مصر تحمي الأسرة بدورات إرشادية ملزمة قبل الإقدام على الزواج

يطرح على أنظار البرلمان المصري مشروع قانون تكوين لجنة عليا للإرشاد الزوجي والأسري مهمّتها كشف الأسباب التي تقود إلى الطلاق، وكيفية الحفاظ على الأطفال ضحايا الخلافات الأسرية أو الطلاق. وتتكفل اللجنة برعاية الأطفال ماديا ونفسيا ومعنويا إلى حين حل المشكلة أو إيداعهم بإحدى المؤسسات الاجتماعية التابعة للحكومة.
القاهرة – أصبح المقبلون على الزواج في مصر رسميا على موعد مع خوض دورات إرشاد أسري إلزامية قبيل إبرام العقود الرسمية على أيدي المأذونين كنوع من التوعية بطريقة تكوين أسرة ووقف الجهل بالحقوق والواجبات لكل طرف في العلاقة بشكل يحول دون ارتفاع معدلات الطلاق وتشريد الأبناء بعد الانفصال.
وتقدم نواب في البرلمان بمقترح قانوني تدعمه منظمات نسوية يقضي بإنشاء لجنة عليا للإرشاد الزوجي والأسري مهمتها كشف الأسباب التي تقود إلى الطلاق وكيفية الحفاظ على الأطفال بعد الانفصال إذا تخلى عنهم الأب والأم، وتتشكل من ممثلين عن الأزهر والكنيسة وخبراء ومتخصصين في شؤون الأسرة ووزارات هامة مثل الصحة والتضامن الاجتماعي.
ومن مهام اللجنة تقديم تقرير شامل حول الحالة النفسية والاجتماعية والطبية لكل من الشاب والفتاة قبل الزواج من خلال الفترة التي قضاها كلاهما في الدورة التأهيلية، حيث يعرفان المستوى النفسي للشريك ومدى استعداده لتكوين أسرة سوية خالية من الصراعات والأزمات التي تعصف بها.
توعية وتأهيل
وفق مشروع القانون فإن التقرير سوف يكون رؤية شاملة للشريك والعائلة حول مستقبل العلاقة الزوجية ويعتد به عند طلب أي منهما من الآخر الطلاق الرسمي، حيث يكون دليلا ماديا قاطعا يمنح الحق لمستحقيه حال حدوث مشكلة جسيمة تؤدي إلى الانفصال وإعلام كل طرف بحالة الآخر ليكون له حرية القرار.
ومن المقرر أن يقدم الدورات التأهيلية للزواج أعضاء يتم اختيارهم ضمن تشكيل اللجنة العليا للإرشاد الأسري في كل إقليم بينهم رجال دين من الأزهر والكنيسة ومتخصصون في القضايا الأسرية والنفسية والاجتماعية والإنجابية لتثقيف كل طرف بخطوات الارتباط وتكوين عائلة مستقرة والتعريف بالمفاهيم الصحيحة للزواج والمسؤوليات.
ويراجع أعضاء اللجنة العليا للإرشاد الأسري بكل إقليم التفاصيل المرتبطة بالصحة الجسدية للشباب والفتيات المقبلين على الزواج ومراقبة إجراء الفحوصات الطبية الشاملة عليهما قبل إبرام العقد دون تلاعب أو تزييف للحقائق أو التغطية على أمراض بعينها، وسوف تكون هذه الفحوصات إلزامية ولن يتم الزواج بدونها.
ويحصل مشروع القانون على دعم وسائل الإعلام والمنظمات النسوية وأعضاء داخل مجلس النواب، باعتبار أن الجهة التي تقدمت بالفكرة وهي “تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين” لها عدد كبير من النواب.
ويتناغم مشروع قانون الإرشاد الأسري مع توجهات الدولة، فكل لجنة في كل إقليم سيكون من بين مهامها التوفيق بين أي زوجين بينهما خلافات تهدد بالطلاق، وسيتم عقد أكثر من جلسة معهما ومع المقربين منهما لمنع وصول الأزمة إلى الانفصال عبر متخصصين نفسيين وأسريين واجتماعيين، حيث يكون الطلاق الخيار الأخير.
ويتزوج أغلب الشباب المصريين دون الحصول على معرفة كبيرة بالعلاقة مع الطرف الآخر، ما يجعل كل خلاف يهدد العلاقة برمتها حتى لو نتج عنها أطفال، وصار الطلاق في السنوات الأولى من الزواج أزمة حقيقية إلى درجة أن بعض حديثي الارتباط قد ينفصلون بعد شهور قليلة لأسباب واهية ولعدم قدرتهم على إدارة شؤون علاقاتهم الزوجية بوعي وفهم كبيرين.
