مصر تجد حلا للأمية: ربط المساعدات بتدريس الأبناء

لم تجد سياسة الترغيب التي انتهجتها الحكومة المصرية نفعا مع الأسر التي تتساهل مع انقطاع أبنائها عن التعليم وتسربهم من المدارس، ما جعلها تلتجئ إلى سياسة الترهيب وتقرن استمرار الخدمات التي تقدمها لها بمواظبة أبنائها على التعليم واستمرار التحاقهم بالمدارس.
القاهرة - لجأت الحكومة المصرية إلى ترهيب الأسر التي تتساهل مع عدم تعليم أولادها إما بعدم إلحاقهم بالمدارس أو تسربهم من التعليم، وقرّرت تغليظ العقوبة المالية المقررة على والد الطفل أو وليّ أمره، إذا تخلف الطفل أو انقطع دون عذر مقبول عن الحضور إلى المدرسة لدفع الأهالي لمراجعة نظرتهم إلى التعليم عموما.
ونصّ مشروع القانون الذي وافقت عليه الحكومة قبل أيام، على أن تتكرر المخالفة وتتعدد العقوبة باستمرار تخلف الطفل عن الحضور أو معاودته التخلف دون عذر مقبول، بعد إنذار والده أو المتولي لأمره، يستوجب تعليق استفادة المحكوم عليه من كل أو بعض الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية والهيئات العامة.
شملت العقوبة، حرمان والد الطفل، أو المتولي لأمره، من جميع أو بعض خدمات وحدات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، والجهات التي تؤدي خدمات مرافق عامة، حتى عودة الطفل إلى المدرسة، على أن يصدر بتحديد تلك الخدمات وقواعد وإجراءات تعليقها وإنهائها قرارا من وزير العدل بالاتفاق مع الوزراء المختصين.
وتهدف الحكومة من وراء هذه الخطوة إلى نسف الجهل الأسري في مصر، باعتبار أن المتسربين من التعليم سيكونون مسؤولين مستقبلا عن عائلات وأطفال، ومن ثم سيرثون نفس الأفكار والخرافات أو يمكن أن يقعوا فريسة لموروثات خاطئة، أو يتحولوا إلى أطفال شوارع، وهي ظاهرة أصبحت وصمة في جبيني المجتمع والحكومة.
ربط الاستفادة بالخدمات الحكومية بضرورة تعليم الأبناء وذهابهم إلى المدارس سيدفع كل عائلة إلى مراجعة حساباتها
وسبق للحكومة أن اتجهت لسياسة الترغيب مع أسر الأطفال الممتنعين عن تعليهم، بأن قررت صرف معونات شهرية لهم، تعينهم على متطلبات الحياة اليومية نظير عودة أولادهم إلى المدارس، مع صرف معاش شهري للأطفال الذين تعاني أسرهم من الفقر، بحيث يتم توفير متطلباتهم الدراسية، لكن الفكرة لم تلق رواجا عند الناس.
ولا يبالي الكثير من الأسر البسيطة بفكرة إقرار عقوبات على الآباء الممتنعين عن تعليم أولادها، لكن ربط الخدمات الحكومية بالتزام الأبناء في المدارس سيدفع كل عائلة إلى مراجعة حساباتها مرة أخرى، لأنه لن يستطيع أحد أن يتخلى عمّا تقدمه إليه الدولة من خدمات أو مساعدات، كالصحة والكهرباء والتموين وغيرها.
وكان شعبان عوض، وهو حارس عقار بحي عين شمس الشعبي بالقاهرة، يتمسك بقرار عدم تعليم بناته الثلاث بدعوى أن مصيرهم في النهاية الزواج، فهو الذي ورث من المجتمع الصعيدي (جنوب مصر) الذي جاء منه ليعمل في العاصمة، أن البنت مكانها المنزل لا المدرسة ولا الوظيفة، ورغم أن هذه العادة تغيرت نسبيا، لكن لا يزال الكثيرون يتمسّكون بها.
وعلم شعبان قرار الحكومة من إحدى البرامج التلفزيونية وقرّر التراجع عن موقفه، ليس اقتناعا منه بأهمية تعليم بناته الثلاث، بل خوفا من تأثير ذلك على الخدمات الحكومية التي يتمتع بها شهريا، حيث يحصل على معاش من الحكومة بشكل دوري، ضمن مشروع “تكافل وكرامة” الذي يستهدف مساعدة الأسر البسيطة ماديا.
قال الأب لـ”العرب”، إنه مضطر لإعادة التقديم لابنتيه اللاتي حان وقت دخولهن المدارس، والصغيرة سوف يلحقها بالمدرسة العام المقبل، حتى لا يخسر المساعدة الشهرية التي تقدمها له الحكومة وتعينه على متطلبات الحياة اليومية، إلا أنه ما زال يتمسّك بأن البنت لبيتها وزوجها وأولادها، لأنها لن تستفيد من التعليم في شيء.
