مصر تجند أئمة المساجد للحد من انتشار الطلاق

لجأت الحكومة المصرية إلى أئمة المساجد باعتبارهم من أكثر المؤثرين على الرأي العام في المجتمع لتجنب الأسر الطلاق والتوعية بنتائجه وتداعياته على الأبناء من خلال خطبة موحدة تستهدف الكبار والشباب والمراهقين، ضمن حلول الحكومة للحد من استسهال الانفصال.
القاهرة - أدركت الحكومة المصرية أن أي خطة أو مشروع توعوي يستهدف خفض معدلات الطلاق في البلاد من دون الاعتماد على تطوير الخطاب الديني، لن يُكتب لها النجاح، ما يفسر التوجه الذي أقدمت عليه وزارة الأوقاف أخيرا بتجنيد أئمة وخطباء مساجد للحديث عن مخاطر استسهال الطلاق وتداعياته على الأسرة.
وأكدت وزارة الأوقاف أنها ستمضي في توجيه وعي جمهور المساجد إلى البعد الناجم عن الطلاق وما يؤدي إليه من أسباب، وتعزيز مكانة الزواج وقيمته السامقة، وبيان فائدة وصف عقد الزواج بالميثاق الغليظ، مع ضرب نماذج من صور إيجابية بديعة للحياة الزوجية الكريمة التي أعلت من قدر ذلك الميثاق.
وجرى الاستقرار على تخصيص بعض خطب الجمعة في المساجد، على فترات متقاربة، للحديث عن مخاطر الطلاق على الأسرة، وكيفية تجاوز الخلافات الزوجية للحفاظ عليها والمطلوب من الشريكين وقت الصدامات كي يُجنبا نفسيهما الوصول إلى طريق مسدود ينتهي بالانفصال، وحق الأبناء على الأبوين وقت الخلافات.
وهذه من المرات النادرة التي يتم فيها تجنيد أئمة وخطباء المساجد في يوم واحد للتوعية بمخاطر الطلاق وتجنب الوصول إليه مهما كانت هناك مشكلات بين الزوجين، مع تقديم نماذج واقعية لجمهور المساجد، من خلال خطبة موحدة تستهدف الكبار والشباب والمراهقين، ضمن حلول الحكومة للحد من استسهال الانفصال.
وما زالت المساجد في مصر من أهم الساحات التي يمكن من خلالها التأثير على أفكار المواطنين وتوجهاتهم الحياتية، وربما خططهم المستقبلية، وهي من أدوات تشكيل الرأي العام في المجتمع بفئاته المختلفة، لارتباط الأغلبية بالتعاليم الدينية التي يتم نشرها في المساجد، لكن المعضلة في توظيفها لتعزيز الوعي بمشكلات الأسرة.
وتستهدف الحكومة المصرية من وراء الخطوة بدء التعويل على المساجد لتكون أقرب إلى مصلح أسري، يتدخل لتأهيل الناس للتعامل مع الخلافات داخل العائلة الواحدة، بما قد يساهم في ترميم شروخ بعض العلاقات الزوجية، ولو بشكل نسبي، المهم أن يتم فتح نقاش مع المواطنين عبر منابر موثوق بها لمراجعة تصرفاتهم.
وتعتقد المؤسسة الدينية أن أكبر مشكلة تواجه الكثير من الأزواج في مصر أنهم لا يفضلون وصول العلاقة إلى طريق مسدود، لكنهم لا يجدون من يرشدهم إلى الصواب ويتحدث إليهم بخطاب بسيط ومقنع قائم على النصح والترهيب من تبعات انهيار العلاقة، بحيث يكون هناك جرس إنذار كي يستفيق من يفكر في الطلاق.
ولدى شريحة معتبرة من الوعاظ والدعاة التابعين لوزارة الأوقاف خبرة معقولة في ملف الإرشاد الأسري، بعد أن تم تدريبهم فترة طويلة على التصدي لظاهرة الطلاق وتقريب المسافات بين الزوجين على أسس صحيحة، لكنهم تدخلوا في هذا الملف من خلال دورات تأهيلية للمقبلين على الزواج بلا تعميم للخطاب على جميع الناس.
وحسب إحصائيات رسمية، فإن قرابة 85 في المئة من حالات الطلاق تقع في السنوات الثلاث الأولى من الزواج، ما دفع مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء إلى تخصيص دعاة ووعاظ وأئمة لديهم وعي مجتمعي، وتم انتقاؤهم بعناية لتكون مهمتهم تأهيل الراغبين في التأهيل قبل الزواج والتدخل لإنهاء أزمات أسرية معقدة.