ورأت عنان حجازي، وهي استشارية أسرية وخبيرة في تقويم السلوك، أن أكبر مشكلات الشباب والفتيات في مصر أنهم ينتقلون من مرحلة العزوبية إلى العائلية دون خبرات كافية حول شكل وطريقة تكوين أسرة مستقرة خالية من المنغصات، وأي خطوة تثقيفية قبل الزواج كفيلة بخفض النزاعات الأسرية وتقليل الطلاق بشكل نسبي.
ومعروف أن الكنيسة المصرية لديها خبرة في كيفية تقديم جلسات المشورة للشباب والفتيات قبل الزواج، لأنها تلزم كليهما بالخضوع لها، وبدأتها قبل 17 عاما، ويتقدم المقبلون على الارتباط منذ فترة الخطبة ويحصل كل متقدم فيها على دورات تشمل كل ما يرتبط بالعلاقة الزوجية وإدارتها وحل مشكلاتها والتعامل مع مرحلة الإنجاب وطرق تربية الأطفال.
ويقدم الأزهر مثل هذه الدورات، ومؤخرا دخلت المجال جمعيات ومؤسسات تحمل طابعا دينيا سلفيا، لكن المعضلة تكمن في اختزال المشورة الزوجية في الحلال والحرام، وما بجب فعله وتجنبه لعدم مخالفة التعاليم الإسلامية وهي دورات توعوية منقوصة لأنها لا تتطرق إلى المفاهيم الأساسية للزوا،ج والحفاظ على الكيان الأسري بعيدا عن الدين.
وأوضحت عنان حجازي لـ”العرب” أن تأهيل المقبلين على الزواج نفسيا وسلوكيا واجتماعيا وتعريفهم بشكل العلاقة بعد الارتباط الرسمي يخفف من وطأة التغيير الجذري الذي يحدث في حياتهم بعد الانفصال عن الحياة العائلية لمرحلة تكوين أسرة خاصة بكل طرف، وهذه مرحلة صعبة على كليهما تتطلب وعيا وإدراكا بكيفية إدارة العلاقة مع الشريك بهدوء.
وأضافت أن انتقال أي شاب وفتاة من مرحلة المراهقة إلى المسؤولية دون فهم ووعي لما سوف يقابله من مسؤوليات ومشكلات يتسبب في الكثير من الأزمات التي قد يخفق كلاهما في حلها بسهولة، وهنا تأتي ميزة التثقيف والتوعية بمتطلبات الحياة الزوجية في كل التخصصات لرسم المستقبل أمامهم قبل الانخراط فيه بجهل ما يجعل الزوجين يعيشان حياة ملغمة بالصراعات.
حماية الأطفال
ميزة إدراج المتخصصين النفسيين والأسريين في لجان الإرشاد الأسري أن الدورات التأهيلية التي سيتم تقديمها للشباب والفتيات ستكون متحررة فكريا وثقافيا واجتماعيا، بعيدا عن المحرمات الاجتماعية والأسرية حول العلاقة الحميمية والثقافة الجنسية التي يجهلها أغلب المقبلين على الارتباط وانحسار الأفكار الحالية في التكاثر وزيادة الإنجاب والإثارة.
وتجبر إلزامية الدورات التأهيلية في حد ذاتها الشريحة التي يمكن أن تعزف عن خوضها لأسباب ترتبط بالعادات والتقاليد والمحرمات، وبالتالي فإن الإجبار سوف يشمل إجراء الفحوصات الطبية والتأهيل النفسي والطبي والسلوكي، ما يمهد الطريق لاختراق الثقافات المتحجرة في المناطق الريفية والشعبية حول العلاقة الزوجية واختزالها في الجنس فقط.
الميزة المهمة أيضا لمشروع القانون أن لجنة الإرشاد الأسري ستكون مسؤولة عن حماية الأطفال ضحايا الخلافات الأسرية أو الطلاق، حيث يتم رعايتهم ماديا ونفسيا ومعنويا إلى حين حل المشكلة أو إيداعهم بإحدى المؤسسات الاجتماعية التابعة للحكومة تمهيدا لتسليمهم لمن له حق حضانتهم بعد الطلاق بعيدا عن اللجوء إلى المحاكم لحل هذه المشكلة، حيث لا يكون الأطفال الحلقة الأضعف في الصراع الأسري.