مصر تدرج الصحة الإنجابية في المناهج لتوعية أرباب الأسر في المستقبل

وزير التعليم لـ"العرب": المناهج الدراسية ستصحح مفاهيم الإنجاب.
السبت 2022/10/29
تدريس الصحة الإنجابية سيوعي الشباب بأهميتها

لم تفلح جهود الحكومة المصرية في تغيير قناعات الأسر بشأن حتمية خفض معدلات الإنجاب، رغم استعانتها بفتاوى دينية وإطلاقها حملات إعلامية لحث الناس على تحديد النسل وخفضها للدعم الأسري لطفلين فقط، فقررت الاستعانة بالمؤسسات التعليمية في تحسين الصحة الإنجابية. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة من شأنها السيطرة على الزيادة السكانية التي تعيق التنمية عبر تأهيل أرباب الأسر في المستقبل.

القاهرة - قررت الحكومة المصرية استحداث مناهج خاصة بالصحة الإنجابية لتدريسها في المدارس والجامعات ضمن مسارات تستهدف السيطرة على الزيادة السكانية الكبيرة بعدما أخفقت العديد من المؤسسات الإعلامية والدينية والثقافية في اختراق الجمود الأسري وعدم الاقتناع بخطط خفض معدلات الإنجاب.

تمثل أزمة الزيادة السكانية بالنسبة إلى الحكومة هاجسا دائما لكونها تلتهم النسبة الأكبر من معدلات التنمية، حيث يزيد سكان مصر نحو مليون طفل كل تسعة أشهر، وهو ما تراه السلطة خطرا يهدد العوائد التي يمكن أن تحققها الدولة من المشروعات التنموية، وفي المقابل لا تبدو الأسرة مكترثة بكل هذه المخاوف.

ووجدت الحكومة نفسها مضطرة للتدخل لضبط منظومة الإنجاب بفكرة عصرية تستهدف من خلالها مخاطبة الطلاب أنفسهم، سواء أكانوا بالمدارس أو الجامعات، على أمل أن يتم تأهيل أرباب الأسر في المستقبل للتعامل مع الإنجاب بحكمة وبعيدا عن الأعراف والتقاليد التي يقدسها أهالي يستسهلون كثرة الأبناء دون قيود.

وقال رضا حجازي وزير التربية والتعليم المصري لـ”العرب” إن إدراج الصحة الإنجابية في المناهج الدراسية خطوة لا غنى عنها لإقناع أجيال المستقبل بأنهم أساس حل المشكلة بعيدا عن العادات والتقاليد التي كان لها زمانها وسياقها، لأن المستقبل يحتاج إلى أفكار وخطط أسرية تضمن الحفاظ على كيان العائلة.

الحكومة وجدت نفسها مضطرة للتدخل لضبط منظومة الإنجاب بفكرة تستهدف من خلالها مخاطبة الطلاب

وأضاف أن التعويل على المناهج الدراسية لتصحيح مفاهيم الإنجاب يرمي في جزء منه إلى مخاطبة الأسرة نفسها، فالآباء والأمهات يطلعون أيضا على المناهج والأبناء يتحدثون مع آبائهم بشأن العادات الخاطئة التي صارت بحاجة إلى تغيير يتسق مع العصر، لافتا إلى أن المستهدف أن يكون الأبناء جزءا من حل المشكلة الراهنة.

وطرقت الحكومة العديد من الأبواب لتغيير قناعات الأسر بشأن حتمية خفض معدلات الإنجاب، واستعانت بفتاوى دينية تبيح تنظيم النسل وأطلقت حملات إعلامية لحث الناس على خفض الإنجاب وقررت خفض الدعم للأسر لطفلين فقط، ونوعت وسائل تنظيم الأسرة، لكن كل هذه المسارات لم تحقق الغرض.

وظل إدراج الصحة الإنجابية في المناهج الدراسية فكرة مطروحة للنقاش منذ فترة، لكن بعض الأصوات عارضتها بدعوى عدم إرهاق الطلاب بهذه الأفكار وإبعاد المؤسسات التعليمية عن إقحام نفسها لخدمة خطط الحكومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومع غياب البدائل جرى فتح الملف وبدء تنفيذ الفكرة على الأرض.

ويرى مؤيدون للفكرة أن الاستعانة بالمؤسسات التعليمية في تحسين الصحة الإنجابية بداية لإصلاح أفكار أرباب أسر المستقبل، وهم الطلاب، لأن الطالب الذي يدرس بالجامعة لا بد أن يكون مؤهلا قبل أن يقدم على تكوين أسرة، والفتاة المراهقة التي تتعلم بالمدارس من حقها أن تكون واعية ضد محاولات إقناعها بالزواج المبكر.

ويصعب فصل الاتجاه نحو المناهج الدراسية عن اقتناع الحكومة بوجود العديد من الصعوبات في إقناع الآباء والأمهات والأجداد بحتمية الاكتفاء بعدد محدود من الأبناء والتخلي عن فكرة “العزوة” والتعامل مع كثرة الإنجاب باعتباره بابا للرزق والمكسب المادي عبر توظيف الأبناء في حرف ووظائف تدر دخلا للأسرة.