وصارت هناك ظاهرة واضحة عند بعض الأسر البسيطة بأن تعليم الأبناء ليس من الضروريات، المهم أن يعملوا ويساعدوا أسرهم في توفير متطلّبات احتياجات الأسرة، حيث يتم إلحاقهم في حرف ومهن تتناسب مع أعمارهم، كما أن الأغلبية وإن ألحقت أولادها في المدارس قد تجبرهم على عدم الذهاب إليها لاحقا.
وتصل نسب التسرب من المدارس في المناطق الحدودية وبين أبناء الطبقات الفقيرة وقاطني العشوائيات في مصر لمستويات قياسية، لأن الكثير من أرباب الأسر في هذه الأماكن لم يتعلموا ويطبّقون ذلك على أولادهم ويبرّرون موقفهم بزيادة الأعباء الأسرية وارتفاع الأسعار وعدم مساعدة الحكومة في مصروفات تعليمهم.
ووفق إحصاء حكومي صدر تجاوز عدد المتسربين من التعليم في مصر المليون طفل في مراحل تعليمية مختلفة سنويا، بعضهم تزوج، خاصة الفتيات منهن، وبالتالي فإن ترهيب الأسر بوقف الخدمات من شأنه عودة هؤلاء للتعليم، وإلحاقهم في مدارس مخصصة لمن تجاوزوا السن القانونية المسموح للطفل أن يدخل فيها المدرسة (7 سنوات).
ويرى متخصّصون في العلاقات الأسرية أن تهديد الأسر الممتنعة عن تعليم أولادها خطوة جيدة، لأن الجهل يؤسس لأرباب أسر في المستقبل، ليس لديهم الحد الأدنى من الوعي والفهم والثقافة ويرثون أفكارا مغلوطة، ويفشلون في التربية، ويكونون أسرى لعادات وتقاليد بالية، وينعكس ذلك على أولادهم، وقد يتحوّل الأمر إلى توريث الجهل.
وتدرك الحكومة أن فشلها في محاربة الظواهر المجتمعية السلبية، المرتبطة بالأسر، جاء على وقع جهل أغلب الأسر بالحد الأدنى من التعليم، فهي أخفقت في إقناع هذه الفئة بتنظيم الإنجاب للحد من الزيادة السكانية، وفشلت في وقف ختان الإناث بسبب الجهل، وهو نفس الموقف بالنسبة إلى إخفاقها في التصدي لظاهرة الزواج المبكر للفتيات.
وأكد محمد هاني استشاري العلاقات الأسرية بالقاهرة أن جذب الطلاب إلى التعليم يتطلب إجراء حوار صريح مع الأهالي لمعرفة الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك، بحيث تكون الحلول واقعية ومرتبطة بمشكلات الأسرة لتعالجها المؤسسات المسؤولة بطريقة هادئة، لأن الانقطاع عن التعليم يمهد لأزمات أسرية لا حصر لها.
وأضاف لـ”العرب” أن ربط خدمات الحكومة للأسرة بتعليم أولادها خطوة مطلوبة، لكن يفترض أن يتبعها مسارات أخرى، لأن هناك عائلات لا تستجيب للغة التهديد، وإلا كانت نجحت القوانين الرادعة في مواجهة ظواهر سلبية، مثل الزواج المبكر وختان الإناث، ووقف الجرائم المجتمعية، الموضوع برمته مرتبط بالثقافة والفكر، وهذا في حاجة إلى خطاب عقلاني.
ويتطلب ذلك تشكيل لجان من خبراء في علم النفس والتربية والسلوك والاجتماع، للنزول على الأرض، والتحاور مع الأهالي أنفسهم، بعد تحديد المناطق الأكثر حرمانا لأولادها من التعليم، لأن التحاور المباشر مع أصحاب المشكلة، سيكون بداية للحل الواقعي، وتغيير نظرة الأسر للتعليم، قبل أن يتفاقم الجهل، ويدفع الجميع فاتورة باهظة مستقبلا بسبب الظاهرة.
وحال تمسكت الحكومة بموقفها وتقديم سياسية الترهيب على التوعية والفهم والنصيحة المباشرة للأسر، فإن ذلك قد يواجه بحالة تمرد من بعض الأهالي، لاسيما وأن هناك حالة عزلة بين البسطاء وقرارات الحكومة عامة، ويعرفونها بالصدفة، أو لا يعرفونها من الأساس، وبالتالي فإن النزول على الأرض لهذه الفئات، حل لا غنى عنه لمواجهة الجهل الأسري في مصر.