القانونية، باعتبارهن لا يجدن تحمل مسؤولية تكوين أسرة مستقرة. ويرى خبراء الأسرة صعوبة في تنفيذ الفكرة على أرض الواقع طالما أن التشريعات لا ترفق بغطاء توعوي يكشف للصغيرات التبعات السلبية للزواج المبكر.
القاهرة - أعادت دوائر حكومية مصرية معنية بملف الزيادة السكانية التفكير في حلول أخرى لمواجهة الأمومة المبكرة وزواج الأطفال للحد من الانفجار السكاني، وبدأت تُطرح أفكار لمناقشتها على نطاق واسع تتعلق برفع سن الزواج إلى أكثر من 18 عاما، في ظل عدم السيطرة على زواج القاصرات وما يترتب عليه من مشكلات أسرية.
وبدأت مؤسسات رسمية تتعاطى مع المقترح بجدية وسط قناعة حكومية بأن زواج الأطفال يظل أحد أبرز المسببات لأزمة الزيادة السكانية، ويزيد معدلات الطلاق بين صغيرات السن كونهن لا يدركن كيفية تكوين أسرة، ولا يقدرن على تحمل المسؤولية، بالتالي لا بديل عن إعادة النظر في السن القانونية التي يمكن معها زواج الفتاة.
وأعلنت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في مصر هالة يوسف دعم الصندوق لفكرة رفع سن الزواج أمام استمرار وجود حالات زواج مبكر للأطفال في مصر خارج نطاق قانون الطفل الذي حدد عمر 18 سنة للزواج، مؤكدة أن هناك مقترحات لرفع سن الزواج يجري نقاشها بشكل علمي لمعرفة مدى قابليتها للتنفيذ على الأرض.
ويسعى الخطاب الدائر بشأن السن المقترح للزواج لإقناع الأسر بالفكرة من باب أن الزواج المبكر أو حتى تزويج الفتاة في سن 18 عاما بحاجة إلى إعادة النظر، كون الكثير من الفتيات يجدن أنفسهن يتحملن تبعات الزواج والطلاق وهن في مرحلة عدم نضج تام، ويعانين من تقلبات نفسية لا تجعلهن قادرات على تكوين أسرة مستقرة.
ووفق إحصائيات رسمية في مصر، فإن نسبة كبيرة من الفتيات المطلقات قاصرات، ولم يبلغن السن القانونية، يتم تزويجهن بتزوير أعمارهن أو بطريقة الزواج العرفي من خلال الاتفاق بين العائلتين، ويتم تقنين الزواج عند بلوغ السن القانونية، كما أن معدلات الطلاق في السنوات الثلاث الأولى من الزواج باتت مخيفة.
ومهما كانت الحكومة محقة في مبررات رفع سن الزواج، لكن ثمة ثقافة راسخة لدى أسر تقدس العادات والتقاليد، تتلخص في كون الزواج هو السبيل الأمثل لحماية سمعة الفتاة، وعدم زواجها صغيرة يعني التشكيك في سلوكها ووصمها بأنها غير جديرة بالزواج، وهناك أسر ترى أن زواج الفتاة مبكرا حل تفرضه الصعوبات المعيشية.
ويرى متابعون لظاهرتي الأمومة والطلاق المبكرين أن رفع سن الزواج فكرة يصعب تطبيقها، ولن تحول دون تزويج الأطفال طالما أن الحكومة تكتفي بسن تشريعات دون توفير غطاء توعوي يمنع وقوع الفعل نفسه، والنظر إلى المشكلة من منظور خفض معدلات السكان وتأثير عدد المواليد على التنمية فقط.
وتركز الكثير من المؤسسات المعنية بملف السكان على الحديث عن العقوبات التي يمكن فرضها على من يستسهلون الزواج المبكر ويبالغون في كثرة الإنجاب، في المقابل يختفي الخطاب المرتبط بتكريس ثقافة ملكية الفتاة لجسدها وتثقيف الصغيرات وتوعيتهن بالتبعات السلبية عليهن إذا رضخن للأسرة.
وتظل معضلة الخطاب الحكومي المرتبط بحلول زواج الفتيات في سن صغيرة أنه يغفل مخاطبة الضحية نفسها، ويتجاهل توعيتها بطريقة تجعلها أكثر معرفة حال تعرضت لضغوط أسرية لإجبارها على الزواج قبل بلوغ السن القانونية، أو حتى وهي كبيرة لكن غير مستعدة لتحمل مسؤولية أسرة وإنجاب أطفال.