وخضعت شريحة من أئمة الأوقاف لتدريبات مكثفة من خلال متخصصين نفسيين واجتماعيين واستشاريين أسريين ليكون لديهم أسلوب مقنع عند التدخل لإصلاح العلاقة بين الزوجين اللذين قاربت العلاقة بينهما على الانهيار، حتى تقرر الاعتماد على أغلب هؤلاء لمخاطبة الناس من أعلى منابر المساجد لتوسيع نطاق التوعية.
ويتحفظ البعض على الخطوة من منطلق أن خطباء المساجد مهما تلقوا من تدريبات وتأهيل، فإنهم غير ضالعين في حل المشكلات الأسرية لأنهم في النهاية رجال دين، يتحدثون بلغة الحلال والحرام ليس أكثر، والقليل منهم فقط من يملك وسطية في التعامل مع القضايا الزوجية المتشابكة.
ويدلل الخبراء على رؤيتهم بأن الأزهر يقدم دورات إرشادية للمقبلين على الزواج منذ فترة طويلة، ولدى دار الإفتاء مركز للإرشاد الأسري، ولا توجد نتائج تحققت على الأرض، وتظل الإشكالية في طريقة الخطاب الموجه إلى الأسرة، إذ يختزل رجال الدين الأزمة في ما يجب فعله أو تجنبه، مع أن الزواج قائم على التفاهم والتشارك والمودة.
ويعتقد متخصصون في العلاقات الاجتماعية أن تجنيد المساجد لمواجهة الطلاق جزء من الحل، لأن الوعي الديني مهم في التصدي للظاهرة، والعبرة في طريقة مناقشة القضية من أعلى المنابر ودفع الناس إلى الإيمان بقدسية العلاقة مهما حدثت مشكلات، لأن النسبة الأكبر من أسباب الانفصال مرتبطة بأسلوب إدارة الخلافات.
ما زالت المساجد في مصر من أهم الساحات التي يمكن من خلالها التأثير على أفكار المواطنين وتوجهاتهم الحياتية وخططهم المستقبلية
قال محمد هاني الاستشاري النفسي والخبير في العلاقات الأسرية بالقاهرة إن شريحة معتبرة من الأزواج الذين يفكرون في الطلاق يرفضون الخطوة، لكنهم بحاجة إلى تدخل طرف موثوق فيه، ليست لديه مصلحة ذاتية لتعديل قراراتهم وإنارة بصيرتهم، لذلك تطرق المساجد إلى إشكالية الطلاق خطوة ضرورية وإن تأخرت.
وأوضح لـ”العرب” أن العبرة في المداومة على مناقشة أزمة الطلاق من خلال المنابر الدينية، لا التطرق إليها مرة واحدة لإقناع الناس بخطوة الموقف، وحتمية التعامل بعقلانية بعيدا عن الاستسهال، وتزداد قيمة الوعي بخطوة الانفصال عندما لا تُمارس المؤسسات الثقافية والدينية والإعلامية دورها على الوجه الأكمل.
ولفت إلى أن الخطاب الحقيقي يجب أن يوجّه إلى أرباب الأسر قبل الأبناء، لأن دورهم تراجع في معالجة المشكلات الزوجية التي تخص أولادهم، وتراجع أيضا في تأهيلهم مسبقا لتحمل المسؤوليات والحفاظ على قدسية العلاقة وطريقة إدارة الخلافات، وهذا جزء أساسي من الحل، حتى لا ينتهي دور الأب عند تزويج ابنه.
ويفتقد الكثير من الأزواج، لاسيما في سنوات الزواج الأولى، إلى الخبرة الحياتية في مواجهة الأزمات الأسرية، وميزة تدخل أئمة المساجد، من وجهة نظر البعض، أن المؤسسة الدينية ما زالت تحظى بثقة وقبول الأغلبية المجتمعية، ما من شـأنه تعامل الأسرة مع الخطاب التوعوي الديني باحترام وتوقير.
ويرى متابعون لتطورات أزمة الطلاق أن الحكومة ستكون مخطئة إذا ما عوّلت على أئمة المساجد وحدهم لمواجهة الظاهرة، لأن نجاح تلك الخطوة يتطلب تدخلا من أطراف أخرى، ممثلة في المؤسسات التعليمية والإعلامية التي لا يزال دورها سلبيا في توعية الشبان والفتيات بأبجديات الحياة الزوجية.