الحكومة تدعو إلى ضرورة توسيع مدارك الأسر والأبناء حول تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية

وأكد وزير التعليم المصري لـ”العرب” أن الفكرة تتمحور حول تثقيف الأبناء بأن السعادة ليست بكثرة الإنجاب، بل إن الاكتفاء بعدد محدود على فترات متباعدة يضمن حياة زوجية مستقرة ويقي الأسر من بعض المصاعب الاقتصادية والصحية والاجتماعية، كما يضمن للأبناء في المستقبل حياة كريمة.

وأعاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي التطرق إلى أزمة الزيادة السكانية وكثرة الإنجاب خلال المؤتمر الاقتصادي الذي اختتم الثلاثاء الخامس والعشرين من أكتوبر، وعُقد على ثلاثة أيام وتطرق إلى مخاطر الجهل بالصحة الإنجابية والأزمات التي صارت تسببها الزيادة السكانية بشكل يقود الكثير من الأسر للفقر والعوز وتحميل الحكومة ما يفوق طاقتها.

وتدعو الحكومة إلى ضرورة توسيع مدارك الأسر والأبناء حول تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، وتصحيح المفاهيم المغلوطة في هذا الملف الحيوي، وهو ما جعل وزارة التعليم تشرع في الاعتماد على المناهج الدراسية لنسف عملية استسهال الإنجاب وتصحيح المعتقد الديني لديهم الذي يربط زينة الدنيا بكثرة الأبناء.

ورأى عمرو حسن مقرر المجلس القومي للسكان بمصر سابقا أن تضمين المناهج الدراسية بمفاهيم مرتبطة حول الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة خطوة تأخرت كثيرا، ومن المهم تطبيقها سريعا، لأن التركيز على الآباء والأجداد في الخطاب المرتبط بالإنجاب لن يكون مفيدا بنفس القدر إذا تم الاهتمام بتوعية أولادهم، ذكورا وإناثا.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الأبناء الحاليين سيكونون أربابا للأسر في المستقبل، والمشكلة سوف تستمر معهم إذا ورثوا من عائلاتهم نفس الأفكار والعادات والتقاليد المرتبطة بكثرة الإنجاب، لذلك هؤلاء بحاجة إلى خطاب مستقل وعصري وتربوي لنسف المعتقد الديني والاجتماعي بشأن ربط اقتصاد الأسرة بزيادة الأبناء.

التثقيف المبكر للشباب بشأن الإنجاب وكيفية تكوين أسرة مستقرة بعدد أقل من الأبناء يقطع الطريق على أصحاب الفتاوى المتشددة

واقتنعت الحكومة بأنها مهما أقدمت على برامج توعوية، دينية وثقافية واجتماعية وصحية، لن تحقق نجاحات في ملف مجابهة الزيادة السكانية طالما أن نسبة الأمية في المجتمع سوف تظل حاجزا أمام وصول الخطاب الرسمي إلى الأسر، مع وجود 40 في المئة لا يجيدون القراءة والكتابة، ولا تعنيهم خطط الحكومة أو معدلات التنمية.

ويؤمن كثيرون بأن تقديم جرعات توعوية للمراهقين والشباب بمفاهيم تربوية عصرية حول الإنجاب خطوة أولى نحو دفعهم للتمرد على الواقع الذي قد يفرضه الآباء والأجداد عليهم، لأنه في أحيان كثيرة يكون قرار زيادة المواليد مفروضا على الأبناء من العائلة في البيئة الشعبية التي تعتقد أن نفوذ الأسرة مرتبط بعدد الذكور.

وذكر حسن لـ”العرب” أن التثقيف المبكر للشباب بشأن الإنجاب وكيفية تكوين أسرة مستقرة بعدد أقل من الأبناء يقطع الطريق على أصحاب الفتاوى المتشددة الذين دأبوا على توظيف التراث الفقهي في مواجهة تنظيم الأسرة وتحديد النسل، وهذا يفرض على المؤسسات التعليمية تفنيد الادعاءات ليكون الخطاب التربوي مقنعا.

وصار تحريم خفض الإنجاب جزءا من ثقافة الأغلبية السكانية في مصر بسبب زيادة نسبة الأمية، لكن أصحاب الرؤى المتشددة يجدون صعوبة في التأثير على الشريحة المتعلمة، وهنا يأتي دور المنهج التعليمي المعاصر الذي ينسف كل الأفكار القديمة، الاجتماعية والدينية والاقتصادية ليكون تعاطي الناس مع القضية في المستقبل من منظور إنساني وليس عقائديا.

الميزة الأهم أنه من خلال المنهج التعليمي المعني بالصحة الإنجابية والسعادة الأسرية ستكون لدى الحكومة قدرة على تهميش النصائح العائلية القائمة على العادات، مقابل تعظيم دور المؤسسات التربوية لتصبح المدارس الكيان التوعوي الذي يصحح الأفكار الأبوية العقيمة التي تتوارثها الأجيال عن جهل وتطبقها دون فهم أو وعي.

17