وترتب على ذلك زيادة معدلات الأمومة المبكرة واستسهال الإنجاب عند حديثي الزواج في المناطق الريفية والشعبية التي تفقد فيها الفتاة حرية القبول أو الرفض، وأغلب أرباب الأسر في هذه الأماكن لا يجيدون القراءة ولا يستطيعون استيعاب خطاب الحكومة الموجه إليهم ولا يعيرونه الاهتمام الكافي، فلا يتأثرون بوجود عقوبات وأحيانا لا يعرفون شيئا عنها.
وأعلنت الحكومة المصرية عن حلول كثيرة لمواجهة الأمومة المبكرة والزيادة السكانية التي وصلت حد الانفجار، وبين الترهيب والترغيب لم تقتنع غالبية الأسر بالخطاب الرسمي والتشريعات التي تصل عقوباتها إلى الحبس سبع سنوات عند الزواج المبكر، حتى لجأت الحكومة أخيرا إلى إغراء المرأة التي تلتزم بإنجاب طفلين فقط بالحصول على مبالغ مالية سنوية.
ووصلت مصر إلى معدلات مواليد غير مسبوقة، رغم جهود تنظيم الأسرة والعقوبات المفروضة على من يستسهلون الإنجاب، بينها الحرمان من الدعم الحكومي لأكثر من طفلين، كل ذلك لم يمنع أن تشهد البلاد 6 آلاف مولود يوميا، ما يؤكد أن هناك شبه تمرد أسري ضد كل توجه يجري إقراره كجزء من حل الأمومة المبكرة.
وقالت استشارية العلاقات الأسرية في القاهرة عنان حجازي إن رفع سن الزواج في مصر لن يحل أزمة استسهال الطلاق في بدايات العلاقة الزوجية أو يقضي على زواج القاصرات، ولن يحد من كثرة المواليد، لأنه يصعب للتشريعات وحدها تغيير العادات لغياب الوعي وتأثير الخطاب الديني على الأسر بما يتجاوز مبررات الحكومة.
◙ الكثير من الفتيات يجدن أنفسهن يتحملن تبعات الزواج والطلاق وهن في مرحلة عدم النضج ويعانين من التقلبات النفسية
وأضافت لـ”العرب” أن أي خطة للحد من الزواج المبكر لا تخاطب أرباب أسر المستقبل من المراهقين والشباب، ستكون بلا نتائج مثمرة، لأنهم أساس المشكلة، ولا يمكن استمرار المناهج التعليمية خالية من المزايا الإنسانية والصحية والاقتصادية من وراء خفض الإنجاب وتأخير سن الزواج، حتى صار الشباب والفتيات أسرى لتوجهات عائلاتهم التي تحركها العادات.
وطالما يستمر استفتاء شيوخ السلفية في كل ما يرتبط بالعلاقات الأسرية وسن تشريعات مرتبطة بالزواج والإنجاب من دون ردعهم إذا أطلقوا فتاوى شاذة من تحريم تحديد النسل أو الدعوة إلى تزويج الأنثى في سن صغيرة كنوع من السترة فلا يمكن للخطاب الرسمي أن يُجدي نفعا مهما كان مصحوبا بتشريعات صارمة.
وأصبح ممكنا في مصر مشاهدة صور ولقطات فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي لطفلة ترتدي فستان الخطبة ولا يتجاوز عمرها العشر سنوات، وتجلس إلى جوار عريسها الصغير الذي لا يزيد سنه عن 12 عاما وحولهما أفراد من الأسرتين يحتفلون ويقدمون التهاني على أصوات الزغاريد وأغاني الأفراح، أي أن الأمر تجاوز الزواج المبكر، والخطبة المبكرة أيضا.
وأشارت حجازي إلى أنه لا جدال في كون الزيجات المبكرة أو التي ينتج عنها عدد أطفال مرتفع في سن صغيرة، يكون محكوما عليها بالفشل، لكن الحل يكمن في الخطاب التوعوي المقنع، إذ يمكن إقناع الأسر بأن الأمومة المبكرة تقود إلى أن يشعر كل طرف في العلاقة عندما يكبر بتعرضه لخديعة وسوء اختيار وندم يقود إلى الطلاق، وهكذا يكون الخطاب المقنع.
وتبدو الحكومة غير مقتنعة بتغير أفكار الأسر الفقيرة تجاه الزواج المبكر التي كانت في الماضي القريب مرتبطة بالسترة، وأصبحت متعلقة بقبول الأمومة المبكرة للتخلص من أعباء الفتاة على وقع الظروف المعيشية الصعبة والاعتقاد بأن زواجها يخفف من الضغوط على العائلة، وبات تزويج الصغيرات أفضل بكثير من مواصلة دراستهن واستكمال نضجهن. ما يعني أن الخطط الرسمية تفتقد الواقعية.